إيلاف من لندن: كلنا كذابون بالسليقة. وسواء أكانت اكاذيبنا بيضاء مراعاة لمشاعر آخرين أو اكاذيب مرضية كبيرة، فاننا لا نستطيع ان نفلت من نزعة الكذب المتأصلة في طبيعة البشر.

والسؤال الوحيد هو أي نوع من الكذابين نكون؟

وفي الحقيقة ان قلة من البشر يتمتعون بممارسة الكذب وان صفة الكذب من أكبر الاهانات التي يمكن ان توجه الى شخص. ولا أحد منا يريد ان يعيش أو يعمل مع كذابين. فهم يشيعون عدم الثقة ويخربون العلاقات.

واكتشفت العالمة النفسية بيلا دي باولو ان الأشخاص يقولون ما متوسطه 1.5 كذبة في اليوم.

وبحسب دراسة أجرتها جامعة ماسيشوسيتس الاميركية عام 2002 فان 60 في المئة من البالغين لا يستطيعون الاستمرار في الحديث لمدة 10 دقائق دون كذبة واحدة على الأقل.

كما وجد باحثون ان شخصين يقولون ثلاث اكاذيب في غضون 10 دقائق من لقاء احدهما الأخر.

ويقول الكاتب البريطاني ايان ليسلي الذي نشر كتاباً موضوعه كيف نكذب ولماذا نكذب؟ انه يرى ان هذه ارقام متحفظة مشيرا الى ان هذه الدراسات أُجريت قبل ظهور مواقع التواصل الاجتماعي. فالفايسيوك وتويتر ضاعفا فرص الكذب عدة مرات وجعلا من الأسهل نشر الاكاذيب. فالكذبة اليوم تصل الى نصف العالم قبل ان تستيقظ الحقيقة من النوم. وليس مصادفة ان يكون دونالد ترمب متولعاً بتويتر وان يُتهم بالكذب القهري. ولكن شبكات التواصل الاجتماعي لا تفعل سوى تضخيم النزعة البشرية الى الابتعاد عن الحقيقة.

ويقول علماء نفسيون ان الكذب سمة مركزية من سمات الحياة. وان غالبينا نكذب حين نقول "أنا بخير" لزملائنا ونحن في الواقع تعساء.

ونكذب حين نقول "يا له من طفل جميل" ونحن نعتقد في قرارة نفسنا انه يشبه مخلوقاً غريبا ًمن الفضاء الخارجي.

ويصادف ان نتظاهر بالغضب أو الحزن أو الفرح حسب ما يتوقعه منا الآخر. ونبالغ بانجازاتنا خلال المقابلات التي تجري معنا حين نتقدم على وظيفة. والبعض يذهب الى حد التعبير عن الحب دون ان يعنيه.

ولاحظت الدكتورة فاسوديفي ريدي من قسم علم النفس في جامعة بورتسموث البريطانية وجود حالات من السلوك المخادع بين اطفال تقل اعمارهم عن عام.

ومما يزيد الأمر تعقيداً اننا دائماً نقول لأطفالنا ألا يكذبوا ثم نطالبهم بالتعبير عن الامتنان أو الشكر كذباً لقريب أو صديق قدم لهم هدية لا يحبونها بمناسبة عيد ميلادهم.

ويرى محللون ان المجتمع سينهار إذا لم يكن بمقدورنا الوثوق بما يقوله غالبية الأشخاص ولكنه سينهار إذا دأبنا على قول الحقيقة فقط.

ويقول الأطفال والكبار في الغالب اكاذيب صغيرة بيضاء هدفها مراعاة مشاعر الآخر أو للاحتفاظ بمشاعرنا الحقيقية مع نفسنا.

وهذا النوع من الكذب هو ما يُبقي عجلات المجتمع في الدوران.

ولكن هناك انواعاً اخرى من الكذب لا نسكت عنها بسهولة. ونحن نبغض المخاتلين والخبراء الذين يتلاعبون بالكلمات ويحجبون المعلومات بمكر ويتكلمون بلغة مبهمة.

ويبدو ان مهناً معينة تتطلب مهارات كهذه مثل الوكلاء العقاريين والمحامين والسياسيين.

وحتى اسوأ من هؤلاء المصابون بمرض الكذب القهري الذين لا يسعهم ألا نسج قصص واضح انها ليست حقيقية وخاصة اكاذيب تروي مآثرهم لأنهم يشعرون بعدم الأمان في دواخلهم. وهم عادة لا يؤذون إلا أنفسهم.

ولدى الكذابين المَرَضيين أدوات متعددة للكذب ولا يشعرون بتأنيب الضمير على الاطلاق. وهم يكونون مخططين يكذبون لأهداف محددة تخدم مصلحتهم الذاتية وينظر اليهم الآخرون على انهم محتالون وماكرون وأنانيون.

اجرى علماء اعصاب قبل سنوات دراسة لعقول الكذابين المَرَضيين واكتشفوا ان كمية المادة "البيضاء" في ادمغتهم أكبر من الآخرين.

وهذه المنطقة من الدماغ مسؤولة عن اقامة روابط سريعة. وكلما زادت المادة البيضاء زادت سرعة تدفق الافكار وطلاقة اللسان وبذلك تعزيز قدرة الكذاب القهري على استغلال الآخرين. فان دماغ الكذاب المرضي يتغذى على امدادات مستمرة من الأكاذيب المتخَيَّلة.

كما كشفت دراسات سابقة تدني نشاط المناطق المسؤولة عن العواطف في الدماغ ومن هنا لا مبالاتهم بآثار أكاذيبهم على الآخرين.

نحن جميعاً قد نمارس الكذب ولكن غالبيتنا نشعر بشيء من تأنيب الضمير حتى إذا كانت النية طيبة. لذا ينصح العلماء ان يتوقف من يقول كذبة ويسأل نفسه أي نوع من الكذابين هو. وقد يكون الجواب مفاجأة غير متوقعة.

أعدت "إيلاف" هذا التقرير بتصرف عن "الديلي تلغراف". الأصل منشور على الرابط التالي:

http://www.telegraph.co.uk/men/thinking-man/white-compulsive-pathological-kind-liar/