دعت شخصيات أردنية إلى أن تولي الدولة أهمية لدورها التنظيمي والرقابي وعدم الدخول في أنشطة تجارية، وأكد الوزير السابق وأمين منتدى الفكر العربي الدكتور محمد أبو حمور ضرورة التعاون والتنسيق بين القطاعين العام والخاص كقاعدة أساس لتنمية اقتصادية مستدامة.

إيلاف: ضمن اللقاءات الأسبوعية لمنتدى الفكر العربيّ، أقيم أمس الاثنين، حفل إشهار لكتاب: "الدولة واقتصاد السوق: قراءات في سياسات الخصخصة وتجاربها العالمية والعربية"، وذلك في قاعة الحسن بن طلال في مقرّ المنتدى.&

يأتي هذا اللقاء، في سياق التفاعل مع المفكرين والمؤلفين، خاصة في ظلّ تواضُع المجهود البحثي الاقتصادي، وندرة المؤلفات المتخصِّصة في هذا المجال في العالم العربي. وهو ما يمنح الكتاب قيمة معرفيَّة متقدِّمة، وخصوصًا أنَّ مؤلِّفيْه: الدكتور طاهر كنعان ود. حازم رحاحلة، ممن لهم بحوث ودراسات وخبرات عمليّة في إدارة السياسات الماليَّة والاقتصادية.&

وما يؤكد أهمية هذا المجهود البحثي هو طبيعة الدَّورة الاقتصاديَّة العالميَّة الَّتي فرضتها التَّحوُّلات، واتِّجاهاتها الضّاغطة، التي تُملي مواجهة الحقائق كما هي في الواقع، والاستجابة للمعطيات العمليَّة الَّتي أفرزها اقتصاد السُّوق.

دور الدولة الاقتصادي
وقال الدكتور محمد أبو حمور أمين عام منتدى الفكر العربي، الذي أدار اللقاء وشارك فيه، إن هناك اختلافات أيديولوجية عميقة حول الدور الاقتصادي للدولة، فهناك من يرى ضرورة في تقليص دور الدولة وزيادة الاعتماد على القطاع الخاص، بحيث يقتصر دور الدولة على الرقابة والتنظيم، وآخرون يرون ضرورة في أن تقوم الدولة بتوفير وإنتاج مختلف الحاجات الاقتصادية للمواطنين.&

وقال إن ابن خلدون أشار في مقدمته إلى أن الدولة تحقق نتائج أفضل في حال انصرفت مهمتها نحو التنظيم والرقابة على الأسواق. وأضاف د. أبو حمور أن السياسة الحصيفة هي تلك التي تستغل أفضل ما لدى الدولة وأفضل ما لدى القطاع الخاص، بحيث تشكل مزيجًا متعاونًا لإيجاد بيئة استثمارية محفزة ودافعًا لتنمية اقتصادية تمثل ركيزة لتنمية بشرية شاملة.

ونوه د. أبو حمّور بأهميَّة الكتاب لكونه يقع في الصَّميم من العلوم الاقتصادية الحديثة بتناوله المؤسسات الاجتماعية والسياسية التي تشكِّل نسق الحكم في السوق، وفي مقدِّمها المؤسسات التي تنظم النشاط الاقتصادي، وتحدد حركة المواطنين الناشطين اقتصاديًا ضمن فضاءات المجتمع. وأشاد د. أبو حمور بالخبرات والمعارف الغنية التي يمثلها د. طاهر كنعان كإحدى القامات العلمية الاقتصادية المميزة وبإسهاماته النوعية داخل وخارج الأردن.

عمليات التخاصية
كما أشار د. أبو حمور إلى أن عمليات التخاصية في الأردن، والتي جاءت ضمن إطار قانوني وبعمل مؤسسي وبإجراءات وسياسات محددة وبمشاركة البنك الدولي، قادت إلى الوصول إلى مشاريع الشراكة مع القطاع الخاص، أو ما يعرف بالشراكة بين القطاعين (ppp)، ويعد مشروع توسعة مطار الملكة علياء الدولي خير مثال على هذه الشراكة التي خفضت العبء عن الحكومة وساهمت في تنفيذ مشاريع من دون الانتظار سنوات لتمويلها من الخزينة، وبما يعود بالنفع على الاقتصاد الوطني.

وأوضح الدكتور طاهر كنعان في حديثه عن اهتمامه بالقضايا التي تناولها الكتاب، والغايات التي حفزت على تأليفه. وأشار إلى القضايا التي تضمّن الكتاب بحثها، مؤكّدًا استغراق العلاقة بين الدولة والسوق جانبًا كبيرًا من الفكر الاقتصادي المعاصر بحكم تأثير هذه العلاقة في النشاط الاقتصادي وتقلباته في الأمد القصير من جهة، وعلى نموّ هذا النشاط واتجاهه إلى التنوّع والتعقيد المطّرد في الأمد الطويل من جهة أخرى، وعلى تأثر الإنسان المنتج والمستهلك ورفاهيته المادية بهذا النشاط وبحجمه وتقلباته في الأحوال والآماد كلها.

ولفت إلى أن النشاط الاقتصادي يتضمن تفاعل الفضاء العام وفضاء الأعمال وفضاء المجتمع المدني. وتقسيم العمل بين هذه الفضاءات من خلال سياسات الخصخصة في اقتصادات السوق من جهة، وسياسات العبور من اقتصاد الدولة إلى اقتصاد السوق من جهة أخرى، إلى جانب مفهومي الملكية الخاصة والملكية العامة في النظرية الاقتصادية، ومشكلة الأصيل والوكيل وتأثيرها في كفاءة الأداء في المنشآت واحتمالات تعرّضها لظاهرة الفساد، ودور الدولة في الاقتصاد وسياسات الخصخصة.

أدبيات اقتصادية حديثة
وأشار د.طاهر كنعان إلى أن الكتاب أضاء جوانب مختلفة من تلك العلاقة، من خلال قراءات في الأدبيات الاقتصادية الحديثة، التي بلورت المفاهيم النظرية المحورية التي تساعد على فهمها، ومنها تلك التي رصدت التجارب التي خاضتها البلدان المختلفة في ممارسات الأشكال المتغيرة للعلاقة بين الدولة واقتصاد السوق في حقب مختلفة من التاريخ الحديث لهذه البلدان.

وعرض د. كنعان أيضًا أهم التجارب العالمية والعربية في تطبيق سياسات الخصخصة، عاقدًا المقارنات بينها، والعوامل التي أثرت فيها، والتحولات الإيديولوجية الدّافعة إلى التحولات الاقتصاديَّة، منوّهًا بالتجربة الأردنيَّة، مستندًا في ذلك إلى الدراسة التي قامت بها لجنة تقييم التخاصية برئاسة الدكتور عمر الرزاز.

مداخلة الرزاز
وفي معرض تعليقه على تقييم عملية التخاصية في الأردن، قال د. عمر الرزاز وزير التربية والتعليم إنه وكما هي الحال في الدول العربية وفي الكثير من دول العالم، فقد اشتد الجدل في الأردن، وكثرت الأقاويل والشائعات حول جدوى الخصخصة وشبهات الفساد التي تحوم حول صفقاتها، لذلك وبناء على توجيهات ملكية سامية فقد تم تشكيل لجنة من الخبراء المحليين والدوليين في مجال السياسات الاقتصادية والاجتماعية من ذوي الخبرة والنزاهة والحياد، وتكليفهم بمراجعة سياسات وعمليات الخصخصة للوقوف على أثرها الاقتصادي والاجتماعي على أساس الحقائق، وليس الانطباعات أو الشائعات، لمعرفة نقاط الضعف والنجاح وإطلاع المواطنين على نتائجها بكل شفافية، والاستفادة من الدروس المستقاة، وتضمينها في عملية رسم السياسات الاقتصادية والاجتماعية المستقبلية.

وقال الدكتور الرزاز "وهنا يسجل للأردن أنها الدولة العربية الأولى التي تجري مراجعة شاملة لهذه التجربة، على الرغم من أن معظم الدول العربية مضت في برامج خصخصة فاق حجمها حجم البرنامج الأردني بكثير".

مشاريع مستقبلية
وختم د. الرزاز بالقول إنه "عند التوجه نحو مشاريع مستقبلية، مثل إنتاج الطاقة والمياه، وامتيازات التعدين في المعادن غير المستغلة، ورخص الاتصالات والترددات الجديدة، وسكك الحديد والنقل العام، والمرافق العامة، لا بد من الاستفادة من الدروس المستقاة من عملية تقييم التخاصية وتضمينها في عملية رسم السياسات المستقبلية الاقتصادية والاجتماعية، فالدول الناجحة ليست تلك التي لا تخطئ، وإنما تلك التي تراجع تجاربها بتجرد، وتتعلم من أخطائها، حتى لا تكررها في المستقبل".
&