خديجة العثمان من الرياض: ظل موقف سلطنة عمان علامة استفهام كبيرة في كثير من المواقف والأزمات الخليجية التي مرت بها المنطقة، وهو ليس بالغريب على عمان اذ أن الحياد هو موقفها تجاه العرب في الأزمات الإقليمية التي اعتادت السلطنة الظهور فيها بصورة دبلوماسية محاولة كسب كافة الأطراف.

بدأت سلطنة عمان باستخدام لغة الحياد منذ بداية الأزمة الخليجية الأولى عام 1980 حين اندلعت الحرب بين العراق وايران، ثم كررت الموقف ذاته في أزمة الخليج الثانية حين غزت العراق دولة الكويت عام 1991، لتواصل حيادها اليوم تجاه مقاطعة دول الخليج الأربع لقطر.

وفي ظل تصاعد الأزمة مع قطر وتباين الأراء يرى محللون سياسيون ومراقبون أن على عمان مراجعة مواقفها وسياستها مع الأشقاء بدول الخليج ازاء الأزمات المشتركة في المنطقة، فيما رأى آخرون أنها الوحيدة التي أجادت التعاطي مع عالم السياسة الخارجية طيلة السنوات الماضية دون انحراف.

ويطرح كثيرون تساؤلات من قبيل: ترى لماذا تظهر سلطنة عمان بصور الدبلوماسية حين تحتاج الأزمات لموقف واضح وصريح ؟ وماهو الدور الحقيقي لسلطنة عمان باعتبارها عضوا بمجلس التعاون الخليجي؟

حياد غير مقبول

حول مواقف السلطنة تجاه مايحدث في المنطقة قال الكاتب السعودي محمد العصيمي في تصريح له لـ"إيلاف" إن مواقف سلطنة عمان باتت معروفة في أكثر من أزمة خليجية حتى أنها لا تزال إلى الآن تدافع وتبرر مواقفها من غزو العراق للكويت في عام ١٩٩٠، وبأنها وقفت مع الحق الكويتي وطالبت بانسحاب القوات العراقية.

ويتابع "العصيمي" حديثه: كان من المفترض أن يكون للسلطنة دور أكبر وأعمق من أن تكتفي بالتصريحات والمطالبات في الأزمات باعتبارها عضوا في مجلس التعاون الخليجي، ولو كانت باقي دول الخليج اتخذت نفس الموقف الذي اتخذته السلطنة لما تحررت الكويت ولما استرد الكويتيون بلادهم.

ويمكن أن تقاس مواقف أخرى لعمان على نفس موقفها من غزو الكويت، اذ بات بالإمكان القول بأن السلطنة في الظروف الحادة والأزمات هي إما صامتة أو محايدة في مواقفها ، وهذا قد يكون مقبولاً أحياناً لظروف خاصة معينة أو لتأخذ دور الوسيط في بعض الأزمات وتستطيع التحدث إلى الجميع.

ويرفض الكاتب ما سماها "لغة الصمت والحياد" التي دائما ما تستخدمها سلطنة عمان في جميع الظروف والأزمات التي تخص الخليج وأن الأمر بات غير مقبول، وأن السلطنة ستحتاج يوما وقوف الأشقاء كما احتاج الأشقاء منها اليوم موقفا ثابتا وواضحا، مشيرا الى أنّ الهدف الذي تأسس عليه مجلس التعاون لدول الخليج العربي هو الوحدة والتعاون والإيمان بالمصير المشترك، وهو السبب الرئيسي لتواجد السلطنة في المجلس، على حدّ تعبيره.

الإنسحاب من مجلس التعاون الخليجي بين التلميح والتهديد

يركز الكاتب محمد العصيمي على مواقف سلطنة عمان سواء في أزمتي الخليج الأولى والثانية أو التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن أو الأزمة القطرية الآن، هناك باستمرار تلميح أو تهديد بالانسحاب من مجلس التعاون الخليجي، مستغربا أسباب هذا التلميح والتهديد المبطن أحيانا والمعلن أحياناً أخرى، إذ ليس هناك سبب لوجود المجلس ذاته بكل أعضائه إلا من أجل أن تكون دوله متكاتفة وعلى قلب خليجي عربي واحد، وإذا كانت إيران تعبث وترسل أسلحتها وجنودها إلى الدول العربية وتهدد أمن السعودية وأمن دول الخليج فالطبيعي أن تقف عُمان وقطر ضدها وضد أجندتها ورغباتها في السيطرة على المنطقة، وهذا يعني أن من يؤيدها أو يبحث لها عن مبررات هو تلقائياً ضد مبادئ ومواثيق مجلس التعاون وضد إرادة المجلس في الحفاظ على أمن دوله واستقرار مجتمعاته، وبالتالي يصبح البقاء في المجلس أو الخروج منه سيان طالما أن وجود هذه الدولة أو تلك قد تحول إلى مجرد وجود شكلي في ظل تعرض احدى دول المجلس الى محنة أو تهديد وقوبل بنفس الحيادية والصمت.

ويختم الكاتب الصحفي محمد العصيمي حديثه بقوله إن الوجود النافع والمؤثر في المجلس هو المطلوب فإذا أصبح هذا الوجود لأي دولة ضاراً أو محايداً فلا فرق بين هذا الوجود أو عدمه، بل قد يكون عدمه أفضل منعاً للضرر المحتمل ودرءاً لشبهات الحياد، على حد تعبيره.

ثمن التقارب مع ايران سيكون مكلفا

وفي السياق ذاته قال الدكتور وحيد هاشم أستاذ العلوم السياسية بجامعة الملك عبدالعزيز لـ"إيلاف" أن حيادية سلطنة عمان ليست بالجديدة ولا هي بالمستحدثة اذ كان لها ذات المواقف منذ حرب الخليج الأولى والثانية.

وأشار هاشم الى علاقة سلطنة عمان بايران منذ عام 1987 اذ كانت تربطهما علاقة وثيقة، الأمر الذي جعل سياسة السلطنة سلبية تجاه دول الخليج العربي عكس سياستها الايجابية تجاه ايران في سلبيتها تلك.

واستغرب من "موقف عمان التي تعتقد أنها تقف على الحياد بينما في الحقيقة تمارس التسويف والمماطلة، متجاهلة حجم خطر المخطط الإيراني الفارسي الصفوي ورغبته في التمدد والهيمنة على المنطقة العربية"، منوها الى أن السلطنة "لا تدرك خطر هذا التمدد وأنها يوما ما سيحين دورها وستدفع ثمن التقارب مع ايران"، على حد تعبيره.

مسقط وطهران... علاقة مميزة

وسط رفض دول الخليج لسياسة عُمان الحيادية تجاه الأشقاء من اعضاء دول مجلس التعاون يشيد آخرون بتعاطيها مع الأزمات الخليجية بدبلوماسية ورغبتها في عدم التورط في مختلف النزاعات.

اوضحت الإعلامية السعودية ايمان الحمود أن سلطنة عمان كانت واضحة منذ البداية في سياستها الرامية الى عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى واختيار جانب الحياد في مختلف النزاعات التي اندلعت في المنطقة منذ الحرب العراقية الإيرانية وما تلاها.

وأشارت الى أن دول الخليج كانت تعرف هذا الأمر حتى مع تشكيل مجلس التعاون الخليجي، رغم ذلك هناك شعور بأن الامتعاض الخليجي حيال مواقف سلطنة عمان يكمن خلفه حاجة في الإبقاء على سياسة السلطنة كما هي رغبة في جعلها ملاذا أخيرا للعب دور الوساطة في حل تلك النزاعات، والتي كان أبرزها دوليا ملف الاتفاق النووي الإيراني.

وفي حديثها عن ايران تؤكد الحمود ان لسلطنة عمان علاقات متميزة مع طهران لعدة أسباب لعل أبرزها الاشتراك في السيطرة على مضيق هرمز الذي يمر عبره 30% من صادرات النفط المنقولة بحرا في العالم، وبالتالي فانه من غير الوارد أن تضحي مسقط بتلك العلاقات كما أنها لا تجد أي تناقض بينها وبين علاقاتها مع دول الخليج الأخرى.

اخيرا

تساؤلات كثيرة تثار حول سياسة النأي بالنفس التي دائما ما تعتمدها مسقط في علاقتها مع دول المجلس اذ كان واضحا منذ اعتذارها عن مشاركة دول الخليج والعرب في عاصفة الحزم التي قادتها المملكة ضد الحوثيين في اليمن عام 2015.

كما اعتذرت عن المشاركة في مناورات حسم العقبان 2017 التي اقيمت في دولة الكويت وضمت كافة دول مجلس التعاون عدا عمان، فيما شاركت في مناورات مع ايران بعد أيام قليلة من اعتذارها عن حسم العقبان.

الجدير بالذكر أن الرئيس الاميركي دونالد ترمب طلب من سلطان عمان قابوس بن سعيد في محادثة هاتفية يوم الثلاثاء الماضي المساعدة بكبح الزعزعة الإيرانية ، مطالبا بضرورة تعاونها في تقليص الأنشطة الايرانية التي تهدد استقرار المنطقة.