الموصل: لا يكف مركز التدقيق الأمني الذي أنشئ عند أسفل دولاب هواء توقف عن الدوران منذ زمن في الموصل، عن استقبال سيل العراقيين الفارين من المعارك في المدينة، ليكون مفترقا لتحديد المصير.

يجلس رجال منهكون على سيارات الملاهي الكهربائية القريبة، فيما يفترش آخرون الأرض في الفيء، وينتظرون بقلق استدعاءهم بالإسم من قبل ضباط الجيش.

تقع مدينة الملاهي الصغيرة تلك في نهاية جسر عائم فوق نهر دجلة افتتح مؤخرا للمدنيين، يمثل الرابط المادي الوحيد بين ضفتي النهر.

يقول المسؤول عن مركز التدقيق العميد في القوات الجوية جبار مصطفى إن "كل من يعبر الشرق يجب أن يمر من هنا".

ويوضح أن "هناك خياما طبية للعائلات هنا، وعلى الرجال أن يخضعوا للتدقيق استنادا إلى قاعدة بياناتنا قبل أن يتمكنوا من الانتقال" إلى شرق الموصل الذي استعادته القوات الأمنية من أيدي تنظيم داعش في يناير الماضي.

معظم الوافدين الجدد هم من حي الشفاء في غرب الموصل، حيث تخوض القوات العراقية معارك ضد آخر من تبقى من التنظيم في المدينة.

داخل المركز، يصنف بعض الرجال على أنهم أعضاء في التنظيم فورا، فيؤخذون جانبا وتقيد أيديهم خلف ظهورهم بأصفاد بلاستيكية.

كان بين هؤلاء ذلك اليوم مصريان، اشتبه بهما بسبب جنسيتهما. ووفقا لضباط عراقيين، فإن غالبية الجهاديين، الذين يقدرون ببضع مئات، المتبقين للدفاع عن آخر مواقعهم في المدينة القديمة، هم أجانب.

بين الحشود المتجمعة، يتطوع رجال أحيانا لتقديم "معلومة" تدين أحد جيرانه السابقين أو تبرئ آخر. وصف أحد المصريين بأنه متعاطف مع الجهاديين، فيما أطلق سراح الثاني بعدما أكد العديد من الأشخاص أنه عمل جزارا في الموصل لثلاثين عاما.

يشير صلاح محمد، الذي فر من حي الشفاء قبل يوم لكنه اضطر للعودة بسبب فقدانه بطاقة هويته، إلى أن "الدواعش الأجانب يقاتلون حتى النهاية، لكن مؤديه العراقيين عادوا واندسوا بين السكان".

ويضيف، وهو يحاول نزع شعيرات فاتته عندما حلق لحيته الطويلة الإجبارية في ظل حكم الجهاديين، أنه "ليس صعبا على مؤيدي داعش أن يفلتوا من عملية تدقيق مماثلة".

عملية غير مضمونة

يلفت العميد مصطفى إلى أنه يتم احتجاز ما بين عشرة إلى 15 شخصا يوميا في المركز، يشتبه في أنهم عناصر من التنظيم الجهادي أو مؤيدون له. في هذا الوقت، يحاول ضباط ومسعفون فهم وضع أم بكماء، بدا أطفالها الستة متسخين ومصدومين.

زوجها لم يكن برفقتها، وتحاول من دون جدوى أن تشرح بلغة الإشارة ما حصل معه. أكثر ما لفت نظر موظفي المركز هو أن أصغر أبنائها، البالغ من العمر 18 شهرا، اسمه أبو بكر، معتبرين ذلك مؤشرا أن مبايعة الوالد لزعيم التنظيم أبو بكر البغدادي.

يؤكد الرائد معن مهدي من الفرقة 16 في الجيش العراقي أنه "إذا لم يقدم المواطنون المساعدة للقوات الأمنية، فلا يستطيعوا أن يعرفون من هم" الجهاديون، مقرا بأن عملية التدقيق ليست مضمونة.

إلا أن مهدي أصر على أن الأمر يستغرق الكثير من تجميع المعلومات المتقاربة من السكان النازحين لاتخاذ قرار حيال مصير ما، مؤكدا أن معظم هؤلاء يخضعون للتدقيق أكثر من مرة.

تشكل الموصل منذ ثمانية أشهر ساحة لأكبر معركة عسكرية يشهدها العراق منذ سنوات، لكن عدد سكان المدينة لم ينخفض عن المليون.

معظم سكان شرق الموصل بقوا في منازلهم عند انطلاق العمليات في 17 أكتوبر، وعاد الكثيرون إلى بعض الأحياء التي طرد منها الجهاديون في غرب الموصل، رغم الدمار الهائل.

وحتى قبل وضع الجسر العائم، لم يتوقف السكان أبدا عن التنقل بين شطري المدينة. بالقرب من مركز التدقيق، يقع فندق نينوى، أحد معالم الموصل بشكله الهرمي، والذي شهد وجوها عدة من النزلاء.

وباعتباره كان واحدا من أفضل الفنادق العراقية التي كانت تستقبل ضباط الدكتاتور السابق صدام حسين، استولى عليه تنظيم الدولة الإسلامية عليه عندما اجتاح المدينة في العام 2014، وأطلق عليه اسم "الوارثين" واستخدمه لنخبه.

وقد بقيت القوات الخاصة الأميركية والفرنسية والمقاتلون العراقيون من قوات مكافحة الإرهاب داخل الفندق على مدى الأشهر الماضية، بحسب ما يتضح من مختلف أنواع الحصص الغذائية وغيرها من الأشياء التي تركوها وراءهم.

أما وقد انتقلت المعركة الآن إلى الضفة الأخرى من النهر، فإن الفندق الفارغ حاليا ينتظر سادته الجدد.