هونغ كونغ: لا يزال الارث الاستعماري البريطاني راسخ الجذور في هونغ كونغ، وتتجلى مظاهره بالقطارات التي تجوب شوارعها، ونظامها القضائي كما ان قلة تطالب بعودة المملكة المتحدة مجددا.

وبعد 20 عاما على اعادة المدينة الى الصين بموجب معاهدة منحتها وضع منطقة تتمتع بنوع من الحكم الذاتي، باتت الشعارات الاستعمارية، في بعض الدوائر، رموزا للاحتجاج.

فالعلم القديم للمدينة، المزين بعلم المملكة المتحدة وتنين وأسد، يرتفع خلال تظاهرات ضد بكين، على غرار ما يحصل خلال مباريات كرة القدم.

ويشعر عدد كبير من سكان المدينة بأن تدخل الصين يزداد في شؤون هونغ كونغ. وحيال تعنت الصين على صعيد الاصلاحات، انتهجت شريحة من الفريق الديموقراطي سياسة متطرفة وطالبت بالاستقلال.

لكن آخرين، مثل أليس لاي، يفضلون الانضمام من جديد الى التاج البريطاني. وتقود هذه الفنانة التي تبلغ التاسعة والثلاثين من العمر، مجموعة صغيرة من المحتجين، تدعى "حملة لاعادة توحيد هونغ كونغ-المملكة المتحدة".

وقالت "طوال حوالى قرنين، تعايشت هونغ كونغ والمملكة المتحدة في اطار نظام ثابت كان يطبق على خير ما يرام". واضافت ان "الصين ليست مؤهلة بكل بساطة لتحكم هونغ كونغ، انها طريقة تفكير مختلفة، اسلوب حياة مختلف".

وتؤجج الاستياء ايضا الهوة المتزايدة بين الأغنياء والفقراء والنقص الحاد على صعيد المساكن بأسعار معقولة، فيما يؤدي اندفاع المستثمرين الصينيين الى ارتفاع اسعار العقارات.

 وتشعر سارا نغ، المتقاعدة من العمل في القطاع المصرفي، بأن الامور كانت تتصف "بمزيد من الإنصاف" سابقا. وقالت "تغير الوضع في السنوات العشرين الأخيرة. فمستوى المعيشة وحريات الناس، بلغت مستوى كارثيا".

وقد رفعت لندن علمها عام 1841 على "الصخرة الجرداء" كما وصفها اللورد بالمرستون، خلال حرب الأفيون الاولى ضد الصين التي منعت هذه التجارة التي فرضها التجار البريطانيون.

-ذاكرة انتقائية-

ولم تستول الزوارق الانكليزية إلا على عدد ضئيل من الحصون الصينية. وبعد حرب الافيون الثانية عام 1860، استعادت بريطانيا شبه جزيرة كولوون في القارة، ثم تابعت تقدمها نحو الشمال في الاراضي الجديدة، في 1898، بفضل عقد ايجار لمدة 99 عاما.

وانتهاء مدة هذا العقد هو السبب المباشر لاعادة المدينة الى الصين في الاول من تموز/يوليو 1997. لكن الاتفاق الذي عقدته لندن وبكين، نص على ان تحتفظ هونغ كونغ بحرياتها واسلوب حياتها طوال 50 عاما.

ويقول المؤرخ جون كارول ان لندن "تجنبت" الى حد كبير "المبالغة" التي اقترفتها في مناطق اخرى من امبراطوريتها.

لكنه يبرر الحنين الحالي بالسنوات الاخيرة للعصر البريطاني. فخلال سنوات 1980 و1990، نعمت هونغ كونغ بالازدهار والاصلاحات الديموقراطية. وقد اشتهرت المدينة ثقافيا في الخارج، من خلال مخرجين امثال جون وو او ونغ كار-واي، وبالتالي افلام الكونغ فو لبروس لي.

رغم ان الامور لم تكن كلها وردية.

ففي 1967، ثار سكان من هونغ كونغ على المستعمر واسفرت اعمال العنف عن 51 قتيلا. وتزايدت الاعتقالات وكذلك إقدام عناصر الشرطة على ضرب المحتجين.

ووصلت الاصلاحات الديموقراطية متأخرة ولم تكن سوى جزئية، كما قال المؤرخ.

واضاف "من السخرية ان يطالب الناس بعودة هونغ كونغ الى التاج البريطاني، نظرا الى ان المملكة المتحدة حرمت شعب هونغ كونغ من حقوقه فترة طويلة".

ويغضب بيتر تسانغ، الممرض السابق الذي كان مسجونا بسبب دوره في اضطرابات 1967، من الذين يجعلون الماضي مثاليا.

وقال تسانغ (66 عاما) "اشعر بفرح كبير لان البريطانيين قد غادروا" هونغ كونغ.

-"ليس افضل"-

واضاف ان "الناس يقولون ان زمن الاستعمار كان افضل، لأنهم بكل بساطة، كانوا بلا تجربة. ومعظمهم كانوا صغارا".

وعندما بدأ العلم الاستعماري يرفرف من جديد، دعا شن زوي، المسؤول الصيني السابق الذي شارك في المفاوضات حول اعادة الضم، السكان الى التخلص من ماضيهم الاستعماري.

لكن عندما ارادت مصلحة بريد هونغ كونغ قبل سنتين محو الاشارات البريطانية عن علب البريد، تسببت باحجتاج المدافعين عن التراث.

وكان هؤلاء المدافعون عن التراث اعتصموا ايضا في كوينز بير، الرصيف الذي كانت تنزل فيه الشخصيات البريطانية، ليحاولوا منع هدمه في 2007، لكن جهودهم ذهبت ادراج الرياح.

وينظم البرت لام، الضابط السابق الذي خدم 24 عاما في الجيش البريطاني، معارض حول دفاع البريطانيين عن هونغ كونغ في 1941.

وقال هذا المواطن من هونغ كونغ (65 عاما) ويعمل اليوم مسؤولا لوجستيا في احدى الجامعات، ان "مزيدا من الاشخاص يهتمون بالتاريخ الخاص لهونغ كونغ".

ولا يبدي لام "قلقا حول مستقبل" المدينة التي ما زالت تضطلع بدور البوابة بين القارة وباقي انحاء العالم.

وتشهد التظاهرات الجماهيرية في السنوات الاخيرة، كما قال، على الحريات التي تستمر ولم يتساهل في شأنها المستعمر البريطاني.

وخلص الى القول ان "سكان هونغ كونغ لا يشعرون بالكراهية حيال البريطانيين. لكني لن اقول مع ذلك ان البريطانيين كانوا افضل من الصينيين".