لندن: برز زعيم حزب العمال البريطاني جيريمي كوربن اليساري المتشدد كالفائز الأكبر في الانتخابات التشريعية الخميس، إذ نجح في زيادة تمثيل العماليين بعدما كانت كل استطلاعات الرأي تتوقع له الهزيمة وكان موضع انتقادات ساخرة حتى داخل حزبه.

وطرح الزعيم العمالي البالغ من العمر 68 عاما برنامجا يساريا تماما، وخاض حملة انتخابية شديدة الحماسة وظف لها كل مهاراته كسياسي قديم وناشط نقابي سابق، في حين كان إداء منافسته تيريزا ماي مخيبا للامل.

ومع فوزه بـ29 مقعدا إضافيا بحسب النتائج شبه النهائية، فإن حزبه الذي حل في المرتبة الثانية بعد الحزب المحافظ، حقق اختراقا لم يكن العديدون يعتبرونه ممكنا، فيما قضى المحافظون والانفصاليون الاسكتلنديون ليلة صعبة.

وقال كوربن الجمعة "موقفنا واضح، نريد بريكست يحمي وظائفنا"، مؤكدا أن عملية الخروج من الاتحاد الأوروبي "يجب أن تتواصل لأنه تم تفعيل المادة 50" من اتفاقية لشبونة.

وبعد أن دعا تيريزا ماي إلى الاستقالة والإفساح لحكومة "لها صفة تمثيلية حقيقية"، طرح كوربن نفسه في موقع الزعيم مؤكدا أن حزبه "على استعداد لخوض المفاوضات باسم البلاد".

وما يعزز شعبية جيريمي كوربن نزاهته ونهجه الاجتماعي، وهو اجتذب مناصرين يؤيدونه بصورة مطلقة، يعرفون بلقب "كوربينستا"، ومعظمهم شبان دخلوا مجال السياسة لدعمه.

وقال وندي ماك الأربعيني مؤخرا لوكالة فرانس برس حاملا لافتة كتب عليها "صوتوا للعماليين" إن كوربن "شخص ممتاز".

وقال شون ماكينا (16 عاما) من جهته "إنه رجل إنساني، يفهم الناس".

يخاطب كوربن جمهورا متحمسا له، متواطئا معه، مندفعا لتأييده، في تباين تام مع التجمعات الانتخابية التي عقدتها رئيسة الوزراء المحافظة والتي كانت تسودها اجواء باردة.

صادق

لخص الأستاذ في جامعة كوين ماري في لندن تيم بايل المسألة قائلا إن كوربن "أكثر صدقا من تيريزا ماي الأقرب إلى امرأة آليّة".

وشدد على ان "برنامج العماليين مليء بوعود إيجابية تحاكي مخاوف الناخبين".

لخص الاستاذ في جامعة كوين ماري في لندن تيم بايل أن كوربن "أكثر صدقة بكثير من تيريزا ماي التي تبدو أشبه بامرأة آلية".

وعلى الصعيد الأمني، وعد كوربن بعد الاعتداءات التي تخللت الحملة الانتخابية باستحداث عشرة آلاف وظيفة جديدة في الشرطة، منتقدا الاقتطاعات في الميزانية التي أقرها المحافظون.

باشر كوربن الناشط المعادي دائما للحرب، تطوير حسه بالالتزام السياسي منذ شبابه بين والديه، وهما مهندس ومعلمة التقيا بمناسبة تظاهرة ضد الحرب الأهلية الإسبانية.

نشأ كوربن المولود في 26 مايو 1949 في غرب إنكلترا، ولم يبد في صغره أي ميل إلى الدراسة. وبعد حيازته البكالوريا، غادر سنتين إلى جامايكا لحساب جمعية خيرية. عند عودته، أقام في حي آيلينغتون في شمال لندن، الذي كان في ذلك الوقت بؤرة الحركة الاحتجاجية اليسارية.

وهو نائب منذ 1983 عن هذه الدائرة حيث لا يزال يسكن منزلا متواضعا مع زوجته الثالثة، وهي مكسيكية تصغره بعشرين عاما، ويعيش نمط حياة بسيطا. وهو أب لثلاثة أولاد.

غير أن وضع زعيم المعارضة في بريطانيا غير مريح حين يكون يجسد الجناح اليساري الراديكالي لحزب لا يزال تحت تأثير "طريق ثالث" شقه الوسطي توني بلير.

بدأ كوربن يواجه المتاعب في أعقاب انتخابه على رأس الحزب عام 2015، حين أدرك أن قسما من جهاز حزبه لن يقبل أبدا بأن يقوده متمرد صوت 533 مرة ضد خط الحزب منذ 1997.

وتلت ذلك أشهر مديدة من الخلافات والسجالات... وبلغ التمرد ذروته بعد التصويت على الخروج من الاتحاد الأوروبي، حين واجه كوربن تصويتا بحجب الثقة عنه بعد اتهامه بعدم القيام بجهود كافية لمنع بريكست. حتى المحافظ ديفيد كاميرون الذي كان في ذلك الحين رئيسا للوزراء ضم صوته إلى معارضي كوربن قائلا "بحق الله، ارحل!".

غير أن الزعيم العمالي أثبت عن تصميم وعناد، وهو أيضا ما يميز أطباعه، فاستند مرة جديدة إلى قاعدته للفوز بحزبه مجددا.

ومع النتيجة التي حققها في الانتخابات، ضمن لنفسه على الأقل البقاء على رأس الحزب وكم أصوات منتقديه.