«إيلاف»&من جدة: تعيش الفنون في السعودية حالة جدلية في ظل تنازع الآراء وتضارب الفتاوى&الدينية حولها، ما قد يصعب صوغ رؤية واضحة نتيجة الجدل بين التيارات الفكرية المتعارضة.

وبين مؤيدي هذه الخطوة ومعارضيها، تضج وسائل التواصل الإجتماعي بالوسوم المحملة بآراء المتشددين وبتصريحات مثيرة لمسؤولين، كان آخرها تصريح أحمد الخطيب، رئيس الهيئة العامة للترفيه، صنف فيه المجتمع السعودي إلى ثلاثة تيارات.

أخطأ

أوضح الناقد والإعلامي السعودي أحمد الفهيد لـ "إيلاف" عما جاء في سياق تغريدته التي قال فيها: "خطأ كبير ارتكبه رئيس هيئة الترفيه حين صنف المجتمع السعودي إلى 3 تيارات.. ما كان عليه الخوض في ذلك أبدًا". قال: "كان على احمد الخطيب بوصفه رجل دولة مسؤولاً عن جهة رسمية أن يراعي طريقة الخطاب، فمهمته تقتضي خدمة المجتمع بكافة شرائحه، وما كان عليه الخوض في تقسيم المجتمع وتصنيفه إلى تيارات وفئات".

ونقلا&عن صحيفة "عكاظ" السعودية، فإن الخطيب عقب السبت الماضي على ما تم تداوله في إثر لقاء صحافي أجراه مع إحدى الوكالات الإخبارية، موضحًا أن ترجمة الحوار من الإنكليزية إلى العربية ادى إلى تفسير سياق الحديث بشكل غير واضح ودقيق، مؤكدًا أن الهيئة ستفتتح صالات للسينما قريبًا وفق الضوابط والاجراءات الرسمية التي تعتمدها المملكة في مسيرتها.

وفي السياق نفسه، تشهد المملكة تحولًا نوعيًا في الحراك الفني بعدما غابت الموسيقى عن المشهد منذ نهايات سبعينيات القرن الماضي، اذ بدأت فروع جمعيات الثقافة والفنون في مختلف مناطق المملكة بإطلاق دورات وتفعيل نشاطات فنية ابتداء بدورة تعليم البيانو في جدة، مرورًا بأمسيات عزف الأوركسترا الذي أقيم في مركز الملك فهد الثقافي في الرياض وغيرها من المناطق التي تشهد سلسلة من الباقات الفنية المختلفة، وانتهاء بتصريح رئيس الهيئة العامة للترفيه عن عزم الهيئة افتتاح دار للأوبرا والسينما.&

امتداد للرؤية الحديثة

قال عبد الحميد الصالح، مستشار إدارة الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون، لـ "إيلاف"، إن المملكة تشهد حالة حراك فني منفرد، واصفًا سلسلة الفعاليات&التي تمت أخيرًا في الرياض بأنها مؤشر حقيقي لحالة النضج الذي تمر به المملكة، مشيرًا إلى أن الفعاليات&والأمسيات التي شهدتها الرياض وغيرها في ما يخص دورات تعليم الموسيقى وعزف الأوركسترا اليابانية وغيرها ليست إلا إبرازًا لثراء الثقافة السعودية التي تزخر بألوان الفنون كلها منذ القدم. وتمثل التجربة التنموية السعودية بكل معطياتها النهضة الفنية والفكرية الملموسة في الاهتمام واحتضان مثل هذه النشاطات، معتبرًا هذا الحراك امتدادًا لرؤية المملكة الحديثة.

أضاف الصالح: "توافد الحضور من كل مكان لحضور حفل أو فعالية&فنية دليل على انفتاح المجتمع السعودي ونضجه فنيًا، فهو مجتمع يقبل الاندماج مع مختلف الفنون والثقافات".

اختلاف من دون خلاف

قال عمر الجاسر، مدير الجمعية السعودية للثقافة والفنون بجدة، لـ"إيلاف"، إن الدورات التي أعلنت عنها الجمعية هي ضمن باقات دعم المواهب وتطوير الشباب التي تهتم بها الجمعية، مشيرًا إلى أن أي عمل ومبادرة ايجابية وناجحة تجد في مقابلها معارضين ومنتقدين، "وهذا النقاش والاعتراض من الفئة المعارضة دليل على صحة الحراك الثقافي في المجتمع، لكن الغريب أن يكون هذا الخلاف مصحوبًا بتطاول وشتائم باسم الدين والنصيحة".

يضيف الجاسر: "الكارثة هي أن يصبح هؤلاء المتطاولون أوصياء على المجتمع، فيرفضون أي فكرة ايجابية باسمه، وتجاوز الأمر ذلك بمراحل حيث وصل التطاول إلى أذيته من خلال رسائل خاصة واتصالات مليئة بالقدح والقذف، والحكم عليه بمصطلحات لا يليق ذكرها".

تساءل الجاسر: "بأي حق يتطاول هؤلاء، مستخدمين وصايتهم الخاطئة على المجتمع خصوصًا أن دورات الموسيقى التي أقامتها الجمعية مرخصة من الجهات الرسمية، وليذهب المتطاولون إلى هذه الجهات لتقديم اعتراضهم، وما أثار تعجبي هو وجود سيدات سعوديات أكاديميات بين المتقدمات للتسجيل في دورة الموسيقى درسن الموسيقى خارج المملكة، وأبدين سعادتهن ممتنات للجمعية التي بدأت باحتضان مواهبهن وانجازهن الفني، بعد أن عانين فترة طويلة ركود النهضة الفنية والموسيقية في المملكة".

عودة الهوية الفنية

قالت الكاتبة والشاعرة السعودية زينب غاصب لـ "إيلاف" إنها من عشاق الموسيقى ومشجعيها، باعتبارها تؤدي دورًا كبيرًا في علاج الروح وتغذيتها، كما تعتبرها جانبًا مهمًا في الحياة إذ تسهم في تهذيب سلوك الإنسان.

أضافت: "بين ستينيات القرن الماضي وثمانيناته، كان بعض مدارس في المملكة كدار الحنان ومدارس الثغر النموذجية يعطي دروسًا في الموسيقى، غير أن المرحلة التي تلت تلك الفترة طمست ملامح كثيرة من هوية الفن والموسيقى في المدارس، وهناك الكثير من الكتب والمؤلفات التي تناولت تاريخ الغناء واستخدام العرب لأدوات العزف في الجزيرة العربية قبل الاسلام وبعده، فأشهر رواد الغناء والعزف انطلقوا من مكة المكرمة والمدينة المنورة، وهذه معلومات مثبتة في كتب عربية معروفة".

المرأة جزء من الجدال&

أعرب الصحافي والمحرر الفني صلاح مخارش لـ "إيلاف" عن سعادته بمثل هذه الفعاليات&والانشطة الفنية ودعمه لها، مرحبًا بالتصريحات التي أعلن عنها بشأن إنشاء دور للسينما والأوبرا في السعودية، معتبرًا أنها خطوة تساهم في انعاش الحركة الفنية بعد غياب دام عقودًا.

أضاف: "المرأة تشكل هاجسًا عند البعض، وربما يكون ذلك جزءًا من الجدال القائم حول رفض إنشاء صالات السينما واطلاق دورات تعليم الموسيقى للمرأة، ظنًا من الفئة المعارضة أن ذلك مدعاة للاختلاط والفساد".

ورأى مخارش أن الاعتراضات التي تصدر بعد كل تصريح وبيان من هيئة الترفيه على تفعيل الأنشطه الفنية "ما هي إلا آراء شخصية تبقى عرضة للقبول أو الرفض، ما دامت هذه النشاطات تُقام في داخل منظومة تعتمدها جهات رسمية وتعترف بها. والحفلات الفنية التي تم إحياؤها في جدة والرياض أخيرًا مؤشر حقيقي إلى تعطش المجتمع السعودي للموسيقى خصوصًا، والفن عمومًا، وذلك من أسس الجذب السياحي لانعاش الحركة الاقتصادية في المملكة، وما سفر العائلات السعودية إلى خارج المملكة لحضور حفلات الصيف الغنائية إلا دليل واضح على أن المجتمع السعودي يبحث عن الحياة والفرح حتى لو كلفه الأمر السفر بحثًا عنهما".&