خلط زعيم حركة النهضة الاسلامية في تونس، راشد الغنوشي، من جديد أوراق اللعبة السياسية، إذ حضّ رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد على التركيز على تسيير دواليب الدولة دون التفكير في الترشّح للانتخابات المقبلة، ما خلف لغطًا واسعًا.


مجدي الورفلي من تونس: يتواصل الجدل في تونس بعد مطالبة رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي رئيس الحكومة الحالية يوسف بعدم الترشّح لاي من الإستحقاقات الإنتخابية لسنة 2019.

واثارت تلك الدعوة بلبلة سياسية في البلاد وتعددت التأويلات لما بدر عن رئيس الحركة الإسلامية، ولكن أبرز تلك القراءات إتجهت نحو القول إن النهضة وحليفها نداء تونس الذي يقوده إبن الرئيس السبسي، يريدان إخضاع رئيس الحكومة لإملاءتهما او سحب البساط من تحت قدميه، كما حصل مع خلفه الحبيب الصيد.

خلال موكب تسليم المهام للحكومة الحالية في تونس، قال رئيس الحكومة الحبيب الصيد المُقال يومها متهكما، إنه يجب ترك الحكومة تعمل فلا يجب بعد مبادرة الرئيس الباجي قائد السبسي الذي أُزيح بمقتضاها، ان تصدر "فتوى الشيخ"، في إشارة لراشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الذي كان حاضرا، لتنحية خلفه رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد (41 سنة) ولكن يبدو ان تهكم الصيد كان في محلّه.

فمنذ يوم الثلاثاء الماضي دخلت البلاد في فوضى تصريحات وتأويلات بعد حوار أدلى به رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي لإحدى القنوات التلفزية المحلية، وطالب من خلاله رئيس الحكومة الشاب بالتعهّد بعدم الترشّح للإنتخابات الرئاسية أو التشريعية المقبلة.

واعتبر الغنوشي ان تركيز يوسف الشاهد على الترشّح للإنتخابات سيجعله "يهمل دوره الأساسي المتمثّل في إدارة دواليب الدولة"، كما إقترح الغنوشي ان يقع "تنظيم حوار إجتماعي وإقتصادي لإيجاد حلول للوضعية الإقتصادية الصعبة التي تعاني منها البلاد منذ 2011".

وفي 13 يوليو 2016، تمّ إمضاء ما يُعرف في تونس بـ"وثيقة قرطاج" من طرف 9 احزاب و3 منظمات مجتمعية تضمنت عددا من الملفات وقع الإتفاق على معالجتها من طرف حكومة وحدة وطنية، وهي حكومة يوسف الشاهد التي شُكلت إثر الإمضاء على تلك الوثيقة التي كانت في البداية مبادرة من طرف الرئيس الباجي قائد السبسي كان قد أعلنها في الثاني من يونيو 2016 لاخراج البلاد من أزمة اقتصادية واجتماعية حادة وأُقيل على إثرها رئيس الحكومة السابق الحبيب الصيد.

إرباك لعمل الحكومة وتعدٍ على حقّ دستوري

أثارت مطالبة رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي رئيس الحكومة يوسف الشاهد بعدم الترشح للإنتخابات المقبلة ردود أفعال مستهجنة من أغلب الأحزاب السياسية في تونس، حيث رأت في تلك الدعوة تعديا على حقّ دستوري للشاهد وحديث سابق لأوانه عن الاستحقاق الرئاسي، كما اعتبر البعض تصريحات الغنوشي، " محاولة لإرباك عمل الحكومة خاصة في مجال مقاومة الفساد المستشري".

واعتبر كريم الهلالي النائب في البرلمان عن حزب آفاق تونس (مشارك في الحكومة) في تصريح لـ"إيلاف" ان حديث رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي عن انتخابات 2019 سابق لأوانه ومن شأنه أن يساهم في مزيد إرباك الإستقرار السياسي كما انه تعدٍ على حق دستوري مشروع لأي مواطن تونسي، خاصة ان عدم الترشّح للإنتخابات لم يضمن في وثيقة قرطاج التي إنبثقت منها حكومة يوسف الشاهد.

وفي ذات السياق رأى النائب عن حركة مشروع تونس الموقعة على وثيقة قرطاج صلاح البرقاوي من خلال تصريح لـ"إيلاف" انه ليس من حقّ رئيس حركة النهضة إملاء خياراته الانتخابية وتحديد من له ان يفكر في الترشح لأي محطة انتخابية مستقبلية سواء كان ذلك رئيس الحكومة يوسف الشاهد أو اي مواطن تونسي.

ما قصده الغنوشي

في المقابل أكد الناطق الرسمي لحركة النهضة عماد الخميري في تصريح لـ"إيلاف" انه وقع تحميل تصريحات الغنوشي تأويلات لا تحتملها، حيث إعتبر ان ما قصده رئيس النهضة هو دعوة رئيس الحكومة الى التركيز على إدارة شؤون البلاد وخاصة الإقتصادية والإجتماعية بصفة كلية بإعتبار ان التفكير في الترشح للإنتخابات المقبلة سيقلّل من نجاعة الحكومة وقدرتها على حلّ الملفات ذات الأولوية وحيادا عن مهامها التي نصّت عليها وثيقة قرطاج.

واوضح الناطق الرسمي لحركة النهضة ان الحديث عن الإنتخابات المقبلة خارج السياق الذي ذكره الغنوشي سابق لأونه، فحتى الحركة ذاتها لم تناقش المسألة سواء كان إعتزامها ترشيح رئيسها أو غيره للإنتخابات الرئاسية بإعتبار ان التركيز الكلي للحركة حاليا منصبّ على الإستحقاق الإنتخابي الأقرب في البلاد، والمتمثّل في الإنتخابات البلدية المزمع إجراؤها نهاية العام الجاري.

تجدر الإشارة الى ان تنقيح القانون الأساسي لحركة النهضة خلال مؤتمرها العاشر أفرز التنصيص في الفصل 32 المتعلّق بمهام رئيس الحركة انه يترشح لشغل المناصب العليا في الدولة.

يوسف الشاهد يردّ!

رئيس الحكومة يوسف الشاهد وبعد حوار الغنوشي لم يصدر عنه أي ردّ مباشر، حيث إكتفى فقط بتلميحات من خلال تدوينة على فايسبوك تدوينة قال فيها ان رجل الدولة يفكّر في الأجيال المقبل في حين ان رجل السياسة يفكّر في الإنتخابات المقبلة، في ما بدت أنها إشارة للغنوشي وحديثه عن إنتخابات 2019، كما افاد في تصريحات لإحدى المجلات المحلية انه "لا يزال شابا ولا يزال المستقبل أمامه".

رئيس الجمهورية مازال يدعم الشاهد

اما الرئيس الباجي قايد السبسي فقد أكد على لسان الناطقة الرسمية بإسمه سعيدة قراش في تصريحات إعلامية، انه لم يكن على علم بمحتوى الحوار التلفزي الذي اجراه رئيس حزب حركة النهضة راشد الغنوشي، ونفت قراش ان يكون قائد السبسي قد إنخرط في مثل هذه المواقف الحزبية.

كما أكدت أنّ دعم السبسي لرئيس الحكومة يوسف الشاهد متواصل، وذكّرت بان قائد السبسي اختاره للعمل معه بهدف تنفيذ بنود وثيقة قرطاج التي لم يرد فيها ما يمنع ترشح أي من أعضاء الحكومة او رئيسها للانتخابات القادمة.

خطوة مدروسة من النهضة والنداء

مطالبة رئيس النهضة راشد الغنوشي رئيس الحكومة يوسف الشاهد بعدم الترشّح للإنتخابات الرئاسية أوالتشريعية المقبلة المزمع إجراؤها في 2019 وإقتراحه تنظيم حوار وطني إجتماعي وإقتصادي تعمل الحكومة في ما بعد وفق ما سيفرزه، إعتبرها متابعون للشأن السياسي التونسي نتاج تنسيق بين حركتي النهضة والنداء في محاولة للضغط على رئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي تصاعدت شعبيته مؤخرا في تونس وخاصة مع تداول أخبار غير رسمية منذ مدّة عن عزمه تأسيس حزب سياسي خاصّ، مع العلم انه ينتمي رسميا لحركة نداء تونس.

وما دعّم تلك القراء هي تسريبات لإجتماع حركة نداء تونس في مارس الماضي التي كشفت عن سوء العلاقة التي أصبحت تربط الحزب برئيس الحكومة يوسف الشاهد، مع أنه أحد قياديّيه والحزب هو الذي رشحه لتولي مسؤولية الحكومة، حيث ورد في التسريب وعلى لسان إبن الرئيس التونسي ان الشاهد لا يقوم بإستشارته فأي من المسائل رغم انه دعم توليه رئاسة الحكومة.

ويرى الصحافي نزار مقني ان دعوة الغنوشي لرئيس الحكومة بعدم الترشّح لأي من الإنتخابات المقبلة "هي خطوة مدروسة من قبل النهضة ونداء تونس ورسالة للشاهد بصفة مباشرة خاصة انه أصبح يتحرّك خارج دائرة طوعهما ودون العودة اليهما كما أصبحت له طموحات سياسية خارج الأطر المرسومة من الحزبين الذين يشكلان الائتلاف الحاكم وهو ما لا يحتمله الحزبان ولا الشيخان راشد الغنوشي والرئيس الباجي قائد السبسي على حد السواء".

وذكر مقني في تصريحات لـ"إيلاف" أن أحد الأسباب الرئيسية التي عجلت باسقاط الحبيب الصيد من رئاسة الحكومة "هو اضطلاعه بمهامه كرئيس حكومة والتي تعطيه اكثر صلاحيات حسب الدستور التونسي الجديد من رئيس البلاد".

ويرى مقني أنّ الشاهد "بدأ يحذو حذو الصيد في التصرف وباتت لديه طموحات سياسية "شرعية" قانونيا وحتى سياسيا وهو ما لا يمكن ان يقبله منطق التوافق الذي تحكم به النهضة مع نداء تونس والذي يبدو أنه سيصبح نهجا استراتيجيا بالنسبة للحزبين في قادم الاستحقاقات الانتخابية، على حدّ تعبيره.