لندن: يؤكد خبراء أن داعش انتهى عسكريًا، فالموصل عائدة إلى القوات العراقية وسيطرة "دولة الخلافة" على الرقة متهاوية. كما تقلصت رقعة الأرض الواقعة تحت سيطرة التنظيم بدرجة كبيرة وضعفت قوته المالية إلى حد بعيد. فداعش اليوم حيوان جريح يضيق عليه الخناق باطراد.

لكن الطريدة أخطر وهي محاصرة. وهكذا هي الحال مع داعش اليوم. فهذه الجماعة الإرهابية حشدت كل ما لديها من دهاء وامكانات لتخطيط بعيد المدى باعتماد استراتيجية هدفها الانتصار ايديولوجيًا، بصرف النظر عما يحدث في الميدان. ومن العوامل ذات الأهمية في هذا الانتصار تهجير من تبقى من مسيحيي الشرق الأوسط.

وفي حين يستمر "التطهير الديني" بإبادة المسيحيين جماعيًا في سورية، فإن داعش يكثف محاولاته هذه في مصر أيضًا. وبعد أن نجح عمليًا في إفراغ العراق وسورية من المسيحيين يبدو واضحًا أن هدف الهجمات المتكررة ضد أقباط مصر هو تهجير آخر أقلية مسيحية كبيرة في الشرق الأوسط.

إبادة للتهجير

على الرغم من إدانة داعش عالميًا بارتكابه إبادة جماعية، فهذه الإبادة مستمرة ومعها ما تسببه من هجرة. حتى في العراق حيث نزح آلاف المسيحيين طالبين الأمان في كردستان، فإن الظروف على الأرض تعني أن حلم داعش بمنطقة خالية من المسيحيين في الشرق الأوسط يتحقق. فاستنزاف عدد المسيحيين يتواصل في العراق بوتيرة متسارعة حتى أن قادة الكنيسة حذروا من بلوغ "نقطة حرجة" قد لا يعود من الممكن عندها الحفاظ على المسيحية في العراق.

في سورية استمرت إبادة المسيحيين الجماعية بلا هوادة، وأعلن البطاركة السريان أنه لم يعد هناك مسيحيون يعيشون في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة.

في مصر يبدو هدف الهجمات دفع الأقباط إلى الهجرة، في محاولة لإنهاء تعددية المجتمع المصري. وتحدثت وكالة أسوشيتد برس عن نزوح المسيحيين في شمال سيناء أفواجًا بسبب تهديدات المسلحين المتطرفين. ويعلن داعش صراحة الآن أن المسيحيين المصريين كفار وليسوا من أهل الكتاب ولا "ذميين"، ولا رحمة للكفار بالطبع عند داعش. هذا ما يؤكده الهجوم الأخير على المسيحيين في سيناء حيث طُلب من المسيحيين أن ينبذوا دينهم وإيمانهم بالمسيح ثم أُعدموا رميًا بالرصاص حين رفضوا، كما أفادت التقارير.

إزاء هذه الاستراتيجية التي اعتمدها داعش لتغيير التركيب السكاني الشرق أوسطي من خلال إنهاء التعددية، ليس إلحاق الهزيمة بالتنظيم عسكريًا كافيًا، بل يجب إيقاف برنامج داعش الإيديولوجي لإفراغ الشرق الأوسط من مسيحييه، وإبادة الأقليات الدينية الأخرى فيه.

النصر المشروط

غني عن القول إن للمسيحيين حق العيش في هذه البلدان كأي مواطن آخر، ولا سيما أن وجودهم يرتبط بظهور المسيحية في المنطقة قبل ألفي سنة. ومن واجب حكومات الشرق الأوسط أن تعامل مسيحييها والأقليات الدينية الأخرى بوصفهم مواطنين مساوين لغيرهم في الحقوق والواجبات.

وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب دعا خلال زيارته السعودية حكومات المنطقة إلى التحرك فورًا ضد التطرف والمتطرفين في بلدانها، "وطردهم" من مجتمعاتها. وبحث ترمب محنة مسيحيي الشرق الأوسط مع البابا فرنسيس في الفاتيكان ايضًا.

المطلوب من الكونغرس الأميركي اليوم اتخاذ إجراءات تضمن وصول المساعدات الأميركية إلى ضحايا الإبادة الدينية في العراق وسورية. ومن واجب الإدارة الاميركية أن تعمل مع حلفائها في الشرق الأوسط، وأن تمارس نفوذها، لحماية الأقليات كما ينص الاعلان العالمي لحقوق الإنسان.

وإذا لم تتوافر هذه الحماية، وتمكن داعش من استخدام الارهاب لتهجير المسيحيين الباقين من المنطقة، فإن العالم لن ينتصر على داعش وأيديولوجيته المعادية للإنسان، ايًا تكن نتيجة الحرب ضده في ميادين القتال.

أعدت «إيلاف» هذا التقرير بتصرف عن «ريل كلير بوليتيكس».