طرابلس: رئيس حكومة الوفاق الليبية المعترف بها دوليا فايز السراج وقائد قوات السلطة الموازية في الشرق خليفة حفتر اللذان يلتقيان الثلاثاء قرب باريس، هما الطرفان الأبرز في أزمة ليبيا الغارقة في الفوضى منذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011.

فايز السراج، رجل أعمال سابق يتخبط في مصاعب لم الشمل الليبي

دخل فايز السراج المولود في طرابلس في 1960 لعائلة طرابلسية ثرية محافظة، معترك السياسة متأخراً بعد مسار ناجح في القطاع العام ثم في عالم الأعمال.

ولم يكن المهندس المعماري الأنيق ذو الشارب الأبيض معروفا في العاصمة الليبية عند تعيينه رئيسا لحكومة الوفاق الوطني في كانون الاول/ديسمبر 2015.

فرغم مشاركة والده مصطفى السراج في تأسيس الدولة الليبية بعد الاستقلال في العام 1951، لم ينخرط فايز السراج في عالم السياسة قبل حزيران/يونيو 2014 عند انتخابه في مجلس النواب.

لكن انطلاقته السياسية الفعلية بدأت في آذار/مارس 2016 عند دخوله الجريء إلى طرابلس بصفته رئيسا لحكومة الوفاق الوطني الليبية رغم رفض السلطات التي كانت قائمة آنذاك.

عندئذ ارتدى هذا الأب لثلاث فتيات من زوجته المهندسة المعمارية، رداء الزعيم السياسي لجمع السلطات الاقتصادية والسياسية في العاصمة حوله.

وفيما يصفه صديق طفولة بانه "رجل طيب جدا، ولطيف، ومهذب، ويستمع للاخرين بصبر واحترام" يضيف "لكن طيبته هذه لا تمنعه من ان يكون حازما وان يعبر عما يشعر به"، عجز السراج حتى الآن عن إقناع الكثيرين من أطراف الأزمة الليبية بشرعيته.

فهو يواجه مصاعب في إرساء سلطته في مجمل أنحاء البلاد ويصطدم تكرارا برفض السلطات الموازية في شرق البلاد ويعد المشير خليفة حفتر أبرز شخصياتها.

ومنذ عام ونصف، اقتصرت إنجازات الرجل الذي وصفه أحد أصدقاء شبابه بانه "هادئ جدا" على استعادة سرت من مسلحي تنظيم الدولة الاسلامية مع انحياز فصائل مسلحة إلى صف حكومة الوفاق.

غير ان هذا النصر العسكري لا يغطي على سلسلة إخفاقات، بينها خسارة موانئ نفطية سيطرت عليها قوات حفتر والعجز عن تخفيف المصاعب اليومية التي يعيشها أهل طرابلس.

ومع تباطؤ انجازاته، شهد السراج عودة حفتر التدريجية إلى الساحة الليبية.

خليفة حفتر، العسكري الذي فرض نفسه محاورا

تثير شخصية أبرز قادة الشرق الليبي المشير خليفة حفتر الاعجاب من جهة، لما حققه من انتصارات عسكرية في مواجهة الاسلاميين، والرفض من جهة أخرى إذ يتهمه خصومه بالسعي إلى إقامة سلطة عسكرية جديدة في البلاد.

فالضابط صاحب الشعر الرمادي والشارب الاسود المولود في 1943 يقدم نفسه بصورة "منقذ" ليبيا وحصنها في مواجهة الارهاب.

وأسهم الاعلان مؤخرا عن استعادة "الجيش الوطني الليبي" الذي يقوده السيطرة على بنغازي (شرق) من الجهاديين بعد معارك دامية استمرت أكثر من ثلاث سنوات، في تعزيز موقعه خصوصا في منطقة برقة، مسقط رأسه.

يلقى حفتر دعم البرلمان الليبي المعترف به دوليا ومقره في طبرق ويرفض الاعتراف بشرعية حكومة الوفاق، وخرج من الظل اثناء مشاركته في ثورة العام 2011 ضد نظام القذافي.

في 1969 شارك هذا العسكري الذي تدرب في الاتحاد السوفياتي السابق، في الانقلاب الذي قاده القذافي للاطاحة بالملكية.

ابان خدمته في قوات القذافي، ترأس حفتر وحدة خاصة في خضم الحرب الليبية التشادية (1978-1987) قبل أن يقع في الاسر مع مئات العسكريين الآخرين، ليتبرا منه نظام القذافي وقتها. وتمكن الاميركيون في عملية ما زالت تفاصيلها غامضة حتى الساعة، من نقله الى الولايات المتحدة حيث منح اللجوء السياسي، فنشط مع المعارضة في الخارج.

بعد عشرين عاما في المنفى، عاد حفتر ليقود القوات البرية للجيش إبان ثورة 17 شباط/فبراير 2011 في بنغازي في شرق البلاد. في العام نفسه بعيد سقوط القذافي أعلنه حوالى 150 عسكريا رئيسا للأركان.

يقود حفتر منذ ايار/مايو 2014 عملية "الكرامة" التي تهدف الى القضاء على الجماعات الاسلامية المتشددة في بنغازي ومناطق أخرى في الشرق. في 2016 رقي حفتر إلى رتبة مشير بقرار رئيس برلمان الشرق، وبدأ التقرب من روسيا فيما كان الغربيون يدعمون خصمه فايز السراج. وفي مطلع العام توقع ماتيا توالدو خبير الشؤون الليبية في المجلس الاوروبي للعلاقات الخارجية بروز حفتر إلى مقدم المشهد الليبي.

ليبيا غارقة في الفوضى منذ الإطاحة بالقذافي
غرقت ليبيا التي تتصارع على السلطة فيها سلطات ومجموعات مسلحة عدة، في الفوضى اثر الاطاحة بنظام معمر القذافي في اكتوبر 2011.

قتل القذافي
في فبراير 2011 وفي خضم "الربيع العربي" بدات حركة احتجاج ضد نظام القذافي قمعت بشدة، في بنغازي (شرق)، قبل ان يتسع نطاقها. وفي مارس شن تحالف قادته واشنطن وباريس ولندن حملة عسكرية بضوء اخضر من الامم المتحدة. وفي نهاية مارس تولى الحلف الاطلسي قيادة العمليات الجوية ضد النظام الليبي.

وفي 20 اكتوبر 2011 قتل القذافي الذي فر من مقر قيادته في طرابلس العاصمة بعد سيطرة المعارضة عليه في اغسطس، في هجوم على منطقة سرت. وفي 23 اكتوبر اعلن المجلس الوطني الانتقالي، القيادة السياسية للمعارضة، "التحرير الكامل" للبلاد.
وفي 8 اغسطس 2012 سلم المجلس الانتقالي السلطة الى "المؤتمر الوطني العام" (البرلمان).

تنامي التنظيمات المتطرفة
في 11 سبتمبر 2012 قتل اربعة اميركيين، بينهم السفير كريستوفر ستيفنس، في هجوم على القنصلية الاميركية في بنغازي. واتهمت واشنطن مجموعة "انصار الشريعة" المرتبطة بالقاعدة بالمسؤولية عن الاعتداء.

في 23 ابريل 2013 استهدف اعتداء بسيارة مفخخة السفارة الفرنسية في طرابلس، واصيب حارسان فرنسيان بجروح. وشهدت طرابلس هجمات عدة على بعثات دبلوماسية ودبلوماسيين، فاغلقت معظم السفارات ابوابها.

وفي يوليو اغلق حراس الموانئ النفطية مانعين تصدير النفط. واستمر تعطيل التصدير عامًا.

سلطتان متنافستان
في 16 مايو 2014 شن اللواء خليفة حفتر عملية اطلق عليها "الكرامة" ضد المجموعات الاسلامية ببنغازي، مؤكدا انه يريد "اجتثاث الارهاب". وانضم اليه العديد من ضباط المنطقة الشرقية، بمن فيهم ضباط سلاح الجو. واطلق على قوته تسمية "الجيش الوطني الليبي".

في نهاية اغسطس، وبعد اسابيع من المعارك الدامية استولت مجموعة "فجر ليبيا"، وهي تحالف ميليشيات اسلامية على العاصمة طرابلس. واختارت الحكومة والبرلمان المنتخب في يونيو الذي هيمن عليه معارضو الاسلاميين، نقل مقريهما الى شرق ليبيا.

وفي 12 مارس 2016 وبعد ثلاثة اشهر من توقيع اتفاق برعاية الامم المتحدة، اعلن تشكيل حكومة وفاق وطني مدعومة من المجتمع الدولي. ووصل رئيس هذه الحكومة فايز السراج في نهاية مارس الى طرابلس. لكن في شرق البلاد استمرت معارضة حكومة السراج من الحكومة الموازية المدعومة من حفتر والبرلمان.

طرد المتطرفين من سرت وبنغازي
في 17 ديسمبر 2016 اعلن السراج تحرير سرت التي كانت معقلا لتنظيم داعش، مؤكدا مع ذلك ان الحرب على الارهاب "لم تنته" في ليبيا. ونفذ الجهاديون الذين كانوا استولوا على سرت في يونيو 2015 مستفيدين من غياب الدولة، اعتداءات انتحارية دامية في البلاد.

وفي 5 يوليو 2017 اعلن المشير (رقي لهذه الرتبة قبل عام) حفتر "التحرير الكامل" لبنغازي من المتطرفين بعد اكثر من ثلاث سنوات من المعارك. وتقارب المشير المدعوم من مصر والامارات من روسيا مع بداية 2017.

لقاءات السراج وحفتر
في بداية مايو 2017 اتفق السراج وحفتر اثر لقاء في ابوظبي على العمل على تسوية الازمة، لكن بدون اعلان اجراءات عملية.

وفي 25 يوليو اتفقا على اجراء انتخابات "في ربيع" 2018، وذلك اثر اجتماع قرب باريس، بحسب ما اعلن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي اشاد بـ "شجاعتهما التاريخية".