إيلاف من لندن: اتهمت منظمة العفو الدولية اليوم قوات الحشد الشعبي العراقية باختطاف 643 رجلاً وطفلاً في بلدة الصقلاوية بمحافظة الانبار الغربية، مؤكدة أنهم ما زالوا في عداد المفقودين منذ عام كامل، ووجهت انتقادات الى السلطات بعدم اتخاذ أي اجراءات للعثور عليهم او معاقبة خاطفيهم، واعلنت عن حملة دولية تسأل العبادي: أين هم؟

وأكدت المنظمة ان 643 رجلاً وطفلاً على الأقل قد اختطفوا من قبل الحشد الشعبي في بلدة الصقلاوية بمحافظة الأنبار بغرب العراق، معتبرة انهم في عداد المفقودين منذ أكثر من عام.. موضحة أن عملية الاختطاف تمت خلال العمليات العسكرية لاستعادة الفلوجة والمناطق المحيطة بها من سيطرة المجموعة المسلحة التي تطلق على نفسها اسم تنظيم داعش، حيث تعيش أسر هؤلاء الناس في عذاب منذ ذلك الوقت، وهي غير متأكدة مما إذا كان أحباؤها سالمين أو حتى على قيد الحياة.

موت تحت التعذيب

واشارت المنظمة الدولية في تقرير الاحد، اطلعت على نصه "إيلاف"، الى انه حسب شهادات استقتها من مختطفين سابقين، وشهود وأقارب المختفين قسرياً، فإن آلافًا من الرجال، والنساء، والأطفال الذين فروا من منطقة الصقلاوية صباح يوم 3 يونيو عام 2016 واجهوا أفرادًا مسلحين كانوا يحملون رشاشات وبنادق هجومية. وتعَّرف الشهود على هويات المسلحين، وقالوا إنهم أعضاء في "الحشد الشعبي" بناء على الشعارات المثبتة على بدلاتهم العسكرية والأعلام التي كانوا يرفعونها.

وعمد المسلحون إلى فصل النساء والأطفال الصغار عن نحو 1300 رجل والأطفال الأكبر سناً الذين يعتبرون في سن القتال، ثم نَقلوا هؤلاء الرجال والأطفال الأكبر سناً إلى بنايات ومرائب ومحلات تجارية مهجورة في المنطقة القريبة وصادروا وثائق هوية المحتجزين وهواتفهم وخواتمهم وباقي المقتنيات الثمينة. ولاحقاً عمد هؤلاء المسلحون إلى تقييد أيادي المحتجزين وراء ظهورهم، وفي معظم الحالات استخدموا الأصفاد البلاستيكية.

وعند شروق الشمس، وصلت عدة حافلات ثم نقلت قسماً من المحتجزين بمساعدة شاحنة كانت تقف هناك.. ولا يزال مصير هؤلاء الرجال والأطفال الذين استقلوا هذه الحافلات مجهولاً. ونُقِل الرجال المتبقون في مجموعات خلال الليل إلى مكان وصفه الناجون بأنه "البيت الأصفر" حيث تعرضوا للتعذيب وسوء المعاملة، وحرموا من الطعام، والماء واستخدام مرافق الصرف الصحي. 

ووصف ناجون بأنهم تعرضوا للضرب على كل أنحاء أجسامهم ورؤوسهم باستخدام الأسلاك الكهربائية "الكابلات" وأنابيب معدنية، ومجارف، وعصي خشبية، كما شاهدوا محتجزين آخرين لقوا حتفهم أمامهم من جراء التعذيب، إضافة إلى مشاهدة آخرين وقد نُقلوا بعيداً من دون أن يتمكنوا من العودة. وقال رجل: "إخواني نقلوا بعيداً في أولى الحافلات...حاولت أن أكون قوياً من أجل أسرهم وأقول لهم لا تفقدوا الأمل وواصلوا الدعاء من أجلهم، لكنني خائف وخصوصاً بعدما حدث لنا في البيت الأصفر".. لقد مات محتجزون بسبب تعرضهم للضرب؛ في حين أُطلقت النار على آخرين، ومات بعضهم من العطش."

لجان تحقيق من دون اجراءات

واضافت المنظمة أن السلطات العراقية وكلت لجنتين لمتابعة الامر، حيث شكل مكتب رئيس الوزراء حيدر العبادي لجنة يوم 5 يونيو عام 2016 للتحقيق في الاختفاءات والانتهاكات المرتكبة في سياق العمليات العسكرية لاستعادة الفلوجة.

كما شكلت السلطات المحلية في الأنبار لجنة تحقيق ونشرت في 11 يونيو نتائج التحقيق التي ذكرت بأن 643 شخصاً من النازحين داخلياً، رجالاً وأطفالاً، من منطقة الصقلاوية يوجدون في عداد المفقودين. وقدمت اللجنة النتائج التي خلصت إليها إلى العبادي من أجل مزيد من التحقيق واتخاذ الإجراءات المناسبة.

واعربت منظمة العفو الدولية في تقرير نشر يوم 18 أكتوبر عام 2016 عن قلقها من أن الحكومة العراقية لم تتخذ أي إجراءات من أجل حماية الضحايا والشهود، وخصوصاً أن اللجنة التي شكلتها الحكومة تضم في عضويتها أجهزة أمنية ربما ضالعة في الانتهاكات، ونتيجة لذلك فإن بعض الشهود ربما ساورهم التردد في إعطاء شهاداتهم خوفاً على سلامتهم.

ووجهت منظمة العفو يوم 16 يونيو 2016 ويوم 21 سبتمبر 2016 مذكرة إلى مكتب رئيس الوزراء تطلب تقديم معلومات بشأن الخطوات المتخذة للتحقيق في مزاعم الانتهاكات المرتكبة في سياق العمليات العسكرية التي شنت يوم 23 مايو لاستعادة السيطرة على الفلوجة والمناطق المحيطة بها.. لكن بدون جدوى فلم تتلقَ المنظمة حتى اليوم أي ردود من السلطات العراقية ولا يزال من غير الواضح إن كانت نتائج اللجنة التي شكلها رئيس الوزراء قد نشرت علانية على الإطلاق أم تم تبادلها مع السلطات القضائية.

إسألوا العبادي: اين هم؟

وقال باحثو منظمة العفو الدولية الذين زاروا النازحين داخلياً في المخيمات المقامة في محافظة الأنبار، في أواخر شهر مايو عام 2017 إن هؤلاء ذكروا أنهم لم يسمعوا أي شيء عن مصير أحبائهم كما لم يزرهم أي ممثل عن الحكومة المركزية منذ السنة الماضية لإطلاعهم على تطورات التحقيق.

وقال أحد النازحين داخلياً إن أخاه إبراهيم حامد حسين الذي يبلغ من العمر 26 عاماً واثنين من أبناء عمه يبلغان من العمر 24 و31 عاماً لا يزالون في عداد المفقودين. وأضاف قائلاً إن عائلتهم لم تسمع أي أخبار عن مصيرهم بعد مرور سنة على اختفائهم ،"دعوه يعد إلى بيته وأولاده. لا نطلب شيئًا غير ذلك".

وابلغ ممثل عن السلطات المحلية في محافظة الأنبار منظمة العفو الدولية أن عائلات المفقودين واجهت عقبات إدارية عندما حاولت الإبلاغ عن اختفاء أحبائها في المحاكم المحلية.

وشددت منظمة العفو الدولية على ضرورة التحرك لمعرفة مصير المختطفين والانضمام اليها في حملة توجه سؤالاً لرئيس الوزراء حيدر العبادي تقول "أين هم؟".. ودعت الى ارسال تغريدة له نصها: "643 عراقياً مفقوداً منذ عام كامل: أين هم، HaiderAlAbadi@؟".

اختطاف رجال الصقلاوية ليس منعزلاً

واكدت المنظمة أن الاختفاءات القسرية التي استهدفت مئات الرجال في الصقلاوية في يونيو 2016 لا تشكل حوادث منعزلة، فمنذ ظهور داعش ومجموعات مسلحة أخرى بما في ذلك القاعدة بالعراق، تعرض آلاف من الرجال والأطفال السنة في العراق للاختفاء القسري من طرف قوات الأمن والميليشيات التي تحظى بدعم الدولة العراقية، في إطار النزاع المسلح المستمر وانعدام الأمن وتزايد التوترات الطائفية.

وشددت على ان جريمة الاختفاءات القسرية لا تمس فقط الضحايا الأساسيين، الذين قُطعت أي صلة لهم بالعالم الخارجي، وتعرضوا لسلسلة من الانتهاكات بما فيها التعذيب وربما القتل بل أيضاً أقاربهم، الذين يعيشون في عذاب بسبب عدم معرفتهم بمصير أحبائهم لمدة أشهر وربما لسنوات. 

ووَثَّقت منظمة العفو الدولية كيف أن أقرباءهم لم يدخروا وسعاً من أجل الحصول على أي معلومات بشأن المفقودين في العراق. إذ خاطبوا الأجهزة الأمنية؛ وقدموا شكاوى وتقارير بشأن الأشخاص المختفين إلى الشرطة والمحاكم؛ ودفعوا مبالغ باهظة إلى الوسطاء ممن لهم صلات بأفراد "الحشد الشعبي" أو المسؤولين الحكوميين، واستعلموا عن مصير أحبائهم في السجون، ومنشآت احتجاز أخرى والمستشفيات ومشارح الجثث، وخاطبوا منظمات حقوق الإنسان والمنظمات المعنية بالشؤون الإنسانية، وعرضوا صورًا تخص أقاربهم المختفين على محتجزين سابقين أُفرِج عنهم على أمل أن يتعرفوا عليهم. إن المحاولات اليائسة التي يقوم بها أعضاء عائلات المختفين في العراق لم تواجه سوى لامبالاة المسؤولين الحكوميين والتقاعس عن اتخاذ أي إجراء ملموس.

جرائم بلا محاسبة

ونوّهت منظمة العفة الدولية في ختام تقريرها الى أن التحقيقات السابقة في الانتهاكات الجسيمة من قبل "الحشد الشعبي" لاقت تقاعسًا ولم يتم توفير الإنصاف والتعويض للضحايا.. مثلاً النتائج التي أعلنت في حالات القتل غير المشروع وباقي انتهاكات "الحشد الشعبي" في قرية بروانة ومدينة المقدادية الواقعة بمحافظة ديالى شمال شرق بغداد التي حدثت يوم 26 يناير عام 2015 و11 يناير عام 2016 على التوالي، لم تعلن على الملأ، كما لم يُحاسب أي عضو في "الحشد الشعبي"، حسب أفضل المعلومات المتاحة للمنظمة.