دبي: افتتح نادي دبي للصحافة أولى جلساته الرمضانية بجلسة نقاشية تحت عنوان «هل تغير زيارة ترمب مستقبل المنطقة؟»، استضاف خلالها الإعلامي والكاتب عبد الرحمن الراشد والكاتبة ابتسام الكتبي، وأدارتها رئيسية تحرير صحيفة البيان منى بو سمرة، بحضور رئيسة النادي منى غانم المري، ومديرته علياء الذيب، فضلاً عن مجموعة من رؤساء تحرير الصحف والكتّاب وممثلي وسائل الإعلام العربية والدولية.

 

 

المشاركون أكدوا أن المنطقة العربية، ولا سيما دول الخليج، أمام بداية مرحلة جديدة، وهي لا ترتبط فقط بزيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب أو تغير السياسة الأميركية، بل بجملة من العوامل والمعطيات الاقليمية والدولية، مشيرين ضرورة توحيد الصف الخليجي في مواجهة تدخلات وأطماع إيران التوسعية في المنطقة.

في مستهل النقاش، أشار الكاتب عبد الرحمن الراشد إلى حدثين متزامنين تقريبا، في مطلع العام الجاري، يلخصان بوضوح الاختلاف بين الادارة الأميركية القديمة وتلك الجديدة في السياسة تجاه دول الخليج. 

 

 

الحدث الأول كان «في أوائل يناير عام 2017، حين هرب عدد من المطلوبين في قضايا إرهابية في البحرين من سجن (جو الإصلاحي)، وكان لايزال باراك أوباما رئيسا. لم تقدم أي معلومات استخباراتية تساعد السلطات البحرينية عن وقوع عمل مسلح لتهريب عدد من المحكومين في قضايا إرهابية من السجن، رغم علمها المسبق بذلك، وأيضًا لم تبدِ أي رد فعل سياسي بعد وقوع الحادث.

أما الحدث الثاني، فكان خلال الاسبوع الثاني من شهر فبراير 2017، بعدما تولى دونالد ترمب سدة الرئاسة، حيث حاولت مجموعة أخرى من السجناء الهرب في قارب الى إيران، ونجحت السلطات البحرينية في إحباط المحاولة. وقد قدمت إدارة ترمب فور تسملها زمام السلطة، معلومات استخباراتية حول الفارين والجهة التي تقف وراء العمل المسلح، وأيضًا شاركت القوات البحرينية بشكل غير معلن في عملية اعتقالهم وسط البحر في قارب متجه إلى إيران.

 

 

ورطة حقيقية

أضاف: التقارب الأميركي الخليجي ليس بجديد وهو قائم على المصالح المشتركة بين الطرفين منذ القدم، ونحن لا ننظر إلى هذه الزيارة سوى على أنها تصحيح للأخطاء التي ارتكبتها إدارة الرئيس الأميركي الأسبق، الرئيس ترمب اليوم، وعلى عكس الإدارة السابقة ساوى بين حزب الله والقاعدة، وباشر التعاون العسكري مع التحالف في اليمن في مواجهة الحوثيين، وأعاد التعاون العسكري الأميركي السعودي، وقام بتفعيل دور القوات العسكرية الأميركية في سوريا، وبدلت سياستها تجاه المعارضين البحرينيين، والفوضى التي تنشرها إيران في دول الجوار والمنطقة. تابع: التغيرات الحاصلة اليوم مهمة جدًا وستؤثر بشكل واضح على مستقبل المنطقة في الفترة المقبلة.

الراشد أكد أن إدارة الرئيس ترمب تضم عددًا من الجنرالات الذين خدموا في العراق وسوريا ودول المنطقة، وهم على اطلاع وثيق بكيفية حفظ التوازن في المنطقة، على عكس سياسة أوباما التي قامت على استراتيجية عدم التورط في المنطقة العربية، حيث كان مؤمنًا بأنها لم تعد مهمة بالنسبة للأميركيين على حساب الصين وآسيا وإيران، ولأول في مرة في التاريخ وجدت جيوب إيرانية في المنطقة العربية، وهذا لم يحدث إلا في عهد أوباما. ولأول مرة في التاريخ يحدث هذا التقارب الإيراني الأميركي، ونتج عنه الاتفاق النووي الذي تحول فيما بعد إلى جزء من المشكلة بدلاً أن يكون جزءًا من الحل.

تابع: «الوضع المضطرب والمستمر في المنطقة العربية تسببت به إيران وفكرها المؤمن بتصدير الثورة إلى دول الجوار، وبهذه الغاية أنشأت حزب الله الإرهابي في لبنان، ودعمت حماس، وكذلك استخدمت سوريا واليمن في الصراع السياسي، وهي اليوم أمام خيارين: إما تتغير بالضغوط الدولية عبر التهميش والضغوطات الاقتصادية الخانقة، وإما تنجح من تلقاء نفسها في إعادة التفكير وتغيير سياساتها مثلما فعلت الكثير من الدول في العالم»، مؤكداً بان أكبر ضرر يمكن الحاقه بالنظام الإيراني هي العقوبات الاقتصادية وليس العمل العسكري، وإذا ما طبقت مثل هذه العقوبات بشكل دقيق فمن شأنها أن تدفع إيران لسحب ميلشياتها من دول المنطقة والتصالح مع دول الجوار الخليجي، وستبين الفترة المقبلة إن كانت الحكومة الإيرانية الجديدة ستقدم خطوات إيجابية ملموسة اتجاه دول الجوار وملفات المنطقة وليس مجرد شعارات مضللة، كما كان الحال عليه في الماضي.

 

 

كما وأكد أن إيران تعيش في ورطة حقيقية بسبب التحركات السريعة ضدها في سوريا والعراق واليمن ولبنان، وهي شريك في قتل نحو نصف مليون سوري، وشريك في اغتيالات لبنان، ومسؤولة عن تهميش السلطة المركزية في العراق عبر دعم مليشيات منافسة لها، كما أنها تقف وراء دعم وتدريب وتسليح الجماعة الحوثية التي نفذت الانقلاب على الحكومة اليمنية، كل ذلك ضمن مشروع طهران في محاصرة السعودية ودول الخليج والهيمنة على المنطقة، موضحًا أن السنوات الستة الماضية أثبتت أن عدم استقرار منطقة الشرق الأوسط يهدد مصالح العالم أجمع ويعزز الفوضى.

انعطافة استراتيجية

الكاتبة د. ابتسام الكتبي أشارت إلى أن قمم الرياض الثلاثة أنتجت معادلة جديدة في المنطقة، وهذا التقارب يشكل انعطافة استراتيجية للسياسة الأميركية في منطقة تمر بتحولات عالمية كبرى، ليس فقط على المستوى السياسي، وإنما أيضًا على مستوى الذكاء الاصطناعي والأمن الرقمي وتحولات ملف الإرهاب وغيرها من الملفات المصيرية. مؤكدة أن زيارة ترمب قلبت موازين العلاقات السعودية الأميركية، ليس فقط بالنظر إلى ممارسات إدارة الرئيس الأميركي الأسبق، وانما منذ هجمات 11 سبتمر.

حول طبيعة العلاقة المشتركة بين دول الخليج وأميركا، قالت الكتبي إن أميركا تدرك جيدًا أن دول الخليج هي رأس الحربة بمواجهة الإرهاب في المنطقة، مؤكدة بأنه لا توجد ثوابت في السياسة الأميركية وإنه من المبكر الاعتماد على التقارب الأميركي بأنه سيغير المنطقة جذرياً أو يوجد حل حقيقي لملفاته المعقدة، مشيرة بأن دول الخليج العربي تعلمت عدم وضع بيضها في سلة واحدة كما كانت تفعل في السابق، لذلك هي لا تعتمد على التقارب الأميركي المحكوم بلعبة المصالح ومتغيرات المستقبل، بل نوعت شراكاتها وتوجهت إلى الصين والهند وروسيا وأنشأت معها تحالفات قوية.

الكتبي أشارت إلى أن الموقف الأميركي من إيران جاء بعد الإعلان عن فوز روحاني في الانتخابات، وهذا يعني بأن أميركا لم تعد تنطلي عليها تمثيلية التيار الإيراني المعتدل أو التيار الإصلاحي، لأن الواقع أثبت بأنه لا يوجد تيار معتدل في إيران. أضافت: إيران تعيش اليوم حراكًا داخليًا وصراعًا سياسيًا لتغيّر سياساتها في المنطقة، وقد بدأنا نسمع العديد من الأصوات الإيرانية المطالبة بإنشاء مجموعات تفاهم مع دول الخليج العربي لمناقشة القضايا غير المعلنة بين الطرفين.

التوتر الخليجي - القطري 

وحول الموقف القطري، قالت الكتبي إن قطر تسببت لنفسها بمشاكل ليس من السهل الانفكاك منها بعد اليوم، وإحدى هذه المشاكل هو دعمها لجماعة الإخوان المسلمين التي نجحت في الانغماس داخل النظام السياسي والإعلامي القطري بشكل لم يعد بإمكانها السيطرة عليه.

من جانبه، أشار الراشد أن خلاف المملكة العربية السعودية ودول الخليج من جهة وقطر من جهة ثانية لا يختصر بواقعة التصريحات الأخيرة التي نشرتها وكالة الأنباء القطرية أو بالرسم الكاريكاتيري الذي نشرته قناة الجزيرة، وإنما جذور الخلاف قديمة وتمتد من التسعينات، وتحديدًا منذ أن بدأت قطر تلعب دورًا خارج كل الحسابات والتوازنات وأصبحت تدعم بشكل مباشر وغير مباشر معارضات لدول الخليج. مؤكداً بأن الموقف القطري شاذ عن الموقف الخليجي وهذا لا ينفع أحد في المنطقة، وقد اثبتت قناة الجزيرة أن خطابها متطرف وليس إعلامي، مشيرًا إلى أن أميركا بدأت منذ أيام بتصدير الغاز للصين، وهذه احدى أكبر المشاكل التي تواجه قطر اليوم.