بيروت: من ضابط في الجيش السوري الى قيادي في فصيل معارض، عايش أبو جعفر كل أوجه النزاع في بلاده. قاتل النظام وتنظيم الدولة الاسلامية... لكن بمرور السنين، تلاشت الآمال التي أزهرت مع بدء "الثورة"، وآخرها توقف الدعم الأميركي لمقاتلي المعارضة.

أمضى أبو جعفر (31 عاما)، وهو لقبه العسكري الذي يفضله على اسمه خالد كرزون، ثلاثة أعوام في السجن لأنه رفض إطلاق النار على متظاهرين سلميين كانوا يطالبون بإسقاط النظام، ويقول إنه كان "محبوبا" من الجنود الأميركيين خلال مشاركته في برنامج تدريبي مدعوم من واشنطن.

لكنه اليوم لا يخفي غضبه. ويقول لوكالة فرانس برس عبر تطبيق "واتساب"، "أنهار وأحزن وافكر بالرحيل ثم أقول لا، إذا أنا رحلت وغيري كذلك، سيتدمر البلد أكثر".

ويضيف "الفصائل مثل حجارة الشطرنج: الطاولة في تركيا، (الرئيس الأميركي دونالد) ترمب من جهة و(الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين من جهة".

يتحدر أبو جعفر من محافظة حمص التي شهدت في بداية سنوات النزاع مواجهات عنيفة مع قوات النظام، فلقبت مدينة حمص "عاصمة الثورة".

في آذار/مارس 2011، بدأ النزاع باحتجاجات سلمية قمعتها قوات النظام بشدة. كان أبو جعفر آنذاك يخدم في صفوف القوات الخاصة في الجيش في الساحل السوري. تلقت وحدته أوامر باطلاق النار على تظاهرات محدودة خرجت في تلك المنطقة التي تعد معقلاً للنظام.

ويتذكر أبو جعفر "كانت وحشية القمع لا توصف". لكنه يفخر في الوقت ذاته بأنه لم يطلق "رصاصة واحدة ولا حتى في الهواء". وبدأ حينها التنسيق سراً مع معارضين على الأرض، على حد قوله.

تعذيب في صيدنايا

في ايلول/سبتمبر 2011، اعتقل بعد ان كشف أمره. وحكم عليه بالسجن لمدة 15 عاما في صيدنايا، أحد أكبر السجون السورية وأسوأها سمعة. 

لم يكن يسمح لزوجته ميادة بزيارته سوى مرتين في السنة. ويقول "قبل ثلاث ساعات من كل زيارة كانوا يبقوننا تحت التعذيب لنخرج مضرجين بدمائنا" الى الزيارة.

خرج من السجن بموجب عفو رئاسي في 14 حزيران/يونيو 2014. كان الوضع في سوريا قد تطور الى نزاع مدمر تعددت أطرافه، وتدخلت فيه دول عدة. 

وانضم بعد أسبوع واحد الى حركة "حزم"، في وقت كانت الفصائل المعارضة في أوج قوتها.

في ذلك الحين، كانت الولايات المتحدة ودول اخرى داعمة للمعارضة بينها السعودية، تعمل على تدريب وتسليح فصائل مقاتلة بينها حركة حزم، عبر غرفة خاصة بعمليات الشمال مقرها تركيا وتعرف بغرفة "الموم".

خضع أبو جعفر لدورة تدريبية في السعودية لمدة شهر. لدى عودته، صدم، بحسب ما يقول، من حجم "الفساد" المستشري داخل حركة حزم.

ويتابع "فاتت علي فرصة قضاء سنوات الثورة الأولى في أروع مراحلها. حين عدت اليها وجدتها قد تحولت الى ثروة".

ويروي "خرجت دفاعاً عن الشرف، وانتفض غيري ضد الظلم وثالث لان شقيقه في السجن. اما اليوم بات كل شخص يركض لزيادة نفوذ فصيله ولمصالحه الشخصية".

وكان نفوذ التنظيمات "الجهادية" يتصاعد في سوريا، لا سيما تنظيم الدولة الاسلامية الذي سيطر في صيف 2014 على مساحات واسعة من سوريا والعراق.

في أيلول/سبتمبر 2014، ترك أبو جعفر حركة حزم التي تفككت في شباط/فبراير 2015 بعد هزيمة كبيرة تعرضت لها على يد جبهة النصرة (جبهة فتح الشام حاليا بعد فك ارتباطها بتنظيم القاعدة).

في العام 2015، شكل التدخل الروسي في النزاع منعطفا، وبدأ ميزان القوى يميل تدريجيا لصالح دمشق.

استراحة مقاتل

ابتعد أبو جعفر عن القتال أكثر من عام، وعمل سائق حافلة مدرسية قرب مدينة حلب (شمال). رزق حينها بطفل لم يعش أكثر من 21 يوماً. "قتل جراء غارة جوية وارتاح"، على حد قوله.

مطلع العام 2016، عاد أبو جعفر الى ميدان القتال ضمن فصيل "فاستقم كما أمرت" الذي نشط حينها في مدينة حلب وريفها، وكان يتلقى من غرفة الموم دعما "بالسلاح بشكل شهري، فضلا عن الرواتب والمعدات الطبية والآليات والمواد الإغاثية" لقتال قوات النظام.

عمل على تدريب مقاتلي هذا الفصيل في تركيا وقطر وجمعته علاقة "ممتازة" بالأميركيين. ويقول "كنت محبوبا" منهم.

مع اشتداد حصار قوات النظام على مدينة حلب، ترك أبو جعفر الجبهة ولجأ الى الريف الشمالي حيث كان يخطط للهجرة طلباً للجوء مع عائلته. الا انه لم يتمكن من تحقيق خطته، فانضم الى "لواء المعتصم" الذي كانت تجمعه علاقة صداقة مع قياديين فيه، وانتقل من قتال قوات النظام الى محاربة "الجهاديين".

و"لواء المعتصم" من المجموعات القليلة التي ما زالت تتلقى دعماً اميركياً، بعدما قررت واشنطن وقف برنامج استمر أربع سنوات لدعم الفصائل المعارضة التي تقاتل النظام مقابل الابقاء على دعم تلك التي تتصدى "للجهاديين".

لكن أبو جعفر يقول "قد يأتي دورنا ويتوقف دعم البنتاغون لنا".

وتركز واشنطن دعمها حالياً على قوات سوريا الديموقراطية المؤلفة من فصائل كردية وعربية نجحت في طرد تنظيم الدولة الاسلامية من أكثر من نصف مدينة الرقة، معقله الأبرز في سوريا.

من منزله في مدينة اعزاز في شمال حلب، يقول أبو جعفر متشائما "حلب انتهت، والرقة لقوات سوريا الديموقراطية".

ويضيف "الأمور صعبة، بعد النظام أتانا (أبو بكر) البغدادي، وبعد البغدادي أتى (أبو محمد) الجولاني"، في اشارة الى زعيم جبهة فتح الشام التي تخوض معارك في بعض المناطق ضد فصائل المعارضة.

ويخلص "أعرف ان عمري 31 عاما فقط، لكني عشت (تجارب) أكثر من رجل في التسعين".