وحّدت جمعيات وأحزاب ومنظمات تونسية ودولية موقفها الرافض من مشروع قانون جدلي، يجرّم الاعتداء على أعوان الشرطة، ويفرض عقوبات قاسية ويضيّق على الصحافيين ويمنع التظاهر.


مجدي الورفلي من تونس: أطلق طيف واسع من المنظمات الحقوقية والأحزاب السياسة في تونس صيحة فزع بعد قرار البرلمان النظر في مشروع قانون يُجرّم الإعتداء على الشرطة تقدمت به الحكومة منذ سنة 2015، حيث يعتبر الرافضون أن مشروع القانون يتضمن أحكاما مشددة لا تصبّ سوى في اتجاه منح سلطة مطلقة لأعوان الشرطة تحول البلد الذي لا يزال يتحسس طريقه نحو الديمقراطية الى "دولة بوليسية" في حين تتشبّث وزارة الداخلية والنقابات الأمنية بالقانون، ورأته ضروريا لحماية رجال الشرطة من الإعتداءات أثناء أداء عملهم.

ومنذ انطلاق البرلمان التونسي فعليا في مناقشة مشروع القانون تجريم الإعتداء على رجال الشرطة الأسبوع الماضي، استنفرت منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية لمجابهته والضغط لسحبه، حيث رأت 12 منظمة صحافية وحقوقية، من بينها نقابة الصحافيين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، في بيان إطلعت عليه "إيلاف" انه يتضمن انتهاكات تطال حرية التعبير وحرية الصحافة عبر العودة لاعتماد العقوبات السالبة للحرية (السجن) في مجال الصحافة والتي تصل الى عشر سنوات سجنا بتهم فضفاضة مثل "كشف أسرار"، كما ان مشروع القانون يمسّ من حرية التظاهر.

إعتبر نقيب الصحافيين التونسيين ناجي البغوري في تصريح لـ"إيلاف" ان مشروع قانون زجر الاعتداء على رجال الشرطة يؤسس لدولة بوليسية، إذ يمنح صلاحيات واسعة ومطلقة للأجهزة الأمنية، ويمكن ان يطيح في حال وقع تبني المشروع من طرف البرلمان بما وقع اكتسابه بعد الثورة في مجال الحريات، من حرية الصحافة وحق التظاهر وحرية التعبير ويمثل خطرا على مسار الانتقال الديمقراطي الذي لا تزال البلاد تتحسسّ طريقها اليه.

الفصلان الخامس والسادس من مشروع القانون يفرضان أحكامًا بالسجن لمدة تصل إلى عشر سنوات، وغرامة بـ 50 ألف دينار (حوالى 21 ألف دولار)، على من يفشي أو ينشر أسرار الأمن الوطني والتي يعرّفها الفصل الرابع من المشروع بـ"جميع المعلومات والمعطيات والوثائق المتعلقة بالأمن الوطني، والتي يجب ألا تكون معلومة إلا ممن له الصفة في استعمالها أو امتلاكها أو تداولها أو حفظها".

فيما ينص الفصل 12 على عقوبة السجن لمدة عامين كاملين، وغرامة تصل إلى 10 آلاف دينار (حوالى 4000 دولار) لمن يثبت عليه "تعمّد تحقير القوات المسلحة بقصد الإضرار بالأمن العام".

لا فائدة من القانون

النائب عن حزب التيار الديمقراطي المعارض غازي الشواشي أحد الرافضين لمشروع القانون بشدّة، أكد في تصريح لـ"إيلاف" ان القانون الجزائي في تونس يتضمن فصولا تجرم الإعتداء على الموظفين العموميين والأسلاك الامنية والعسكريين، وبعض الفصول تتضمن عقوبات شديدة في حالة الإعتداء عليهم بالإشارة او بالعنف الخفيف وهو ما يجعل سنّ قانون خاص برجال الشرطة والقوات الحاملة للسلاح مرفوضا بل من الممكن فقط تعديل المجلة (القانون) الجزائية لحماية عائلات رجال الشرطة.

وأضاف النائب المعارض "لكن حين يصبح الامر متعلقا بقانون خاص يتضمن تشديدا في العقوبات الى درجة مبالغ فيها لا يمكن إلا رفضه والتخوّف على كل الحريات التي وفي حال سُنّ القانون ستصبح مهددة، كحرية الصحافة وحرية التظاهر".

واعتبر ان مشروع القانون وفي حال قام نائب بالبرلمان بتوثيق إعتداء رجل شرطة على مواطن ونشره فإنه سيكون عرضة لعقوبة سجنية تصل الى 5 سنوات.

ويتحدّث الشواشي تحديدا عن الفصل السابع الذي ينصّ على انه يخضع لترخيص مسبق من السلطة المختصّة كل نشر أو إحالة أفلام أو صور أو التسجيلات المصوّرة التي تتم داخل المنشآت الأمنية...وفي حالة المخالفة والنشر دون ترخيص فإن الفصل الثامن ينصّ على ان العقوبة تكون سنتين سجنا.

رجل الشرطة ذو طبيعة خاصة

في المقابل، تتشبّث النقابات الأمنية ووزارة الداخلية في تونس بتمرير القانون.

ويرى الناطق الرسمي باسم نقابة موظفي الإدارة العامة لوحدات التدخل مهدي بالشاوش في تصريح لـ"إيلاف" انه من الضروري توفير الحماية لرجل الشرطة سواء من خلال تكفل الدولة بتعويض الضرر المادي الذي يحصل له خلال عمله أو عبر تشديد العقوبات على الإعتداءات التي تطاله، إذ اعتبر ان القوانين التي تحمي الموظفين العموميين ومن بينهم الشرطي غير كافية لانّ رجل الشرطة ذو طبيعة خاصّة باعتباره حاملا للسلاح.

كما طالب النقابي الأمني بعدم تحميل رجال الشرطة للمسؤولية الجزائية أثناء أداء واجبهم أو أثناء دفاعهم عن أنفسهم من اعتداء يطالهم أو يطال عائلاتهم وحتى ان ادى الدفاع الى القتل، وهو فعلا ما ينصّ عليه الفصل 18 من مشروع القانون والذي يؤكد انه "لا تترتب أية مسؤولية جزائية على عون القوات المسلحة الذي تسبب، عند دفعه أحد الاعتداءات... في إصابة المعتدي أو في موته، إذا كان هذا الفعل ضروريا لبلوغ الهدف المشروع المطلوب تحقيقه حماية للأرواح أو الممتلكات، وكانت الوسائل المستخدمة هي الوحيدة الكفيلة برد الاعتداء وكان الرد متناسبا مع خطورته".&

اما وزير الداخلية التونسي الهادي مجدوب وزير الداخلية فقد أكد، خلال جلسة استماع بخصوص مشروع القانون عقدتها اللجنة المختصة بالبرلمان، ان تواتر الاعتداءات على رجال الشرطة فرضت استعجال النظر في مشروع القانون المتعلق بتجريم الإعتداء عليهم، مستندا على أرقام كشفها يومها وتفيد بأنه منذ سنة 2011 تعرّض 60 شرطيا للقتل فيما جُرح ألفان اخرون خلال أدائهم مهامهم.

رجال الشرطة يتظاهرون

في الحقيقة، أُحيل مشروع القانون على البرلمان منذ سنة 2015 فحينها كانت البلاد تحت تهديد العمليات الإرهابية، ولكنه جوبه آنذاك بموجة غير مسبوقة من الانتقادات سواء من الأحزاب السياسية أو من المنظمات الدولية والمحلية وحتى من وسائل الإعلام، للمخاوف ذاتها المتمثّلة في تأسيسه لـ"دولة ديكتاتورية بوليسية ومسّه من حرية الصحافة والتعبير أحد اهم المكاسب التي وقع تحقيقها بعد هروب بن علي من البلاد في 14 يناير 2011"، بحسب الرافضين.

لكن بعد أحداث عنف نشبت في 22 يونيو الماضي، في إحدى مدن محافظة سيدي بوزيد، تم حرق سيارة شرطة ما ادى الى وفاة ملازم كان على متنها، وبعدها تظاهر المئات من أفراد الشرطة التونسية أمام مقر البرلمان في بداية الشهر الجاري للمطالبة بالمصادقة على قانون يجرّم الاعتداء عليهم أثناء قيامهم بمهامهم.

وهنا أكد النائب عن حزب حركة نداء تونس (حزب الرئيس الباجي قائد السبسي) والمكلف بالإعلام في مكتب البرلمان منجي الحرباوي في تصريح لـ"إيلاف" ان البرلمان وعد الامنيين بتبني قانون يحميهم في أقرب وقت ،وقد انطلقت لجنة التشريع العام في مناقشته وفي حال انهت تلك النقاشات بخصوصه الأسبوع المقبل فستقع إحالة مشروع قانون تجريم الإعتداء على رجال الشرطة على التصويت خلال جلسة عامة قبل انتهاء الدورة البرلمانية الحالية في موفى يوليو الجاري.

ووفق المكلّف بالإعلام في مكتب البرلمان التونسي فالضمانات عديدة لعدم تجاوز أي قانون لما اورده الدستور من حقوق وحريات او العودة الى تجاوز السلطة من طرف أي سلطة بما فيها رجال الشرطة، ومن بينها ضمانة المجتمع المدني الذي يتابع النقاشات بخصوص مشروع القانون وستقع دعوته من طرف اللجنة للإستماع الى رأيه وتحفظاته بخصوص مشروع القانون والإعلام الذي يقوم بدوره كما يجب في التنبيه الى مخاطر التجاوزات بما فيها التشريعية.

كما اعتبر الحرباوي ان خصوصية المنظومة الأمنية وحاملي السلاح تستوجب ضمانة قانونية تسهّل تطبيق القانون والدفاع عن النفس في صورة ما تعرضت المقرات الأمنية أو عائلات رجال الشرطة أو اقاربهم لتهديد.

وخلص الحرباوي الى انه لا مجال للمقارنة بين قاض مثلا ورجل شرطة المخّول له استعمال "العنف الشرعي"، على حدّ تعبيره.