تلعب روسيا في الخفاء لإفساد التحالفات العربية واللعب على حبلي الدول الخليجية وقطر، من أجل تعزيز نفوذها في المنطقة، مراهنة على أن التفسخ الخليجي يصب في غير صالح الولايات المتحدة.

إيلاف من واشنطن: هل جاءت الأزمة القطرية في صالح روسيا؟ ما الدور الذي قامت به روسيا أمام التحالف العربي الأميركي؟ هل تسببت بشكل مباشر في اختلاق الأزمة مع قطر؟ أسئلة ظلت على مائدة التحليلات الأميركية على صفحات المواقع الإلكترونية والجرائد خلال الفترة الماضية، لكن لا شك في أن الخلاف الروسي- الأميركي ووصول العلاقات بين البلدين إلى أدنى مستويات التواصل السياسي، كما صرَّح ريكس تيلرسون، وزير الخارجية الأميركي، واتهامات سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، لأميركا بتعمد إفساد أي محاولة لعودة العلاقات لسياق طبيعي، كل ذلك ألقى بظلاله على المنطقة العربية، في ظل الأزمة الخليجية التي تدخل أسبوعها الثالث من المقاطعة المفروضة على قطر.

اتهامات أميركية

خرجت اتهامات عدة من داخل أروقة الحكومة والكونغرس الأميركي إلى روسيا. كانت البداية من خلال تصريحات جيم ماتيس، وزير الدفاع الأميركي، قائلًا: "إن روسيا تتعمد بشكل واضح إفساد أي نوع من التحالفات الديمقراطية، خصوصًا تلك التي تقوم بها أميركا، وأن ذلك من شأنه أن يؤثر في الاستقرار العالمي، ويضر بالمصالح الدولية"، وهو ما عقبت عليه السيناتورة إليزابيث وارين خلال الجلسة التي عقدت بمجلس الشيوخ، باعتبار الأخبار المنشورة عن التدخل الروسي في الأزمة القطرية صحيحة، وضرورة توضيح ذلك للتعرف على الدوافع المحتملة لروسيا بشأن تعمد الإضرار بالمصالح الأميركية.

تصريحات ماتيس جاءت عبر المقابلة الخاصة التي قدمتها سي أن أن الإخبارية، التي نقلت فيها عن محققين في مكتب التحقيقات الفيدرالي، الذي يحقق في التدخل الروسي بالانتخابات الأميركية، قولهم إن روسيا هي التي قامت باختراق وكالة الأنباء القطرية لتتسع دائرة الاتهامات إلى روسيا بأنها وراء اختلاق الأزمة مع قطر، أو على الأقل محاولة لعب دور انتهازي في الأزمة لزيادة نفوذها في المنطقة العربية، ونقل الصراع بين أميركا وروسيا إلى الخليج وسيلة ضغط في ظل تعقد العلاقات الروسية - الأميركية.

الموقف الروسي

يقول مارك كاتز، أستاذ العلوم السياسية بمعهد العلاقات الدولية، والباحث بالملف الروسي، لـ "إيلاف": "يجب تحليل الموقف الروسي من الأطراف الحالية للنزاع في منطقة الخليج العربي، والوقوف على استفادة روسيا من اختراقها وكالة الأنباء القطرية، كما صرح عدد من المسؤولين الأميركيين، فمنذ بداية إطلاق تلك الاتهامات قوبلت بالنفي الشديد من قبل سيرغي لافروف، وأيضًا من قبل فلاديمير بوتين، لكن بتحليل بنيوية النفي الروسي خصوصًا بما يتعلق ببوتين وما يتعلق أيضًا بمواقفه السابقة، نجد أن مستشارًا مقربًا من بوتين صرَّح أن تلك الادعاءات "لا يوجد ما يدعمها"، لكن هذا لا يعني كونها غير صحيحة، وتختلف تمامًا عن تصريح أن روسيا لم تقم بذلك، فبوتين أنكر من قبل إرسال روسيا قوات إلى شبه جزيرة القرم ثم تراجع عن إنكاره بعد ذلك، وأيضًا في ما يتعلق بالتدخل الروسي في الانتخابات، إذ تحول موقف بوتين من النفي التام إلى التصريح بإمكان حدوث ذلك من بعض المخترقين الوطنيين الروس، أي أن الصدقية الروسية محل شك، لكن يمكن تعديد مصالح روسيا من الأزمة القطرية".

ويضيف: "فروسيا ستكون مستفيدة من اختلال العلاقة بين التحالف الأميركي والدول العربية عقب القمة الأخيرة في الرياض، وتسعى إلى الاستفادة من الانقسامات بين الدول التي تجمعها علاقة تحالف مع الولايات المتحدة على المدى الطويل، ومحاولة روسيا التقرب من قطر في ظل إعلان ترمب هجومه عليها".

الأمر مختلف

أكد كاتز أنه حتى لو افترضنا ذلك، فإن الأمر يختلف في ما يتعلق بقطر، حيث إنه في الحالات السابقة، كان بوتين ينظر إلى أوكرانيا ووزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون على انهما عدوان يهددان مصالح روسيا، لكن روسيا لا تنظر إلى قطر باعتبارها عدوًا، والعلاقات بين موسكو والدوحة بقيت إيجابية على المستويين الاقتصادي والسياسي، لكنّ هناك خلافات بين الجانبين، فمن جهة يشترك الموقف الروسي مع السعودية وحلفائها في النظر إلى جماعة الإخوان المسلمين باعتبارها جماعة إرهابية مثلما تعتبرها إدارة ترمب أيضًا، في حين تحتضن قطر قيادات تلك الجماعة وترى أنها تمثل أنموذجًا للجماعات الإسلامية المعتدلة، بينما تتفق روسيا مع قطر في ما يتعلق بالتعاون مع إيران، خلافًا للموقفين السعودي والأميركي.

تحرص روسيا على الرغم من هذا النزاع على الإبقاء على العلاقات الاقتصادية مع كافة الدول المتنازعة، وعلى الرغم من دراسة بوتين دعوة الدوحة إلى استضافة قوات روسية على أراضيها، ما سيزيد ذلك من النفوذ الروسي في المنطقة، فإن بوتين أكثر ذكاءً من توريط نفسه في بؤرة نزاع مع علمه بوجود قوات أميركية في الدوحة، تقلل من أهمية النفوذ الروسي الطموح هناك. لكن لا شك في أن روسيا تبحث عن مصالحها في ظل الأزمة الحالية، ولا شك أيضًا في أن الإضرار بمصالح أميركا يصب دومًا في الصالح الروسي.