الرؤية الأميركية للعلاقة مع العراق في مرحلة ما بعد داعش غير واضحة، على الرغم من أن الكفة تميل إلى الاعتقاد أن العقل الاستثماري الذي يتمتع به دونالد ترمب ربما يُعيد مشاة البحرية الأميركية إلى بغداد.

إيلاف من واشنطن: تسعى الإدارة الأميركية إلى ترتيب أوضاع العراق في مرحلة ما بعد داعش. فالولايات المتحدة هي الراعي الحقيقي للنظام العراقي بعد إبريل 2003، ولا ترغب في فشل تجربتها العراقية، لما لهذا الفشل من انعكاسات سلبية على مصالحها في الشرق الأوسط. 

مدخل أولي

تقول ناندري ليندبرج، منسقة المعهد المستقل لبحوث السلام، لــ"إيلاف"، إن منذ ترشح دونالد ترمب للرئاسة الأميركية، تعامل مع الموقف الأميركي في العراق بمجموعة من التصريحات ربما تكون مدخلًا أوليًّا للتعرف على ما يمكن أن تنبئه سياساته حول العراق مستقبلًا. فترمب كان يرى أن غزو العراق خطأ فادح اقترفه جورج بوش، وتحمّل وزره الجمهوريون بعد ذلك، فرغب في التخلص من ذلك الإرث القبيح بإعلانه المتكرر رفضه لما حدث في العراق سابقًا. وتزامن ذلك مع توجهات إعلامية قوية كانت ترى أيضًا أن إزاحة صدّام حسين كانت بين أسباب الحالة التي وصل إليها العراق الآن. 

أكدت ليندبرج أن ترمب نفسه يدعم تلك الرؤية من خلال اقتناعه أن التعاون مع نظام سياسي قوي، حتى وإن كان استبداديًّا، أفضل من استبداله كما كانت تفعل أميركا وفق سياساتها في تغيير النظم السياسية، في الشرق الأوسط وأفريقيا، بما يدعم مصالحها، "وربما يفسر ذلك موقف ترمب من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي باعتباره رجل مصر القوي، ويفضل ترمب التعامل مع الإدارات القوية وفقًا لقناعاته، لأن بقاءها يعني استمرار بلادها قوية، وإنقاذها من التفكك والانقسامات الطائفية والمذهبية كما حدث في العراق". 

الرؤية الجديدة

تضيف ليندبرج: "يوجد اتجاه آخر يرتبط بعقلية ترمب الاستثمارية في إدارة ملفات السياسة الخارجية، حيث أعلن أكثر من مرة أن أميركا يجب أن تتقاضى ثمن دفاعها عن حقوق الشعوب الأخرى، وأن النفط العراقي من حق أميركا التي قدمت الكثير من الأرواح والمليارات في حربها مع العراق". 

يقول مارك كينتنير، العضو السابق بمجلس العلاقات الخارجية بواشنطن، لـ "إيلاف": "هناك جانب آخر يرتبط بموقف جيم ماتيس، وزير الدفاع الأميركي، من خلال توجهاته للتوسعات العسكرية الأميركية خارجيًّا، يرتبط ذلك بموقفه من أفغانستان التي يرغب في إعادة القوات الأميركية إليها، معتبرًا أن القرارات السابقة بعدم إرسال جنود جدد لأفغانستان ومحاولة تحجيم التواجد الأميركي هناك كانت غير سليمة، في وقت ترتفع فيه أصوات من داخل الكونغرس الأميركي مطالبة بإرسال قوات جديدة إلى العراق، ما يعد تراجعًا أيضًا عن قرار أوباما سحب القوات الأميركية من العراق في السابق". 

لغز داعش

يؤكد كينتنير أن لا شك في أن مصالح أميركا كثيرة في العراق، تضاف إلى رغبتها باستمرار تواجدها العسكري هناك. تجلى ذلك في الاتفاقية التي عقدتها مع إقليم كردستان، ومن شأنها إقامة خمس قواعد عسكرية في أربيل والحرير وأتروش وسنجار، بالتزامن مع دعمها العسكري القوي لقوات البيشمركة التي برغم جهودها الكبيرة رفقة التحالف لم تنجح حتى الآن في القضاء نهائيًّا على أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) البالغ عددهم، وفقًا للتحالف الدولي نفسه، 250 فردًا. ومن المثير للتساؤل أيضًا أن يتطلب القضاء على داعش كل ذلك الوقت أمام تراجع إمكانات التنظيم التسليحية والعددية، ولا سيما بعد الهزائم المتكررة التي مني بها.

تقول ريبيكا فوربس، الكاتبة بمجلة فورين بوليسي، لـ"إيلاف"، إن من الأسباب القوية للوجود الأميركي في العراق عدم إفساح المجال للتواجد الإيراني هناك، في ظل وجود من يمثلها ويأتمر بأمرها كقوات الحشد الشعبي، بالتزامن مع صعود تيار مقتدى الصدر الشيعي داخل المشهد السياسي العراقي.

في حال تخلص العراق نهائيًا من داعش، سيكون على أميركا أن تخطو الخطوة الأخيرة: إعادة إعمار المدن التي دمرتها الحرب مع التنظيم، خصوصًا الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية، لتكون بداية انطلاق عمليات إعادة البناء.

صندوق النقد الدولي

تضيف فوربس: "تقدر تكلفة عمليات إعادة بناء البنية التحتية بالعراق، حسب ما أعلنه ريكس تيلرسون وزير الخارجية الأميركي، زهاء 10 مليارات دولار، تم الحصول على مليارين منها فقط حتى الآن، الأمر الذي سيجعل العراق عرضة لأن يقترض من صندوق النقد الدولي، وهذا يصب في صالح أميركا، التي ستكون الضامن الأول للعراق لدى الصندوق في حال الاقتراض، ولا سيما في ظل حالة عدم الاستقرار السياسي والعسكري التي يشهدها العراق في الوقت الراهن. 

إذا حدث ذلك، تعزز أميركا من فرصها في الاستمرار بالعراق فترة أطول، خصوصًا في ظل تدهور الأحوال الاقتصادية وتفشي ظاهرة الفساد الإداري والسياسي هناك، الأمر الذي سيجعلها غير قادرة على سداد قيمة القرض في موعده الذي سيتم تحديده.