الرياض: تلقى عثمان العمير، ناشر "إيلاف" ورئيس تحريرها، نبأ رحيل عميد الصحافة السعودية تركي السديري بأسى، إذ قرأ نعي الفقيد في تغريدة ابنه مازن السديري، وهو كان يعرف أن الراحل كان يعاني حالة مرضية متعبة في الأيام الأخيرة، "لكن ما كنت أتوقع رحيله، فبفضل الحيوية التي كانت تتوافر لديه، والروح التي لديه، كان يمكن أن يؤدي أكثر لو عاش معنا أكثر"، كما قال العمير في مداخلة له على قناة "العربية".

يا منصف الموتى!

كشف العمير عن ذكريات وحياة غير منفصلة قضاها مع الراحل منذ أتى "الرياض" في عمر السابعة عشرة، "وكان السديري ما زال في بداياته صحافيًا في "الرياض"، قابلني وطلب مني أن أنضم إلى الصحيفة، فصرت مساعدًا له فترةً من الزمن، ثم انتقلت إلى "الجزيرة"، وهو ارتقى وأصبح رئيسًا للتحرير، وظلت علاقتنا مستمرة".

قال العمير عن السديري: "إنه كاتب متعدد لا يمكن الوقوف على فصل واحد من فصوله، وكنتُ أتمنى أن أخاطبه كما خاطب شوقي حافظ إبراهيم: قد كنت أؤثر أن تقول رثائي يا منصف الموتى من الأحياء".

أوضح العمير أن السديري كان قامة في كل شيء، وكان حادًا في علاقاته وصداقاته وحتى في معاركه، كما كان من أوائل الذين فصلوا من الخدمة بسبب مواقفه، وعاد مرة أخرى، محقبًا الصحافة الخليجية في حقبتين: ما قبل تركي وما بعده، "فما بعده أصبح هناك صحافي يُشار له بالبنان، وتطورت الصحف، ومن مكتب في شارع المرقب تعلمنا كيف تصاغ الأخبار والتعليقات وتعاد كتابتها، وكيف نصل إلى العالم".

الأب والأخ

نوّه العمير بإدارة السديري الصحيفة، فالراحل لم يدرس علم الإدارة، بل تخرج في كلية الآداب بجامعة الرياض، "وكان يمكن أن يكون قاصًا، لكن القدر حوله إلى الصحافة، وهو يكتب بأسلوب أدبي مميز، لكنه أدار الجريدة ومؤسسة كبيرة بطريقة " تركي"، ويمكن أن يكون عندنا اليوم علم إدارة تركي السديري للصحافة، وكان الناس يعتقدون أن إدارته خطأ، وثبت أنها كانت من أصح الإدارات، إذ كان يتعامل مع زملائه بطريقة أبوية وأخوية، وكان يقف سدًا أمام من يمس أي صحافي في الجريدة، وكانت " الرياض" في عهده حاضنة الكثير من الآراء، وهؤلاء الكتّاب أصبحت، في ما بعد، لهم مكانة في السعودية، ولولا دفاعه عنهم لما استطاعوا أن يصيروا على الشكل الذي نراه الآن. وهو وقف مدافعًا عن الكثير منهم على الرغم من اختلاف أفكار بعضهم معه".

وأكد العمير أنه كان يُنافس السديري في "الجزيرة"، وكان في هذه المنافسة الكثير من العنف الجماهيري. قال: "كنا أصدقاء، وعندما انتقلت إلى "الشرق الأوسط" تنافسنا، وهذا التنافس لم يخل بالعلاقة بيني وبينه كصديق وكتلميذ، وكنا نتشارك الآراء، وكان أبًا للصحافيين ومنهم أنا، وكنا نتواصل طوال الوقت".

 

ذكريات عثمان العمير مع تركي السديري على قناة العربية

 

يحتاج كتابًا

ألقى العمير الضوء على دور السديري في بناء "الرياض"، التي وصفها بأنها "أم الصحافة السعودية، لأنها موجودة في العاصمة، وهي قوة تجارية واقتصادية ضخمة، ولها كلمة مسموعة، وهو أسس مدرسة صحفية في تعلم المهنية، فالصحافة مهنة وليست نزهة، وكان يأتي في نفس الوقت ويخرج في نفس الوقت، وكان يعيش مأساة الصحافة والصحافيين، وما كان يراقب الصحافة من نافذة مرتفعة".

أضاف العمير: "هناك مواقف شخصية بيني وبينه ومن الصعب حصرها، فأنا سافرت معه إلى معظم البلدان، إلى الصين وأميركا واليابان ولبنان وغيرها، وكنت معجبًا بإنسانيته، فلم يكن يمل من الفرح حتى لو في قلبه بعض الأحزان، فتجده دائمًا فرحًا يضحك. تحتاج مواقفه إلى كتاب لحصرها، لكن من أهم هذه المواقف عندما دافع عن أحد كتّابه واستمت أنا في الدفاع عن أحد الكتّاب، وهو تراجع، فلما خرجنا من اللقاء، قال لي: لا خير فينا إذا لم نقلها".

سابق الصحافة

المعروف أن السديري أول من عيّن مديرة تحرير في جريدته، وأقام قسمًا نسائيًا بالجريدة. قال العمير: "السديري سابق الصحافة السعودية في ما يتعلق بالمرأة وبالكتّاب ذوي الاتجاه المختلف، كان يختلف مع بعض الكتّاب الذين يكتبون في جريدته، ومع ذلك كان يحميهم، ويقف معهم. وشكل حركة تطويرية جدًا في ما يتعلق بالقسم النسائي، كان دائمًا مع الغد، وناضل من أجل المستقبل، وللأسف هناك كثيرون يتهمونهم اتهامات عديدة، والآن سيعرفون بعدما غاب مدى الفراغ الهائل الذي تركه تركي سديري".

وقدم العمير العزاء لزوجة الراحل الفاضلة، التي وقفت معه سنوات طويلة، وكانت فعلًا الزوجة التي تعبت كما وصفها، متمنيًا لها الخير الدائم.