الرباط: دعا العاهل المغربي الملك محمد السادس قادة الدول الأفريقية إلى تركيز الطاقات على التنمية من خلال انتهاج سياسة إرادية موجهة نحو الشباب، بهدف جعله قاطرة لإقلاع القارة الأفريقية بدل تركه فريسة للبطالة وخسارته في مغامرات الهجرة غير الشرعية التي تنتهي أحيانا في قاع البحر.

وقال العاهل المغربي في خطاب وجهه أمس إلى القمة 29 لقادة دول وحكومات الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا، ألقاه نيابة عنه شقيقه الأمير مولاي رشيد إن"مستقبل أفريقيا يبقى رهينا بشبابه، إذ إن ما يقارب 600 مليون أفريقي وأفريقية من الشباب. كما يرتقب وصول عدد الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و24 سنة، إلى 400 مليون شخص في أفق 2050". وأضاف العاهل المغربي "من هنا، تبرز الضرورة الملحة لتوجيه هذا الرصيد الديمغرافي نحو إقلاع القارة. وهو ما سيتيح لأفريقيا فرصة غير منتظرة للاستفادة من يد عاملة شابة ومتعلمة ووافرة لتطعيم نموها الاقتصادي".

واشار العاهل المغربي إلى أن "أكثر من 11 مليون شاب أفريقي يلج سوق الشغل سنويا، في حين لا تتعدى فرص العمل المتاحة 3 ملايين. كما أن ما يفوق 70 بالمائة من الشباب الأفارقة يعيشون بأقل من دولارين في اليوم". وتساءل الملك محمد السادس "كيف يمكن وضع حد لظاهرة البطالة التي تضرب بقوة شباب القارة، إذ إن 60 بالمائة من المعطلين فيها هم من فئة الشباب؟".

الامير مولاي رشيد لدى مشاركته في القمة الافريقية في أديس أبابا الْيَوْمَ 

وأوضح العاهل المغربي أن رفع هذا التحدي يكمن في معالجة إرادية للثلاثية المكونة من "التربية والتعليم العالي والتكوين المهني"، شريطة أن تكون ذات جودة عالية، إضافة إلى بدل "الاستثمارات الضرورية والمستدامة والحكيمة في ميادين التربية والتعليم والصحة والتكوين المهني والشغل".

وأضاف العاهل المغربي "لقد أضحى الاستثمار لفائدة الشباب الذين يمثلون ثلثي سكان القارة أمرا ضروريا. وذلك بتوفير التكوين المناسب لهم ومواكبة ولوجهم لسوق العمل بطريقة متدرجة ومؤطرة وتأهيلهم لاتخاذ المبادرة حتى يتمكنوا من خلق الثروات، والكشف عن مواهبهم والمساهمة في إقلاع القارة".

وزاد ملك المغرب قائلا " إذا ترك شباب أفريقيا معطلا عن العمل فإنه سيقف حجر عثرة أمام هذا الإقلاع الذي طالما ناشدناه للقارة. وإذا لم تعالج مسألة تشغيل الشباب بطريقة مستعجلة، سينتج من ذلك شباب عاطل يكون عرضة للهشاشة ومخاطر التطرف"، مشيرا إلى أن "ما يناهز 40 بالمائة من الأشخاص غير العاملين يصبحون فريسة سهلة للحركات المتمردة وللجماعات المتطرفة والإرهابية التي تضرب القارة بقساوة".

وقال العاهل المغربي "إن أفريقيا تفقد أبناءها بسبب الهجرة الشرعية أو غير الشرعية، وهي خسارة لا مبرر لها. لهذا نتساءل: هل ستكون أعماق مياه البحر المتوسطي مصير شبابنا؟ وهل ستتحول حركيتهم إلى نزيف مستمر؟ بل يتعين علينا أن نتحكم فيها وأن نجعل منها ورقة مربحة".

وأضاف "إن الآلاف من الشبان الأفارقة يحاولون الوصول بطريقة سرية الى الضفة الشمالية للبحر المتوسط بحثا عن حياة أفضل، رغم كل المخاطر المعروفة. إننا بصدد أشخاص قيمتهم عالية، ويشكلون موارد بشرية لقارتنا. وبصفتي مسؤولا لقيادة مسألة الهجرة تم اختياره خلال الدورة 28 للقمة، فإنني أعتزم تقديم مساهمة تتمحور حول ضرورة تطوير تصور إفريقي موحد لرهانات الهجرة وتحدياتها، يكون الهدف الأول منه تغيير نظرتنا تجاه الهجرة، والتعاطي معها ليس كإكراه أو تهديد بل كمصدر قوة إيجابية".

وأضاف العاهل المغربي "إن التعامل مع التحدي الذي تشكله الهجرة يستوجب مقاربة خلاقة من شأنها تقييم أسبابها وتداعياتها وكذا التفكير في الحلول المتاحة، لاسيما عبر إقامة تناسق بين سياسات التنمية والهجرة. في هذا الصدد، يتعين علينا العمل جميعا لبلورة أجندة أفريقية حول هذا الموضوع، تتمحور حول رؤية مشتركة للسبل والوسائل الكفيلة بمعالجة مسألة الهجرة داخل قارتنا وأمام الهيئات الدولية".

وجدد العاهل المغربي التأكيد على الإلتزام المغربي بشأن المساهمة في تنمية أفريقيا وإقلاعها، مشيرا إلى "إن أفريقيا الجديدة ستستثمر أفضل ما لديها من إمكانيات لأنها تزخر بخيرات وافرة. وإن المغرب لعازم على المشاركة في إقلاع أفريقيا الجديدة. فأفريقيا مدعوة لمواجهة مستقبلها بكل حزم معتمدة بالأساس على إمكانياتها الذاتية". وأضاف قائلا "إننا مدينون بذلك لشعوبنا ولشبابنا. لقد حان الأوان لكي تتحول الوعود بغد أفضل وبمستقبل زاهر من مجرد شعارات أو متمنيات إلى واقع ملموس. إننا مطالبون بإقران القول بالفعل لما فيه مصلحة أجيالنا الصاعدة وأفريقيا الجديدة".

وقال العاهل المغربي " لقد كنا دائما واثقين بأن أفريقيا تستطيع أن تحول التحديات التي تواجهها، إلى رصيد حقيقي من التقدم والاستقرار. فالنمو الديمغرافي الذي تشهده قارتنا، ومؤسساتها، وكذا الهجرة والشباب، كلها فرص يجب علينا جميعا استغلالها. والمغرب يريد أن يساهم في إقلاع أفريقيا جديدة : أفريقيا قوية وجريئة، تدافع عن مصالحها ؛ وأفريقيا مؤثرة على الساحة الأممية".

.. ويسلم رسالة من شقيقه ملك المغرب الى رئيس الاتحاد الأفريقي ألفا كوندي 

ودعا العاهل المغربي إلى ضرورة "التحرر من كل الأوهام" من أجل "تحديد معالم أفريقيا الجديدة"، مشيرا إلى أن أفريقيا الجديدة "التي نتطلع بشغف إلى تحقيقها، لابد أن تنطلق من نظرة ملموسة وواقعية، بإمكانها أن تفرز قارة أفريقية مبادرة ومتضامنة".

ونوه العاهل المغربي بضرورة المضي في إصلاح منظمة الإتحاد الأفريقي وتعزيز التعاون الأفريقي. وقال "إن أفريقيا اليوم توجد في مفترق الطرق، ويجب علينا أن نختار أنجع السبل الكفيلة بالدفع بها إلى الأمام. ففي هذه الآونة، تتزايد الرهانات التي تواجهها قارتنا، كتعدد الفاعلين غير الحكوميين، ما يتسبب بخلق عدم وضوح الرؤية، وتهديدات الإرهاب العابر للحدود، والتطرف العنيف، إضافة إلى الآثار الناجمة عن الاحتباس الحراري. فأمام هذه التهديدات الجديدة المحدقة بقارتنا، لا بد للاتحاد الأفريقي من مباشرة تطوره، حتى يتمكن من إيجاد أجوبة مناسبة ومجدية". وأضاف قائلا "لهذه الغاية، نرى أنه من الأساسي أن تحدد الدول الأفريقية أهدافا واقعية وعملية، تقوم على الأولويات الحقيقية للقارة. فأفريقيا لم تعد في حاجة إلى الشعارات الإيديولوجية، وإنما تحتاج إلى العمل الملموس والحازم، في ميادين السلم والأمن والتنمية البشرية".