هل يرضى الخليجيون بموقف لبنان الباهت ودفن رأسه في رمال النأي بالنفس في مسألة قطر والإرهاب؟ هل يراهن اللبنانيون على تفهم السعودية الخصوصية اللبنانية؟ أم قضي الأمر وتمت السيطرة الإيرانية على لبنان؟

إيلاف من بيروت: ليس سهلًا أن يبقى لبنان بعيدًا عن تداعيات الأزمة الخليجية القطرية اليوم، إذ يشارك حزب الله في حكومة سعد الحريري، وهو الحزب المتهم مع إيران بالتدخل في الشؤون الداخلية لدول الخليج، خصوصًا السعودية والبحرين، وهو وكيل إيران وذراعها العسكرية في لبنان وسوريا والعراق. إلا أن الحكومة اللبنانية لا تزال تقف موقف المحايد تجاه الأزمة، وهي برأي مراقبين ملتزمة هذا التموضع نتيجة ما نص عليه بيانها الوزاري، كما البيانات الوزارية للحكومات السابقة، من النأي بالنفس تجاه النزاعات والمحاور العربية.

لكن، هل يُرضي الموقف الرسمي اللبناني دول الخليج، وتحديدًا السعودية التي تربطها بالدولة اللبنانية وبالحريري علاقات وثيقة، خصوصًا أنها الداعم الاساس له؟ وإلى متى يبقى لبنان نعامةً تدفن رأسها في التراب؟

لا مصلحة في التدخل

يرى الوزير السابق نبيل دو فريج لـ "إيلاف" أنه "ليس من مصلحتنا أن نتدخل في شؤون الغير، ولا نستطيع في الوقت نفسه أن نخرج عمّا يقوله بياننا الوزاري، الذي يصر على النأي بالنفس، وما يهمنا هو الوحدة العربية والإجماع العربي، فلنا علاقات جيدة مع كل من السعودية وقطر، وهنا يأتي دور الحكومة اللبنانية، وخصوصًا وزارة الخارجية، في العمل على إظهار حسن علاقات لبنان مع الجميع، لأن لدينا مصالح مع كل هذه الدول".

وأضاف: "في النهاية، لا نستطيع أن نؤدي أي دور، والأفضل أن نتفرغ لترتيب بيتنا الداخلي، وعلى الفرقاء في لبنان الذين يتبعون الخارج أن يفكروا بلبنان أولًا. لكن واجبنا دائمًا أن نعلن وقوفنا ضد كل من يمول الارهاب ويدعمه".

وفي حديث لـ "إيلاف"، يقول النائب هادي حبيش، عضو كتلة المستقبل، إن لبنان يتأثر بأي خلاف عربي يحصل، لكنه يحاول أن يكون بمنأى عن هذه الخلافات. 

وفي الموقف من مسألة قطر، يقول حبيش: "هذا منوط بمجلس الوزراء، عليه دراسة الامر واتخاذ الموقف الملائم في حال كان مطلوبًا اتخاذ موقف، لكن من دون تسرع. وفي ما يخص الإرهاب، نحن من أكثر الدول الناشطة في محاربته، ولبنان من اكثر دول الطوق الذي دفع اثمانًا ضد الارهاب، وكل اللبنانيين مجمعون على هذا".

لبنان النعامة

يرى الوزير السابق محمد عبد الحميد بيضون أن جوهر الصراع القطري - الخليجي هو الاخوان المسلمون، "وفي لبنان لا يوجد إخوان مسلمون، ولا تأثير لهم".

يقول بيضون لـ "إيلاف": "أعتقد أن السعودية تترك لبنان للاستراتيجية الاميركية، وليس لديها أي موقف هجومي في لبنان ضد حزب الله، فالتحالف الدولي برئاسة الولايات المتحدة يعالج وضعه، ولا أتوقع تأثيرات كبيرة عليه، المطلوب أن يكون مع الدول وليس مع الميليشيات أو التنظيمات، وبالتالي لا يجوز للبنان الا أن يميل إلى الموقف السعودي، لكنني لا أتوقع أن يتخذ كل الافرقاء اللبنانيين موقفًا مع السعودية ضد قطر، فالموقف اللبناني نعامة تدفن رأسها في التراب، ولن تحاسب الرياض لبنان على موقفه هذا، فسياستها تجاهه قائمة على غض النظر بسبب تفهمها وضع المسؤولين اللبنانيين".

يضيف: "مشكلتنا في لبنان مع من يغطون سياسات حزب الله، حليف إيران، التي تخوض حربًا مصيرية ضد الخليج العربي، وتريد أن تسيطر على الطريق البري من طهران إلى بيروت".

نأي لن يرضي العرب

يخالف الصحافي والكاتب راجح خوري كل ما تقدم، إذ يرى أن منطق النأي بالنفس عن هذا الموضوع سوف لن يرضي الاشقاء العرب الذين يخوضون مواجهة كبيرة ولأسباب باتت واضحة.

يقول خوري لـ "إيلاف": "لاحظنا أحكامًا قاسية ضد أي مواطن خليجي يعلن تعاطفه مع الموقف القطري على مواقع التواصل الاجتماعي، فماذا سيحصل لبلد مثل لبنان؟ لدينا 400 ألف لبناني يعملون في السعودية ودول الخليج عمومًا، والاستمرار بسياسة النأي بالنفس لا يتلاءم مع سيادة البلد، كما أن الموضوع ليس صراع محاور لننأى بأنفسنا عنه، وليس صراعًا سياسيًا، إنما هو مسألة أمن وإرهاب وموقف دولي ضد الإرهاب".

يقول خوري: "ليس مطلوبًا أن نتخذ موقفًا ضد قطر، لكن علينا في الأقل أن نقف ضد دعم الإرهاب في المنطقة، سواء أكان الأمر متعلقًا بقطر أم بأي بلد آخر في العالم، ولا يمكن أن نبقى غير موجودين، فلدينا حساسيات ومسايرات طالما هناك موقف طويل عريض في العالم العربي كله، وعلى الحكومة اللبنانية أن تبادر في وقت قريب إلى اتخاذ موقف عاقل في هذا الموضوع، وليس المطلوب إحداث مشكلة أو معاداة قطر، بل المطلوب موقف صارم وصريح ضد أي عمل يخدم الإرهاب، وهذا لا يؤذي أحدًا، لأن الارهاب يستهدفنا أصلا.