واشنطن: بعد انسحابه الاحادي من معاهدة المناخ، يواجه الرئيس الاميركي دونالد ترمب معارك تشريعية صعبة لإنجاز اولوياته، بينما يبدو الكونغرس منهكا بفعل الانقسامات في صفوفه ومشوشا جراء التحقيقات المتعلقة بروسيا واقتراب المهل النهائية لاتخاذ قرارات مالية. 

وعندما خاطب تجمعا في حديقة الورود في البيت الأبيض الخميس، استخدم ترمب سلطته التنفيذية لإعلان أن بلاده ستخرج من معاهدة باريس للمناخ. 

ولكن الوضع ليس بهذه البساطة في كابيتول هيل (مقر الكونغرس) حيث صمد الرئيس الحديث العهد بالسياسة في وجه دروس قاسية تلقاها بشأن كيفية ابرام الاتفاقات في واشنطن منذ توليه السلطة في يناير.

ومنذ الأشهر الأولى تعلم كم أن سيطرته محدودة على الكونغرس، حتى وإن كان مجلساه بقيادة حزبه الجمهوري. 

ويعود النواب إلى واشنطن الاثنين تحت الضغط لإحراز تقدم في اجندة ترمب، بما في ذلك مشاريع قوانين لاستبدال إصلاحات سلفه باراك أوباما المتعلقة بقطاع الصحة وتعديل قانون الضرائب الأميركي. 

وفي ظل غياب أي انتصارات تشريعية أساسية وفي وقت تعكر الأزمات أجواء البيت الأبيض، بما في ذلك تقرير مفاجئ أفاد بأن صهر ترمب وكبار مستشاريه جاريد كوشنر سعى إلى فتح خط اتصالات سرية مع روسيا، تسعى إدارة ترمب جاهدة إلى تحقيق فوز يعيد إليها عافيتها.

ولكن فرص النجاح تتضاءل، فلم يعد أمام الكونغرس إلا سبعة أسابيع عمل قبل تعليق أعماله حيث يتوجه أعضاؤه لقضاء إجازاتهم الصيفية في نهاية تموز/يوليو حتى مطلع ايلول/سبتمبر. 

دعوة لتغيير القواعد المعمول بها

وأعرب مسؤولو البيت الأبيض مرارا في جلساتهم الخاصة عن تململهم من بطء وتيرة سير الأمور في كابيتول هيل، إضافة إلى الحرج بشأن الكيفية التي انهار فيها جهد أولي لتمرير تعديلات في منظومة الرعاية الصحية "أوباماكير" في مجلس النواب في مارس. 

وتم تمرير مشروع قانون معدل لإلغاء "أوباماكير" بمجلس النواب في مايو، فيما يعمل الجمهوريون بمجلس الشيوخ من أجل التوصل إلى نسخة أخرى خاصة بهم. 

ولكن حتى رئيس كتلة الجمهوريين في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، أقر بأنه سيكون من الصعب تمريره في المجلس حيث لدى حزبه أغلبية ضئيلة بـ52 مقابل 48. 

وكتب ترمب على موقع "تويتر" الأربعاء "آمل أن يتمكن أعضاء مجلس الشيوخ من الجمهوريين وجميعهم أشخاص جيدون، من الاجتماع معا بشكل سريع لتمرير مشروع قانون جديد (لإلغاء واستبدال) نظام الرعاية الصحية" الذي وضعه أوباما. 

وفي إشارة إلى أن صبره بدأ ينفد، حض ترمب مجلس الشيوخ على تغيير قواعده المعمول بها منذ زمن طويل وتمرير الرعاية الصحية والإصلاحات الضريبية من خلال الحصول على 51 صوتا مؤيدا بدلا من الانتظار للحصول على 60 صوتا كما هو ضروري حاليا، بهدف التغلب على تكتيكات المعارضين المعرقلة. 

ولكن رغم أسابيع من الاجتماعات المغلقة، لا يزال على أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين الكشف عن مشروع قانون جديد للرعاية الصحية. 

وتلقت جهودهم ضربة قاضية الشهر الماضي، عندما كشفت دراسة مستقلة أجراها الكونغرس عن تقديرات بأن الخطة الجديدة قد تخفض عدد المستفيدين من التأمين الصحي في الولايات المتحدة بـ23 مليونا. 

ومع ذلك، أكد المسؤول الثاني للجمهوريين في مجلس الشيوخ جون كورنين أن مشروع قانون إلغاء "أوباماكير" سيكون جاهزا بحلول عطلة الصيف. 

وقال لبرنامج "تشاد هاستي" الإذاعي "سننتهي منه بحلول نهاية يوليو كأقصى حد". 

روسيا والدين والميزانية

في هذه الأثناء أعلن ترمب الخميس أن خطة الإصلاح الضريبي "تمضي قدما في الكونغرس" وتجري بشكل "جيد للغاية". 

ومن ناحيتها، رسمت رئيسة الاقلية الديموقراطية في مجلس النواب نانسي بيلوسي صورة مغايرة، قائلة إن ما حصل عليه النواب من البيت الأبيض مجرد خطة ضريبية فيها عناصر رئيسية وتتكون من صفحة واحدة وترسم الإطار لتخفيض كبير للضرائب للأعمال التجارية والأفراد. 

وقالت بيلوسي الجمعة إن "الرئيس يقول مرارا إن مشروع قانون الضرائب يمضي قدما في الكونغرس. إلا أن لا وجود له (أساسا)!"

ويعتبر التعديل الضريبي وإلغاء "أوباماكير" والإصلاحات في ملف الهجرة، بما في ذلك تمويل الجدار على الحدود الأميركية-المكسيكية، من خطة المئة يوم الاولى للرئيس الاميركي. 

وانقضت أيامه المئة ولم تتحقق أي من هذه الأهداف.

ويتوقع أن يتلقى تعهد كبير آخر قدمه ترمب خلال حملته، وهو إنفاق المليارات على تجديد البنى التحتية المتآكلة في البلاد كالشوارع والجسور والمطارات، دفعا هذا الأسبوع من الرئيس. 

وحتى وإن كان الجمهوريون مستعدين للقفز أولا إلى الرعاية الصحية والضرائب، فهناك ارباكات تعقد ذلك. 

اذ تم تعيين مدع خاص للتحقيق في التدخل الروسي المحتمل بالانتخابات الأميركية العام الماضي وللنظر في إن كان فريق حملة ترمب نسق أو تعاون مع موسكو في هذا السياق. وأما لجان الكونغرس، فهي منشغلة بإصدار مذكرات إحضار. 

وفي لحظة قد تعد بالكثير من المفاجآت، سيدلي مدير مكتب التحقيقات الفدرالي السابق جيمس كومي بشهادته الخميس أمام لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ. 

وسيسأله النواب خلال جلستين -- احداهما علنية والثانية مغلقة -- بشأن إن كان ترمب حثه على وقف التحقيق في مستشاره المقال للأمن القومي مايكل فلين. 

وما يزيد من تعقيد البرنامج أن على الكونغرس التوصل إلى وضع ميزانية والتصويت على الإنفاق قبل نهاية العام المالي في 30 ايلول/سبتمبر.

وبإمكان الانقسامات في صفوف الجمهوريين بشأن أولويات الانفاق تعقيد هذه المهمة. 

وما يضيف إلى الضغوطات أن الإدارة تدعو الكونغرس حاليا للتصويت من أجل رفع سقف الديون قبل عطلة الصيف، اثر الايرادات الحكومية التي تعد أضعف مما كان متوقعا. 

ويعارض بعض الجمهوريين السماح للحكومة باستدانة مزيد من الأموال بدون تقديم التزامات بخفض الانفاق الفدرالي بشكل عام. 

ولم يؤكد البيت الأبيض الجمعة أنه يرغب بتحقيق زيادة غير مشروطة في سقف الديون. وفي هذا السياق، قال المتحدث باسم البيت الأبيض "لم نصل إلى ذلك بعد". 

وقد يجبر اتخاذ خطوة سريعة النواب على اجراء تصويت مثير للجدل قبل عطلهم. 

وإذا استمرت المناقشة بالمسائل التي تشكل أولويات ترمب مثل الرعاية الصحية والضرائب حتى نهاية عام 2017 أو أبعد من ذلك، فهناك خطر بأن تخيم على انتخابات منتصف الولاية عام 2018، حيث سيتجنب الجمهوريون الذين اربكتهم فضائح ترمب الخوض في مزيد من القضايا المثيرة للجدل.