الرباط: لا يكف ابراهيم الحيسن، الذي يجمع بين النقد والإبداع، عن التجريب، متنقلا من مرحلة إلى أخرى في مساره الفني، وهو القادم من عمق الصحراء المغربية، محملا بتراث ثقافي وفني مشبع بعبق الأرض وأصالة التاريخ.

وسيرا على هذا المنوال، يخوض الحيسن تجربة صباغية جديدة، سوف يعرض حصيلتها الفنية الجديدة في المتحف البلدي للتراث الأمازيغي في مدينة أغادير، جنوب المملكة، خلال الفترة الممتدة ما بين 07 و28 يوليو المقبل، وذلك بتنظيم من جمعية أصدقاء متحف طنطان.

ويقول بيان صحافي تلقت "إيلاف المغرب" نسخة منه، إن اللوحات المقترحة لهذا المعرض تستمد ميسمها الإبداعي من التراث الثقافي والجمالي في الصحراء من خلال إيقاع خطوات الإبل، ودقات أوتاد الخيمة، وحركات الكثبان الرملية، وأصوات الرِّياح، وكذا الصبغات البادية في الرداء واللباس التقليدي، لاسيما ملاحف النساء الصحراويات بألوانها البهية والمعبِّرة، فضلاً عن الرموز والعلامات المختزلة والأشكال التجريدية المعتمدة في تنميق المشغولات اليدوية المحلية.

 الفنان المغربي ابراهيم الحيسن يضع اللمسات الأخيرة لمعرضه الجديد في مدينة أغادير

وافاد المصدر نفسه أنه بالتزامن مع المعرض، سيصدر "كاتالوغ" أو دليل فني في شكل كتاب من النوع الرفيع، من تصميم الفنان التشكيلي فيصل احميشان، يتضمن صور الأعمال الفنية، وكذا عدَّة نصوص ومقاربات باللغتين العربية والفرنسية لنخبة من أشهر النقاد من المغرب وفرنسا ومن أقطار عربية شقيقة، وهم: طلال معلا من سوريا، أمل نصر ومصطفى عيسى من مصر، فاتح بن عامر وسامي بن عامر من تونس، دانييل كوتورييه من فرنسا، ومن المغرب كل من محمد الشيكَر، شفيق الزكَاري، بنيونس عميروش، حسن المقداد، وسعيد كرماس.

فرادة التجربة

أجمعت شهادات هؤلاء النقاد على فرادة تجربة الحيسن وخصوصيتها، وضمنهم طلال معلا، الفنان السوري والباحث في الجماليات المعاصرة الذي أكد أن كل عمل من هذه الأعمال يحمل في طيَّاته حكايته التي يجري من خلالها التركيز على بؤرة العمل الذي تنتفي فيه الأحداث، ويظهر بجلاء زمن السرد البصري الذي عَبَرَ من خلاله الفنان إلى تمام الموقف (المشهد) حيث يسجِّل الفنان ملاحظاته على العصر بطريقة استباقية تتقدَّم فيها اللوحة التي تقفز من ماضيها إلى استحواذ ملكات المتلقي في لحظة رؤيتها.

ملصق معرض "لآثار مترحلة" للفنان ابراهيم الحيسن.

واعتبرت أمل نصر وهي فنانة وناقدة تشكيلية، أن أعمال الحَيْسن تسعى إلى اكتشاف الشكل من خلال اللون بواسطة طرح مساحات اللون بلمسات عريضة حرَّة وطبقات شفافة متراكبة.

مترحل بامتياز

 ويرى الفنان والناقد التشكيلي التونسي فاتح بن عامر، أن الفنان الحَيْسن رحّالة وعنوان التّرحال، بل هو التّرحّل نفسه بين الكثبان قبل الشّواطئ والمدن. وهو كذلك الجامع المانع، يضيف ولا ينتقص أو يحذف، يؤسِّس ولا يطلب شيئاً، له من البهاء ما يكفي كي يكون الصّدق علامة من علامات التّعاطي مع الخامات والمواد ومع الإضاءات والألوان.

أما محمد الشيكَر، الباحث في الفلسفة والجماليات، في جامعة محمد الخامس في الرباط فقد أوضح في كلمته بأن الحَيْسن، في حياته وفي سائر كتاباته وإبداعاته، هو مترحل بامتياز خبر كفنان وككاتب مترحل هذا البحث الإستتيقي والإبستمولوجي عن الآثار الهاربة في الطقوس والممارسات والألوان والأشكال والألبسة والأزمنة والأمكنة والخرائط والعلامات والأيقونات.

مناخات وتضاريس 

وبدوره، يسجل الفنان والناقد التشكيلي المصري مصطفى عيسى، أن ثمَّة متواليات يدرجها الحَيْسن في منظومة تجربته الراهنة، فهو يستدرج أبجدية شفاهية تتلوَّن بتاريخ العابرين والمرتحلين، بعد أن سكنت مفازات صحراوية تتمدَّد جغرافيتها وزمنها.

ومن تونس، يُبرز الفنان والناقد التونسي سامي بن عامر بأننا في تمعُّننا لأعمال الفنان ابراهيم الحَيْسن الأخيرة، نتبيَّن فعلاً ذلك التفاعل الذي يتولَّد عن التقاء الحبر الذي تمرِّره يَدُ الفنان على سطح ورق الكرافت Kraft، أو على سطح القماشة (الملحفة)، ليحملنا بعيداً داخل ثنايا طيَّات هذه الحوامل، فاتحاً باب الممكن، لاستقراء عوالم ومناخات ونسيج وتضاريس وتأثيرات تصويرية تصنع العمل الفني وتؤسِّس لاستقلاليته.

أشكال إنسيابية

وفي قراءاته للمعرض، يربط الفنان والناقد التشكيلي المغربي شفيق الزكَاري اختيار الأشكال والتكوينات في تجربة الفنان الحَيْسن، باختيار مَلْوَنَتِه Palette، فهي أشكال انسيابية بانسياب أحبار أصبحت تُمارس سُلطتها على الأسندة من ورق وقماش..كعامل من عوامل التعرية، في انتظار ما هو فجائي، لكن برقابة حصيفة يتحكم الفنان في دواليبها، ليجعل من العناصر المكوِّنة للتحفة الفنية ذريعة Prétexte لطرح سؤال غيبي عميق، حول المسيَّر والمخيَّر، كقضية لا تنحصر عند الشأن الديني في ما يتعلق بالقدر والإرادة، بل يخص كذلك جانباً يتحكم في ملكة الإبداع والمبدع بقدرة الخالق.

المشترك الجمالي

ويختم هذه الشهادات النقدية الفنان والناقد التشكيلي بنيونس عميروش الذي خلص إلى أن الفنان والناقد الحَيْسن لا يكتفي بالممارسة التشكيلية والبحث عن الأسناد والمواد والتصوُّرات التي يمكن أن تمدَّه بنبرته التصويرية الشخصية، بل يعمل، بشكل مستديم، عن تطوير الكتابة المتعلقة بالنقد الفني، فضلاً عن اهتمامه بالبحث في التراث الأدبي والجمالي الصحراوي. وعليه، يظل من الأقلام التي تكرِّس أفعال البحث والتنقيب والمتابعة، بحضوره في مجال الكتابة والنشر بمختلف المنابر الوطنية والدوريات العربية المتخصصة، وكذا حضوره في العديد من المنتديات والملتقيات الفنية والثقافية بشكل فاعل يؤكد نزوعه النضالي الذي يحرِّكه همٌّ ثقافي لا يُقاوَم..

يشار إلى أنه بمناسبة إقامة هذا المعرض وبتنسيق مع اتحاد كتاب المغرب، ستنظم ندوة تداولية حول موضوع "المشترك الجمالي بين الفن والأدب"، يسيرها الناقد ورئيس اتحاد كتاب المغرب عبد الرحيم العلام، ويشارك فيها نقاد وكتاب وفنانون مرموقون، هم: رشيد يحياوي، لطيفة باقا، عبد القادر عبابو ورشيد الحاحي.

من الأعمال الفنية التي ستعرض في مدينة أكادير تحت عنوان"آثار مترحلة"