يساهم تطوير مفهوم هندسي يجمع بين التكنولوجيا التقليدية للمحركات النفاثة والدفع الصاروخي في اختراع محرك يجعل التحليق بين النجوم والعودة إلى الأرض رحلة شائعة، كما الرحلات الجوية اليومية بين الدول البعيدة.
&
يعمل مهندسون بريطانيون على تطوير محرك يجعل التحليق بين النجوم والعودة إلى الأرض رحلة شائعة، تمامًا كالسفر بالطائرة من لندن إلى نيويورك. وقال سايمون هانكس، رئيس قسم التصنيع المتقدم في شركة "رياكشن انجينز" ومقرها اوكسفوردشاير، إن من مواصفات هذا المحرك تبريد الهواء من 1000 إلى 150 درجة مئوية تحت الصفر في 0.01 ثانية. وأمضت الشركة نحو 30 عامًا في العمل على التوصل إلى هذه القدرة بتطوير مفهوم هندسي يجمع بين التكنولوجيا التقليدية للمحركات النفاثة والدفع الصاروخي.
&
محرك السيف

أعلنت الشركة التي أسسها ثلاثة مهندسين في عام 1989 أنها تخطط لاستثمار 10 ملايين جنيه استرليني في بناء أول منشأة للاختبارات الأرضية في قاعدة بريطانية، تُستخدم للبحوث الصاروخية منذ 70 عامًا. ويعتبر بناء المنشأة محطة متميزة في تطوير المحرك الذي أُطلق عليه اسم "سَيبر" Sabre (السيف)، تشير إلى انتهاء المرحلة التجريبية وبداية الاختبارات العملية لفكرة المحرك على أرض الواقع.

تتولى وكالة الفضاء الاوروبية إدارة قسم من استثمار بريطانيا البالغة قيمته 60 مليون جنيه استرليني في تكنولوجيا المحرك "سَيبر".

وقال مارك فورد، رئيس قسم هندسة الدفع في الوكالة، إن الانتقال إلى مرحلة الاختبار محطة مهمة في البرنامج لإثبات المبادئ التي كانت شركة ريكشن إنجينز تتحدث عنها.

وحين تنتهي هذه المرحلة، "نستطيع القول إن هذا محرك من نوع جديد".

ونشأت فكرة المحرك الفضائي "سَيبر" بالتزامن مع الطائرة الفضائية "سكايلون" لنقل طائرة من الأرض إلى مدار في الفضاء وإعادتها في مرحلة واحدة. لكن الشركة ستركز على المحرك ثم الانتقال تدريجيًا إلى هدفها النهائي المتمثل بوضع طائرة في المدار واعادتها. يعني هذا تطوير حل وسطي لزيادة كفاءة المرحلة الأولى التي تتضمن عمليات إطلاق تقليدية على مرحلتين. كما خفضت الشركة حجم المحرك الذي تعمل على تطويره بنسبة 75 في المئة، وأدخلت في المشروع شركة بي أي إي سيستمز التي استثمرت 20.6 مليون جنيه استرليني مقابل 20 في المئة من المشروع.
&
الحالة المثلى

اسفر المشروع عن تزايد الطلب على منظومات اطلاق فضائية قابلة للاستعمال مجددًا.

وتقدر شركة يوروكونسالت الاستشارية العالمية أن نحو 9000 قمر اصطناعي ستُوضع في مدارات باستخدام التكنولوجيا الجديدة خلال السنوات العشر حتى عام 2025، مقارنة بأقل من 1500 قمر اصطناعي في العقد السابق على هذه الفترة.

قال فرانك توماس، الرئيس التنفيذي لشركة رياكشن إنجينز، إن الوصول إلى المدار في مرحلة واحدة بمنظومة يمكن استخدامها مرة اخرى هو "الحالة المثلى" والطموح النهائي للصناعة الفضائية.

لكنه أضاف: "ما زال الوصول إلى المدار بمرحلة واحدة على خريطة الطريق"، منوهًا بتعاون الشركة مع الحكومة والصناعة الفضائية.

لاحظ فيليب سميث، من شركة برايس سبيس أند تكنولوجي الاستشارية الاميركية، أن شركة رياكاشن إنجينز هي الوحيدة التي تعمل على تصميم مثل هذا المحرك واصفًا إمكانية استخدام المنظومة أكثر من مرة بـ"دليل نضج لم يكن موجودًا في هذه الصناعة من قبل".
&
أغراض عسكرية وفضائية

ستبني الشركة البريطانية محركها الأول لتشغيله في مركز الاختبار الجديد في عام 2020. وفي وقت لاحق من العام الحالي، ستُختبر أجهزة ما قبل التبريد في ظروف من درجات الحرارة العالية مماثلة لما يحدث خلال التحليق بسرعة تفوق سرعة الصوت. ولتوفير نفق الرياح المطلوب في مثل هذه السرع العالية، تتفاوض شركة رياكشن إنجينز مع الحكومة الأميركية التي أبدت اهتمامها بهذه التكنولوجيا للأغراض العسكرية وبرامجها الفضائية.&

ونقلت صحيفة فايننشيال تايمز عن مصادر في مختبر البحوث التابع لسلاح الجو الأميركي أنه يتابع باهتمام تقدم عملية الاختبار الأرضي للمحركة "سَيبر". ومن شأن دخول الولايات المتحدة شريكًا في هذا المشروع أن يأتي بتمويل جديد للبرنامج الذي من المرجح أن يكلف مليارات عدة قبل أن يُستخدم المحرك فعليًا على جناح طائرة، وهو هدف يتحقق بعد عشر سنوات في الأقل.

وقال توماس إن اهتمام الحكومة الأميركية وتمويلها "يتسمان بأهمية بالغة لنا ولبريطانيا ونحن ننظر إلى ذلك بوصفه هدفًا استراتيجيًا". ومن الجائز أن يثير العمل مع الحكومة الاميركية مخاوف من أن تتنازل بريطانيا عن تكنولوجيا متطورة إلى آخرين ليستغلوها. لكن توماس أكد أن شركته تدرك ضرورة حماية المنافع المتحققة لبريطانيا من ابتكارها.
&
أوكسجين سائل أقل

في هذه الأثناء، تأمل الشركة البريطانية بأن تستدرج تقانتها قطاعات أخرى، مثل الصناعة الجوية-الفضائية التجارية أو صناعة توليد الطاقة أو صناعة السيارات. قال توم سكروب، مديرها المالي، إنها تستطيع أن تطلق منتوجًا جديدًا في وقت مبكر ـ ربما في العام المقبل.

يجمع المحرك "سَيبر" بين تكنولوجيا المحركات النفاثة وتكنولوجيا الصواريخ بفضل جهاز ما قبل التبريد الذي يأخذ الحرارة من الهواء المتدفق في المحرك بسرعة تصل إلى 5 ماغ، أي أضعاف سرعة الصوت. يتيح هذا استخدام الطاقة الحرارية لتشغيل كابس توربيني.&

وعند الوصول إلى حافة الغلاف الجوي ينتقل المحرك إلى العمل بالنمط الصاروخي مستخدمًا الأوكسجين السائل للدخول في مدار. &وخلافًا لصواريخ كتلك التي تطورها شركة سبيس أكس الأميركية، فإن المحرك "سَيبر" لا يحتاج إلى حمل كميات كبيرة من الأوكسجين السائل، ولن يتعين عليه المرور بمراحل مختلفة خلال الرحلة، بل يمكن أن يحقق حلم الصناعة الفضائية ببناء منظومة تصل إلى مدارها بمرحلة واحدة.

وتراهن بريطانيا على المحرك الجديد لتعزيز مكانتها في صدارة الصناعة الفضائية التي يُقدر أن تبلغ قيمتها نحو 400 مليار جنيه استرليني بحلول عام 2030.
&
أعدت "إيلاف" هذا التقرير بتصرف عن "فايننشيال تايمز". الأصل منشور على الرابط:
https://www.ft.com/content/33f3cfe2-2ecd-11e7-9555-23ef563ecf9a