إيلاف: رغم مرور 50 عامًا على حرب الخامس من يونيو عام 1967 لا يزال الشعبان الفلسطيني والإسرائيلي يتذكران تلك اللحظات الأليمة، والتي ذهب ضحيتها الكثير من أقربائهم وعائلاتهم، فكيف يتذكر الفلسطينيون والإسرائيليون هذه الحرب؟!

يعود يعقوب صندوقة بذاكرته الى الخامس من يونيو عام 1967، حيث كان يبلغ من العمر 19 عامًا، فيقول: « كنت أعمل في محلنا في باب خان الزيت في القدس القديمة ببيع البن مع والدي وإخوتي الثلاثة، عندما أعلنت الحرب».

يتذكر أنه أغلق المحل، وأغلق السوق أبوابه، «حاولنا الخروج الى بيتنا في حي شعفاط في شمال القدس، ولم نستطع. أغلق الجيش الاردني باب العامود، البوابة الرئيسية للمدينة حرصًا على حياة الناس، لأن الجيش الاسرائيلي كان يطلق النار من منطقة فندق نوتردام في المنطقة الحرام (العازلة)، ثم توجهنا الى باب الساهرة. كان أيضا مغلقًا".

لم يتمكن يعقوب وأشقاؤه ووالده من الوصول الى شعفاط في تلك الليلة. "توجهنا الى بيت قديم لنا في شارع صلاح الدين" القريب، "حيث يسكن عدد من أقربائي، بينما كانت والدتي واخواتي الاربع في شعفاط".

في صباح اليوم التالي، كان الجيش الاسرائيلي وصل الى شارع صلاح الدين وتمركز في المقبرة المرتفعة المطلة على المدينة المقابلة لمنزل صندوقة، "لكننا لم نكن نعلم. بالقرب من بيتنا، تمترس أربعة جنود أردنيين على سطح بناية، وكانوا يطلقون النار من بنادقهم على الطائرات الاسرائيلية".

"دخل الجنود الاسرائيليون الى حوش بيتنا، وأطلقوا النار بشكل عشوائي على أخي عيسى (28 عاماً) وعلى عمي صادق (65 عامًا) وعلى أخي عبد الحميد (36 عامًا). بعدها اقتحموا البيت وقالوا بلكنة ولغة عربية ثقيلة (ارفعوا ايديكم واخرجوا)”.

"عندها صدمنا برؤية جثتي أخي وعمي. لم نتوقف ولم ننظر اليهما، كان الموت قريباً جداً منّا".

انفذ بجلدك

أما عبد الحميد فيتذكر عندما أصيب بجروح بالغة، لكنه نهض وخرج من باب فرعي الى شارع ابن سينا ولحقه والده وأخوه أحمد (49 عامًا).

لم يتمكن عبد الحميد من متابعة الطريق. "سقطت أرضًا في الشارع، قبل أن ألفظ أنفاسي الاخيرة. توجه والدي وأخي الى باب الاسباط. كان وقت +انفذ بجلدك+، لا تفكر بشيء. سمعت صوت الجنود الاسرائيليين يقتربون، صعدت على سطح بناية ونزلت عبر المواسير الى شارع آخر وركضت باتجاه الجثمانية".

"وصلت الى بيت عم لي أخبرته بما جرى. كانت لديه شاحنة، صعدت معه وافراد عائلته اليها، وسافرنا عبر جسر اللنبي. كانت الطائرات الاسرائيلية تقصف". ودمر الجسر في وقت لاحق.

عاد يعقوب بعد أربعين يومًا الى القدس "متسللاً سباحة في نهر الاردن". هناك علم أن شقيقه عبد الحميد دفن في مقبرة الرحمة على ايدي عمال البلدية بعد ستة ايام على مقتله، بينما دفن عمه وشقيقه الآخر على أيدي اقرباء.

"في اليوم الذي هربت فيه، قتل عم آخر لي. كانت طفلته أصيبت برصاص الجنود الاسرائيليين، فحملها الى مستشفى الهوسبيس في البلدة القديمة. وعند عودته قتل برصاص القنص".

هرب مع أطفاله الثلاثة

حالة أدا يفين، الذي كان يبلغ من العمر 36 عامًا، لم تكن أقل عذابًا: “لجأت مع أطفالي الثلاثة أعمارهم (10 و9 و3 سنوات) الى بيت أصدقاء لي في القدس بالقرب من خط المواجهة. استخدم اصدقائي أكياس رمل للحماية. كنا 12 شخصًا في غرفة واحدة، كنا ننام على فراش على الارض".

"لم أستطع النوم لليالٍ عدة. كنا نسمع دوي المدفعية قبل وبعد احتلال القدس الشرقية".

"كانت صديقتي راحيل تجلس بجانب النافذة عندما انفجرت النافذة وانتشر الزجاج في أنحاء الغرفة. اعتقدنا انها اصيبت بجروح لكن أكياس الرمل صدّت الشظايا، واصيبت بكدمات فقط".

"في إحدى الليالي، تكثف إطلاق النار في اتجاه شارعنا. كان كابوسًا، استيقظنا، ووضعنا الاطفال في زاوية آمنة، واستلقينا فوقهم. كنا واثقين بأننا سنصاب في تلك الليلة".

حرب الثلاثة أيام

يقول نافذ العطي، الذي كان يبلغ من العمر 21 عامًا، وهو عضو في جيش التحرير الفلسطيني، "بالنسبة إليّ، كانت حرب الثلاثة أيام. كنت في عام 1967 عنصرًا في جيش التحرير الفلسطيني، وكنا حوالى 5000 شاب. كان على كل عائلة في غزة أن ترسل شابًا نيابة عنها الى هذا الجيش. كنا نعتقد اننا جاهزون للدفاع عن أنفسنا على الاقل، وليس للهجوم. كنا نحلم بدولة".

"في اليوم الاول، كنت في القاعدة على الحدود بالقرب من خان يونس. حوالى الساعة العاشرة صباحًا، سمعنا أصوات انفجارات. وبعد ساعة تقريبًا جاء الينا ضابط من الشمال وقال (ضاعت البلاد. دخل الاسرائيليون بالدبابات، ولم نكن مستعدين لمقاومتهم)”.

قال الضابط: “ من يرغب منكم بمغادرة القاعدة فليرحل. كنا خمسة. غادر ثلاثة وبقيت مع عنصر آخر. كان لدينا كلاشنيكوف ومدفع واحد قديم. في اليوم الثالث، عدت الى مدينة غزة... كان كل شيء مدمرًا، والجميع يغادر، عرفت انه قضي علينا".

معنويات في الحضيض

يروي إيهود غروس ابن الـ 21 عامًا في عام 1967 وهو ضابط احتياطي في الجيش الاسرائيلي،"عندما بدأت الحرب، كان مركزي في سيناء، ثم في الجولان. استولى آخرون على القدس، ثم سيناء. كنا منزعجين، لان الجولان السوري لم يكن من الاولويات، وكانت معنوياتنا في الحضيض، ولم نكن نفهم بالسياسة".

"ثم وصل الامر. تقدمنا باتجاه مرتفعات الجولان بمعنويات عالية والشعور بالسعادة والراحة، لكن سرعان ما اختفى هذا الشعور عندما انطلقت المدفعية السورية. بدأنا يومنا بـ25 دبابة، وأنهيناه بـ 3".

أما أبو جمال الذي كان ابن الـ 32 عامًا فتحدث قائلاً: ”كنا في مدينة رام الله عندما انتشر الجنود الاسرائيليون. تركنا منازلنا وقرانا، ودخل الجنود القرى وفتشوا كل البيوت. معظم الاشخاص الذين غادروا الى الاردن فكروا في ذلك الوقت بالمذابح التي ارتكبها اليهود ضد الشعب الفلسطيني". (إشارة الى حرب 1948 التي سبقت إنشاء دولة اسرائيل، والتي تخللتها تجاوزات ومجازر عدة).

بعد الحرب، "تغيّرت الحياة، لان اليهود حوّلوا الناس الى عمال في اسرائيل كي ينسوا أراضيهم".

ويقول شابتاي بريل، 30 عامًا، وضابط استخبارات عسكري اسرائيلي في 1967، "وجدت اسرائيل نفسها وحيدة ضد سبع دول عربية مثلما حدث عام 1948. المدنيون الذين لم يكونوا يعرفون حجم قدرتنا العسكرية كانوا خائفين. انا كنت بالجيش مثل كثيرين ولم نقلق. المفاجأة كانت أن كل شيء حدث بسرعة كبيرة... لكن كنا متأكدين من النصر".

"كنا أوّل من علم بتدمير القوة الجوية المصرية والسورية والاردنية خلال ثلاث ساعات، قفزنا من الفرح وشربنا الانخاب. كانت فرحة عسكرية. بعد ساعات علمنا أن قواتنا وصلت الى حائط المبكى. كانت فرحة وطنية".