«إيلاف» من بغداد: يرفض أغلب النازحين من أهالي نينوى في مخيمات محافظة السليمانية شمال&العراق العودة الى مناطقهم المحررة بسبب تواجد وسيطرة قوات طائفية عليها، الى جانب تدمير تلك المناطق جراء المعارك الدائرة والغارات الجوية، بينما يشير أديب عراقي الى أن حياة النزوح باتت السمة البارزة للعراق وسط غياب سارد بارع لتركيب حبكة الروايات الحقيقية للدمار والمآسي وويلات الحروب التي تعرض لها آلاف النازحين من أطفال ونساء وكبار السنِّ.

محمد جمال، نازح عراقي من أهالي ناحية بعشيقة، يقيم منذ قرابة ثلاث سنوات في مخيم عربت شرق&مدينة السليمانية، يقول في حديث لـ "إيلاف"، إنه رغم تحرير ناحيتهم وتدهور أوضاعهم وإنعدام الخدمات الضرورية في المخيمات الا أن عائلته ترفض العودة الى الناحية بسبب هيمنة وتواجد قوات طائفية إتهمها بأنها تنتهج عمليات إنتقامية ضد أهالي تلك المناطق، مؤكدًا أن تلك القوات إرتكبت جرائم ضد المدنيين تحت حجج واهية، مذكِّرًا بالمشاهد المروعة لحظة خروجهم من منطقتهم حين هجم مسلحو تنظيم داعش على بعشيقة التي سويت معظم مبانيها بالأرض نتيجة المعارك الضارية، وتابع قائلاً أنني لا أريد أن أُخاطر بحياة أبنائي وعائلتي مرة أخرى لا أرغب بالعودة في الظرف الراهن على أقل تقدير.

وطأة النزوح

وإشتكى جمال والد خمسة أبناء من حياة النزوح في المخيمات، موضحًا أن حياة المخيمات صعبة للغاية، لاسيما وأنها تفتقر الى المقومات الأساسية، واضاف&أنه بين نقص الدواء والغذاء، يفتقر النازحون في المخيمات إلى المال الكافي لإطعام أطفالهم وشراء مستلزماتهم وحاجاتهم اليومية، ناهيك عن فقدان الرعاية الصحية مع قدوم موسم الحر الشديد، مطالبًا الحكومة العراقية بالتسريع في عمليات إعادة الإعمار لمناطقهم المدمرة بسبب العمليات العسكرية.

ورغم استعادة الجيش العراقي وقوات البشمركة السيطرة على معظم المناطق في محافظة نينوى، فإن قوات الحشد الشعبي باتت تشكل عائقاً أمام عودة هؤلاء النازحين الذين تركوا ديارهم.

صراع الأطراف الكردية

من جانبه، أعرب قدو شكاك، نازح أيزيدي من أهالي مدينة سنجار، عن قلقه الشديد من إحتمال وقوع إقتتال داخلي ومناوشات بين القوات الكردية المتصارعة لبسط السيطرة على المناطق الأيزيدية شمال&نينوى، مشيرًا الى أن المناطق الأيزيدية شهدت إشتباكات عنيفة بين قوات البشمركة وقوات حماية الشعب الكردية التابعة لحزب العمال الكردستاني، مؤكداً أنه بسبب الصراعات بين الأطراف الكردية المسلحة لن يفكر في العودة الى ديارهم.

وبحسب إحصائية وزارة الهجرة والمهجرين العراقية، فإن نحو سبعة وخمسين ألف نازح عراقي ولاجىء سوري يعيشون في مخيمات النزوح بمحافظة السليمانية، بينهم أطياف وقوميات مختلفة شتتها شبح الموت.

تقول المنظمات المحلية إن المعضلة الأكبر التي تواجه الكثير من هؤلاء النازحين، هي منازلهم المدمرة ومصادر رزقهم شبه المعدومة، وتبقى عودتهم إلى مناطقهم مرهونة بأجل غير مسمىً.

حكايات مفقودة

يقول أوس قصي، الأديب العراقي المقيم في إقليم كردستان، في حديث لـ«إيلاف»، إن الظروف التي مر بها العراق خلال السنوات الثلاث الأخيرة كانت ملحمة كبرى في تأريخ العراق الحديث، وأن هناك قصصًا وحكايات مأساوية تحتاج الى براعة مطلقة لسردها وتدوينها روائيًا على غرار سرد حكايات شهرزاد.

يؤكد قصي أن العراق والقصص العراقية بدءًا من فرار المدنيين من بطش داعش، &مرورًا بالمخيمات البلاستيكية وصولاً الى المناطق المدمرة جراء القصف والغارات بحاجة الى شهرزاد خاصة أن كثيرًا من النساء العراقيات تعرضن الى الإنتهاك والإساءة، بل والى الإغتصاب وجرائم الحرب من قبل عناصر التنظيم المتشدد، وتابع بالقول إن المشكلة&الأساسية في جمع وتأليف تلك القصص الحربية تكمن في غياب صوت مثل صوت شهرزاد، بإختصار أن صوت شهرزاد غائب في المشهد العراقي، وهي الجارية الأخيرة لشهريار الذي تعود على أن يتزوج عذراء كل ليلة ليقتلها غدًا كمعاقبة بنات مملكته واحدة تلو&الأخرى جزاء خيانة ارتكبتها&زوجته حين غادر&بلاطه، وكانت شهرزاد أرغمت الملك أن يفقد رغبته في القتل النسوي كي تنقذ حياتها وحياة بنات المملكة عبر أجزاء مترابطة من القصص، اذ ساعدت تغييب عقله&وتخدير إرادته بحيث أغرقته في عمق حكايات الأمس متلهفًا لسماع بقيتها مساءً آخرَ.

غياب شهرزاد

ويشير الكاتب العراقي الى أن قصص النازحين في المخيمات أكبر حكايات في العصر النزوحي في العراق، إذ تعيد إلى الذاكرة قصصًا كانت شهرزاد ترويها في ألف ليلة وليلة، مستشهدًا بالأعمال الأدبية للكاتبة المصرية عائشة أبو النور التي ربطت أحداث المعارك في المنطقة بحكايات شهرزاد وعبر نتاجها السردي "صمتت شهرزاد"، شكلت وأبدعت خطًا سرديًا متقناً، حيث تقول، بعد سردها قصصًا مطولة وأقصوصة بعد الألف ليلة وليلة، تجاهلت شهرزاد لتحكي: بلغني أيها الملك السعيد، ذو الرأي الرشيد أنه في العام ألفين بعد الميلاد وعند أعتاب القرن الواحد والعشرين تشهد المملكة وما حولها فوضىً وحروبًا ..مجاعات وزلازل ودماراً وانهياراتٍ، بطالة وجرائم، شعارات وشعارات مضادة.

ألف ليلة وليلة حكايات شعبية تتضمّن مجموعة من القصص التي وردت في غرب وجنوب آسيا، بالإضافة الى أنها جمعت وتُرجمت إلى لغات عالمية ، تدور أحداثها في قصور الملوك، وتشكل شهرزاد في كتاب ألف ليلة وليلة الضمير الواخز ونبراته الراعفة وتميزت بالفطنة والذكاء والبراعة المطلقة في تأليف وسرد القصص، وكانت تروي للملك حكايات من المساء حتى الصباح، لتسكت عن الكلام المباح، لكنها ألزمت الصمت إزاء مخيمات النزوح المثخنة بالجراح.

&