الرباط: لم تمض سوى أسابيع قليلة على إصدار رشيد مشقاقة، القاضي المعروف، لكتاب جديد، بعنوان "القاضي المبني للمجهول"، الصادر حديثا، والذي جرى تقديمه أخيرا في أحد فنادق الرباط، بحضور عدد من رجال القانون والإعلام، حتى وجد مؤلفه نفسه، أمس الأربعاء في قبضة العدالة.

 يعتبر مشقاقة من القضاة القلائل، الذين يجمعون بين القضاء والإبداع، فهو شاعر وروائي، حيث أصدر العديد من الأعمال الأدبية، إضافة إلى كتابته لركن أسبوعي في يومية"أخبار اليوم"،ورئاسته في نفس الوقت للمنتدى المغربي للباحثين القضاة.

وعلى امتداد أكثر من 470 صفحة، من الحجم المتوسط،يتطرق مشقاقة في كتابه الجديد "القاضي المبني للمجهول"،بحس نقدي إلى بعض الممارسات التي تسود مجال القضاء في المملكة، انطلاقا من معايشته لها في قاعات المحاكم، مدافعا في نفس الوقت عن الشرفاء والنزهاء من ممارسي هذه المهنة النبيلة.

في مقدمة الكتاب،يقول مشقاقة، إن القاضي الآن مبني للمجهول،لأن طفيليات القوانين، في نظره، تسعى جاهدة إلى زرع أشواك التشكك في قدراته، فتضع القيود على معصم السلطة التقديرية التي يملكها.

والقاضي الآن، مبني للمجهول،يضيف مؤلف الكتاب، بعد أن أختل ميزان الكفاءة والتجربة،وتسلل إلى محرابه الدخلاء،فعاثوا فيه ما عاثوا، على حد قوله.

ويردف قائلا :" القاضي الآن، أقرب إلى موظف عمومي ينظمه قانون الوظيفة العمومية منه إلى قاض بمفهومه الحقيقي، القاضي مبني للمجهول، يغتصب رحيق مجهوده الغير،ويؤكل بفمه الثوم، ولايدخر اعداؤه جهدا في الإطاحة بسلطانة وصلابة عوده".

الصورة غائمة

بنبرة مسكونة بالتساؤلات، يرى مؤلف هذا الكتاب،أنه يقدم صورة مشرقة للقاضي "يحملها الماضي البعيد، القاضي رجل القانون..القاضي الأديب، القاضي الفيلسوف، القاضي المؤرخ والجغرافي، نعم غامت الصورة في زمننا هذا، وأصبح هذا الإسم الرباعي المزلزل ورقة في مهب الريح، وأحيانا اسما بلا مسمى، لماذا ترك كرسيه لمن أغتصبه، وكيف تكلم بلسانه من لايرتدي بذلته، من لاينطق بأحكامه، من يسعى جاهدا إلى إعادة صياغته آلة تقنية صماء، من تركه وسط زحام الثرثرة الجوفاء حتى فقد صوته، من يهدده من طرف خفي بالإقالة والموت الوظيفي، إن هو حرك رأسه رافضا متمنعا أبيا".

نقاشات واختلافات

ورغم أن القسط الأوفر من صفحات الكتاب، مخصص لشؤون القضاء والعدل والقانون في المغرب من خلال التطرق للعديد من الملفات والنقاشات والحالات،مثل إصلاح منظومة العدل وغيرها، وفي العديد من هذه المواضيع، يعبر عن اختلافه مع مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات سابقا، فإنه يخوض أيضا في قضايا أخرى تتصل بالثقافة والإعلام والفنون، بشكل يوحي أنه متتبع جيد لما تشهده الساحة الثقافية سواء في المغرب،أو مصر من تيارات وتجاذبات.

يقول المؤلف في الكلمات التي سطرها، في خاتمة الكتاب،إن المعين ما زال فياضا،في انتظار جزء ثان منه، مخاطبا القاريء: "لعلك عرفت فعلا ما يعانيه القاضي المغربي من تهميش وإحباط،فلا هو يؤدي رسالته كما يقتضيه الأداء المعادل لمكانته داخل المجتمع، ولا هو قادر على الاطمئنان على مهنته وواقعه الوظيفي"، على حد وصفه.