حذر مفوّض الأمم المتّحدة السامي لحقوق الإنسان من أنّ العراق لا يزال يواجه العديد من التحديات بخصوص ملف حقوق الإنسان وفي حال لم تُعالج فإنه سيشهد المزيد من العنف والمعاناة ورَفَضَ التهديدات بعقوبات جماعيّة لعائلات يُشتَبَه بانتماء أفراد منها لتنظيم داعش منوها بأن ذلك سيقوّض تحقيق المصالحة الوطنيّة مشددا على ضرورة بذل المزيد من الجهود لبناء عراق متجذّر في المساواة وسيادة القانون.

وأشار مفوّض الأمم المتّحدة السامي لحقوق الإنسان، زيد بن رعد الحسين، في تصريحات الثلاثاء تسلمت نصها "إيلاف"إلى أنّ استرداد القوات الحكوميّة العراقية للموصل من قبضة تنظيم داعش وبدعم من التحالف الدوليّ، شكّل نقطة تحوّل بارزة في النزاع، ولكنّه حذّر من أنّ العراق لا يزال يواجه العديد من التحديات بخصوص ملف حقوق الإنسان وفي حال لم تُعالج سوف تبث المزيد من العنف والمعاناة في صفوف المدنيّين.

واضاف قائلا "لقد عاشت النساء والأطفال والرجال في الموصل ما يشبه الجحيم على الأرض وتحملوا ما لا يمكن وصفه حيث أجبر تنظيم داعش عشرات الآلاف من السكان على مغادرة منازلهم في الموصل وضواحيها واستخدمهم دروعًا بشريّة بانتهاك صارخ لأبسط معايير الكرامة والأخلاق الإنسانيّة ما يرقى إلى مصاف جرائم الحرب وفقًا للقانون الإنسانيّ الدوليّ".

.. وزال ظلام داعش

وقال "اليوم زال ظلام داعش عن سماء الموصل، ولهذه المناسبة لا يسعنا إلاّ أن نحيي تفاني قوّات الأمن العراقيّة وتضحياتها في معركتها لتحرير المدينة وضواحيها، خصوصاً انها قدّمت في سبيل ذلك الكثير من الأرواح في صفوف العسكريّين الحاليّين والسابقين". وأضاف:"إن تنظيم داعش لا يزال يزرع الرعب والقتل والمعاناة من خلال القصف واختطاف المدنيين في المناطق التي لا تزال تحت سيطرة التنظيم كمدينتَيْ تلعفر والحويجة." 

واوضح انه مع استعادة الموصل، ظهرت بشكل جليّ الانتهاكات والإساءات التي ارتكبها داعش، حيث تشير المعلومات التي جمعها مكتب الأمم المتّحدة لحقوق الإنسان إلى ارتكاب داعش جرائم ترقى إلى مصاف الجرائم الدوليّة خلال السنوات الثلاث من احتلاله الموصل وغيرها من المناطق العراقيّة.

وبين ان انتهاكات تنظيم داعش الخطيرة والممنهجة للقانون الإنسانيّ الدوليّ ولحقوق الإنسان، بما في ذلك الاسترقاق الجنسيّ، تركت جراحًا عميقة في المجتمع العراقيّ خلال السنوات الثلاث الأخيرة"، بما يتضمّن اختطاف 1,636 امرأة وفتاة، و1,733 رجلًا وفتى من المجتمع اليزيديّ لا يزالون حتّى اليوم في عداد المفقودين. 

داعش والقوات العراقية والاخرى الداعمة لها ارتكبوا انتهاكات

ومن جهة أخرى، أشار المفوض السامي إلى وجود ادّعاءات لإساءات وانتهاك حقوق الإنسان ارتكبتها قوّات الأمن العراقيّة والقوى الداعمة لها و ادّعاءات لانتهاكات أخرى قام بها بعض الأفراد الذين انتقموا من مقاتلي التنظيم أو مِن الأشخاص الذين اتهموا بموالاتهم للتنظيم. وقال "مهما بلغت فظاعة الجرائم التي ارتكبها داعش، لا مكان للانتقام لذا فإنّه من المقلق سماع تقارير حول تهديدات بالعقوبة الجماعيّة، بما في ذلك إخلاء المساكن قسرًا لعائلات يُشتَبَه بانتماء أفراد منها إلى التنظيم فهذه العقوبات الانتقاميّة ستقوّض تحقيق المصالحة الوطنيّة والاجتماعيّة."

وشدد على الحكومة العراقيّة بضرورة اعادة فرض النظام والقانون واحترام حقوق الإنسان وأن تقوم بإعادة الخدمات الأساسيّة للمدنيّين في المناطق التي تمّت استعادتها، حال سماح الوضع بذلك. وقال: "يبقى الردّ الأنسب على الفظائع التي ارتكبها داعش بحق أعداد لا تُحصى من الأفراد والمجتمعات في شمال العراق، وعلى خسارة الكثير من أرواح المدنيّين، وتدمير مصادر العيش والسكن والبنى التحتيّة – بالإضافة إلى الإرث الحضاري من آثار ثقافيّة ودينيّة وأماكن تحمل قيمة ثقافيّة، التي لا يمكن بأي حال من الأحوال استعادتها– هو من خلال بذل المزيد من الجهود من أجل بناء عراق متجذّر في المساواة وسيادة القانون." 

التحقيق في الانتهاكات

ورحّب المفوّض الساميّ بمباشرة السلطات القضائيّة العراقية التحقيق حول ادّعاءات لانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها القوّات الموالية للحكومة التي دعاها إلى نشر نتائج التحقيقات على الرأي العام ومحاكمة المسؤولين عنها.

وقال انه نظرًا إلى طبيعة الجرائم الخطيرة الواسعة النطاق، على العراق أن يسعى إلى تحقيق إصلاحات قانونيّة فيسمح للمحاكم المحليّة بأن تنظر في الجرائم الدوليّة.. موضحا انه من أجل تحقيق هذه الغاية، يدعم مكتب الأمم المتّحدة لحقوق الإنسان وبعثة الأمم المتّحدة لتقديم المساعدة إلى العراق، الجهود المبذولة لإعداد إطار عمل قانونيّ يُنشئ محكمة متخصّصة قادرة على محاكمة المتّهمين بارتكاب جرائم دوليّة. 

دعوة لانضمام العراق للمحكمة الجنائية الدولية

وشدّد المفوض السامي قائلاً "أحثّ الحكومة العراقيّة على وضع المساءلة ضمن أولويّاتها، وأكرّر دعوتي لها بالانضمام إلى النظام الأساسيّ للمحكمة الجنائيّة الدوليّة." وأضاف "بعد انطلاق العمليات لاستعادة الموصل من تنظيم داعش في أكتوبر 2016، دعوتُ مرارًا وتكرارًا قوّات الأمن العراقيّة والتحالف كي يضمنوا احترام القانون الإنسانيّ الدوليّ خلال العمليّات العسكريّة، لا سيّما مبادئ التمييز والتناسب والحيطة، بهدف تفادي وقوع ضحايا من المدنيّين أو الحدّ من وقوعها إلى أقصى حد ممكن." 

واشار الى أنّ القصف الجويّ شكّل عاملاً أساسيًّا في وقوع الخسائر بين صفوف المدنيّين، وخلال الأسابيع الأخيرة من حملة تحرير الموصل، أشارت التقارير إلى ارتفاع عدد الضحايا المدنيّين ومن بينهم 84 قتلوا خلال الغارة الجويّة التي ضربت، في 31 مايو، العديد من المنازل في حيّ الزنجيلي في الساحل الأيمن للموصل عندما كان لا يزال داعش متحصّنًا فيه. 

معالجة جذور العنف والصراع في العراق

وبين انه من أجل كسر دوّامة العنف، على الجهود المبذولة لإعادة بناء المجتمع أن تمكّن النازحين داخليًّا من العودة إلى ديارهم بكرامة وأمن، وبما يتناسب والمبادئ الإنسانيّة. وشدّد المفوّض الساميّ على أنّه لا بدّ من تنفيذ برامج تدعم الضحايا والناجين من الجرائم وتساعدهم على إعادة إدماجهم في أسرهم ومجتمعاتهم. 

واكد قائلا "لا بدّ من معالجة جذور العنف والصراع في العراق انطلاقًا من انتهاكات حقوق الإنسان التي عاناها المجتمع العراقيّ بكلّ أطيافه ولعقود طويلة وحال معالجتها يمكن احلال السلام المستدام الذي يستحقّه شعب العراق."

وشدّد مفوّض الأمم المتّحدة السامي لحقوق الإنسان، زيد بن رعد الحسين في الختام على انه "لا بدّ من إطلاق حوار عاجل بين مكونات المجتمع من أجل كسر دائرة العنف وتعزيز المساءلة في الجرائم التي ارتُكِبَت ضدّ العراقيّين كما انه لا بدّ من توثيق الانتهاكات بالكامل، والحفاظ على الأدلة والبراهين ومنها 70 مقبرة جماعيّة تمّ اكتشافها حتّى اليوم، بالإضافة إلى اعتماد إصلاحات تشريعيّة لكي يُحاكَم المتّهمون في محاكم تحترم المعايير الدوليّة ويتحمّلوا مسؤوليّة أعمالهم ويجب أن يسود الحقّ في معرفة الحقيقة كي نضمن ألاّ تسمّم جرائم تنظيم داعش المجتمع العراقي لأجيال مقبلة".

وكان القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي اعلن امس رسميا عن تحرير مدينة الموصل بالكامل وقرر تعطيل الدوام الرسمي اليوم الثلاثاء بمناسبة الانتصار .

والموصل هي ثاني أكبر مدن العراق وقد سيطر عليها داعش في العاشر من يونيو عام 2014 لكن القوات العراقية تمكنت خلال حملة عسكرية بدأت في 17 أكتوبر الماضي من استعادة النصف الشرقي الايسر للمدينة في 24 يناير الماضي ثم بدأت في 19 فبراير الماضي عملية عسكرية لاستعادة السيطرة على القسم الغربي الايمن من المدينة حيث استكملت مهمتها التاريخية امس الاثنين باستعادة المدينة بالكامل.