"أين هي المياه التي يرفعون أسعارها؟" بهذه الكلمات بدأ محمود يوسف الحديث عن مشكلة انقطاع المياه وتدني جودتها، بالرغم من الزيادات المتتالية في أسعارها خلال السنوات الأخيرة في مصر.

وأضاف يوسف، الذي يسكن بمنزل متواضع بإحدى قرى محافظة الجيزة: "المياه لا تأتي إلا في الساعات المتأخرة من الليل والصباح الباكر فقط، ثم تنقطع خلال فترات النهار. وحتى عندما تأتي تكون سيئة للغاية، ولونها أصفر وغير صالحة للشرب".

واعترف ممدوح رسلان، رئيس الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي، بنقص المياه، ما يجبر الشركة على توصيل المياه لبعض المناطق لعدد من الساعات ثم قطعها عن تلك المناطق وتوجييها إلى مناطق أخرى.

لكن فيما يتعلق بجودة المياه، قال رسلان لـ بي بي سي: "تتأكد الشركة تماما من أن المياه صالحة للشرب ومطابقة لمواصفات منظمة الصحة العالمية. وهناك مراقبة مستمرة من وزارة الصحة ومن معامل تابعة للشركة على مستوى الجمهورية للتأكد من جودة المياه، لكن هناك بعض الشبكات القديمة التي تحتاج إلى تغيير، والشركة لديها خطة متكاملة لتغييرها."

وقلصت مصر الدعم المادي المخصص للمياه بنحو 40 في المئة خلال العامين الماضيين، ومن المتوقع أن ترتفع أسعار المياه بنسبة تصل لنحو 30 في المئة خلال العام الجاري.

نهر النيل
Getty Images
يشكو كثيرون من تدني جودة المياه وتلوثها نتيجة تلوث نهر النيل الذي يعد المصدر الرئيسي للمياه في مصر

وقال رسلان: "هناك خطة لتحريك أسعار المياه على مدى خمس سنوات، لكن الدعم سيستمر لبعض الشرائح الصغيرة التي تستهلك أقل من 30 متر مكعب شهريا."

وأضاف: "من المتوقع أن ترتفع أسعار استهلاك المياه خلال العام الحالي من 155 قرش إلى 200 قرش لكل متر مكعب، أي بنسبة تصل لنحو 30 في المئة، لكن الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي لم تتلق أي تعليمات من مجلس الوزراء بهذا الشأن حتى الآن."

البدائل

يستهلك المصريون تسعة مليارات متر مكعب من المياه المعدة للشرب سنويا، وتستطيع شريحة صغيرة منهم شراء المياه المعبأه، في حين يلجأ آخرون إلى شراء أجهزة تنقية المياه (فلاتر).

لكن محمد أحمد، من مركز إمبابة بمحافظة الجيزة، قال إنه لا يستطيع شراء فلتر، وعبر عن سخطه من ارتفاع الأسعار، قائلا: "ارتفعت أسعار كل شيء في الآونة الأخيرة بصورة جنونية. لدى خمسة أبناء، ونفقات المعيشة أصبحت مرتفعة للغاية، والراتب لا يكفي المتطلبات الضرورية من ملبس ومأكل. رغم أني أعلم أن المياه غير نظيفة، أشرب أنا وأبنائي من الصنبور، لأنه لا يمكنني شراء فلتر، ولو حتى بالتقسيط".

مصريون يشكون من نقص المياه وتدني جودتها رغم رفع أسعارها
BBC
يلجأ البعض إلى المساجد التي بها محطات لتنقية المياه للحصول على مياه الشرب

أما حسن شحات، ففضل الاستغناء عن خط المياه الذي تقدمه الحكومة ودق ماسورة مياه في الأرض أمام منزله من أجل الحصول على المياه الجوفية. وقال: "مياه الشرب أصبحت سيئة للغاية رغم ارتفاع أسعارها، وكنت استخدمها فقط في الاستحمام والغسيل، ثم أشتري مياه للشرب والطهي. لذا، قررت مد أنبوب مياه في الأرض للحصول على المياه الجوفية لاستخدامها في الاستحمام والغسيل."

ويضيف: "لكن المشكلة أن المياه الجوفية كانت أسوأ بكثير، نظرا لاختلاطها بمياه الصرف الصحي. لذا، عدت مرة أخرى إلى مياه الشرب التي تقدمها الحكومة."

ويؤكد رسلان على أن هناك شبكات عشوائية ليس للشركة القابضة لمياه الري سيطرة عليها، علاوة على أن بعض المواطنين يلجؤون إلى مياه الآبار على أعماق صغيرة والتي تحتوي على نسبة عالية من الحديد والمنجنيز بشكل مضر للصحة.

وثمة مخاوف من أن يؤثر سد النهضة الذي تبنيه أثيوبيا على حصة القاهرة من مياه النيل، مما حدا بالسودان وإثيوبيا ومصر الدخول في مفاوضات شاقة ومعقدة حول السد والاثار البيئية المُحتملة من بناءه.

وتعاني مصر من عجز مائي يبلغ نحو 21.5 مليار متر مكعب سنويا، تقوم بسده من خلال إعادة استخدام المياه بكفاءة تصل إلى 80 في المئة. وتعتمد مصر بشكل أساسي على مياه النيل، الذي يمثل 97 في المئة من موارد المياه في البلاد.

ويعترف رسلان بأن هناك نقص في كمية المياه المطلوبة وعدد المحطات، مشيرا إلى أن الشركة القابضة لديها خطة لزيادة عددها وتغيير الشبكات غير الجيدة.

وتقول هدى جمال، ربة منزل من مدينة أوسيم التابعة لمحافظة الجيزة: "تبرع رجل أعمال خليجي لبناء محطة تحلية صغيرة في أحد المساجد القريبة من المنزل. أذهب كل يوم إلى المسجد في الصباح لأملأ وعاء بلاستيكيا أشرب منه أنا وأولادي طوال اليوم. يحصل القائمون على المسجد على جنيه واحد من كل من يملأ قارورة، ويستخدمون هذه الأموال في صيانة المحطة."

أما مصطفى محمد فيقول: "اشتريت فلتر بالتقسيط لتنقية المياه. دفعت مقدمة 500 جنيه، وأدفع الباقي على أقساط قيمة كل منها 200 جنيه لمدة عشرة أشهر. لكن المشكلة تكمن في أن المياه لا تأتي إلا في المساء والصباح الباكر فقط. لذا أحتاج إلى شراء موتور لرفع المياه، لكني لا أستطيع. وبدلا من ذلك، أخزن المياه في المساء في جراكن حتى أستخدمها خلال الصباح."

مصريون يشكون من نقص المياه وتدني جودتها رغم رفع أسعارها
BBC
يحصل القائمون على المسجد على جنيه واحد من كل من يملأ قارورة، ويستخدمون هذه الأموال في صيانة المحطة

وكانت الحكومة المصرية قد قررت بداية الشهر الجاري رفع أسعار الوقود بنسبه تراوحت بين 42 و55 في المئة. كما رفعت أسعار اسطوانات غاز الطهي المستخدم في المنازل بنسبة مئة في المئة، كجزء من شروط صندوق النقد الدولي لإقراض مصر نحو 12 مليار دولار لدعم عجز الموازنة.

وتعمل الحكومة المصرية على إنهاء دعم المياه بشكل كامل في موازنة عام 2019/2020.

وتقول الحكومة المصرية إن الزيادات الأخيرة في أسعار الوقود والكهرباء والمياه تستهدف خفض عجز الموازنة، وإعادة توجيه الدعم إلى مستحقيه، من خلال التوسع في شبكة الحماية الاجتماعية، مثل برنامج تكافل وكرامة للأسرة الفقيرة، وبطاقات التموين التي توفر السلع المدعومة.

وتنفذ الحكومة المصرية برنامج إصلاح اقتصادي منذ العام الماضي، شمل فرض ضريبة القيمة المضافة وتحرير سعر الصرف وخفض الدعم الموجه للطاقة.