«إيلاف» من القاهرة :  كشف أستاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة الأميركية في القاهرة ومدير مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية، الدكتور سعد الدين إبراهيم، عن مفاجأة كبرى قائلًا:" إن النظام الحاكم في مصر لا يحب ثورة 25 يناير، والسيسي لم يقل كلمة طيبة طوال العام الأول من حكمة في حق ثورة يناير، وبعد ذلك وعلى مضد وتحت ضغوط بدأ يتحدث عن ثورة يناير، فالجيش عمومًا لا يحب أي شيء يتم من دون إرادته ،كما حدث في ثورة يناير"، وأكد سعد الدين إبراهيم في حواره مع "إيلاف" أن المشهد السياسي حاليًا مرتبك بشدة، فهناك رئيس يتمتع بشعبية رغم كونها في تناقص شديد لا تتعدى نسبة 55 %، والشعب يعاني غلاء في المعيشة وعدم استقرار أمني واقتصادي، وبالتالي المجتمع في مرحلة الغليان بدرجة 80%، وقد ينفجر الوضع في أي وقت في وجه النظام، كما حدث في ثورة 25 يناير، فالظروف نفسها تكاد تتكرر مجددًا، وبالتالي قد يكون النظام مضطرًا للتهدئة، وذلك عبر المصالحة الوطنية مع كافة الأطراف المتنازعة الداخلية، وتناقض المشهد السياسي الداخلي يرجع إلى سوء إدارة النظام الحالي ؛ لكونه لم يقم بتهيئة الشارع للوضع الحالي، وللمزيد من المعلومات فإلى نص الحوار:

طرحت أكثر من مبادرة للمصالحة الوطنية بين الإخوان والدولة ، فلماذا لم يكتب لها النجاح والقبول من الطرفين ؟

من الطبيعي أن يكون هناك مخاوف وتحفظات من جانب الأطراف السياسية عند طرح المبادرات السياسية ،وخاصة أن كلًا من الدولة والإخوان يشككان في نوايا كل منهما ، ورغم أنني تعرضت لهجوم شديد من الجانبين لدعوتي إلى المصالحة ، إلا أن الأيام أثبتت ما طرحته للخروج من الأزمة الداخلية التي تعيشها البلاد منذ 30 يونيو ، وهذه الأيام يخرج الإخوان والدولة للحديث عن فكرة المصالحة.

هل تتوقع أن يتقبل المجتمع فكرة المصالحة مع الإخوان؟

المصالحة مع الإخوان قادمة لا محالة، وقريبًا جدًا سنراها، والرئيس عبد الفتاح السيسي عنده استعداد للمصالحة مع الإخوان وخاصة قبل الانتخابات؛ لأنه يريد ضمان أكبر مشاركة في تلك الانتخابات، والرئيس يدرك أن استمرار خلافه مع الإخوان سيؤثر في جدية وشرعية وأمانة نتائج الانتخابات المقبلة، فمجرد عدم مشاركة ما يقرب من 30% من الشعب ممن ينتمون إلى الإخوان وأنصارهم يمثل أكبر أزمة للرئيس قبل الانتخابات.

وهل الإخوان لديهم استعداد للمصالحة مع نظام السيسي؟

الإخوان لديهم استعداد واضح لقبول المصالحة ، لكون ذلك أفضل الطرق لعودتهم لممارسة حقوقهم السياسية ، ولكن قد يظهرون عكس ذلك من أجل الوصول لأفضل نتائج ومكاسب عند التفاوض مع الدولة ،ونؤكد أن هناك أرضية مشتركة متوفرة حاليًا بين الدولة وجماعة الإخوان قد تكون نقطة للانطلاق نحو المصالحة قريبًا. 

وما هي بنود المصالحة المنتظرة بين الدولة والإخوان ؟

 لو تمت المصالحة فمن المنتظر موافقة الحكومة على عودة الإخوان لممارسة العمل السياسي بشرط أن يكون ذلك علنيًا، على أن يتبع ذلك عودة حزب الحرية والعدالة لممارسة نشاطه مجددًا، كما سيسمح للإخوان بالمشاركة في أي انتخابات قادمة بعد المصالحة مقابل تعهد الجماعة ترك العنف نهائيًا والاعتراف بشرعية قرارات ثورة 30 يونيو، والتي من أبرزها عزل مرسي .

وماذا عن محاكمة محمد مرسي وباقي قيادات الإخوان ؟

نحن نرفض المصالحة مع المتورطين في جرائم قتل وإرهاب ، فشباب الإخوان الذين شاركوا في تظاهرات أو غيرها يجب أن يعاقبوا ، ولكن محمد مرسي وقيادات الجماعة المحبوسين حاليًا لم يشاركوا بشكل مباشر في جرائم قتل ، وبالتالي يكون حبسهم سياسيًا، وينتظر أن تكون المطالبة بالإفراج عنهم أحد أهم بنود المصالحة ،ولا أتوقع تنفيذ أحكام بالإعدام على مرسي وغيره من قيادات الإخوان .

هل المصالحة الوطنية ستساعد كثيرًا في إنهاء الإرهاب وتحديدًا على أرض سيناء ؟

اشتعال الحرب في سيناء قد يكون أحد أهم أسباب لجوء الدولة إلى المصالحة الوطنية ؛ لأن مواجهة الإرهاب في سيناء تحولت إلى حرب استنزاف، وأنا ذكرت في 30 /9/ 2013، بعد إسقاط حكم الإخوان مباشرة ، أن الإخوان سيلجأون إلى حرب استنزاف طويلة الأمد ، والدولة قد تتحمل ولكن الشعب لن يتحمل ذلك ، وتكرار العمليات الإرهابية تبدو صغيرة ، ولكنها تسبب انزعاجًا للشارع فالأسر المصرية تقدم يوميًا أبناءها للشهادة، وهذا الأمر قد يؤدي إلى حالة من الغضب الشديد ، ما يكون سببًا مباشرًا للمصالحة بين الدولة والإخوان .

كيف تقيم المشهد السياسي لمصر حاليًا؟

المشهد السياسي حاليًا مرتبك بشدة، فهناك رئيس يتمتع بشعبية رغم كونها في تناقص شديد لا تتعدى نسبة 55 %، والشعب يعاني غلاء في المعيشة وعدم استقرار أمني واقتصادي، وبالتالي المجتمع في مرحلة الغليان بدرجة 80% ، وقد ينفجر الوضع في أي وقت في وجه النظام، كما حدث في ثورة 25 يناير، فالظروف نفسها تكاد تتكرر مجددًا، وبالتالي قد يكون النظام مضطرًا للتهدئة وذلك عبر المصالحة الوطنية مع كافة الأطراف المتنازعة الداخلية، وتناقض المشهد السياسي الداخلي يرجع إلى سوء إدارة من النظام الحالي، لكونه لم يقم بتهيئة الشارع للوضع الحالي.

هل تتوقع ترشح منافس قوي أمام الرئيس السيسي في الانتخابات الرئاسية المقبلة المقرر لها 2018؟

لا أعتقد أن هناك مرشحًا محتملًا يستطيع هزيمة السيسي حتى في ظل انتخابات حرة ونزيهة؛ لأنه ما زال يتمتع بشعبية تؤهله للنجاح، ولكن سيكون بنسبة لا تتعدى 50 %، وانتخاب السيسي لفترة ثانية يرجع لمخاوف الشعب من ترك الجيش السلطة فهناك حالة عشق بين الشعب وقواته المسلحة منذ القدم، الأمر الآخر أن هناك فئة من الشعب ما زالت واثقة في الرئيس .

وماذا عن ترشح الفريق أحمد شفيق وقدرته على المنافسة ؟

شفيق قد يكون الوحيد القادر على منافسة السيسي، ولكنه حتى الآن لم يفصح بعد عن ترشحه، ولا أعتقد أنه سيترشح والنظام جعله في حالة توتر فكل يوم يلاحقه قضائيًا، ما كان سببًا في قرار العودة للوطن، الأمر نفسه بالنسبة إلى الفريق سامي عنان، فلن يوافق أن يلعب دور الدوبلير في الانتخابات المقبلة، إلا إذا حصل على وعود من الدولة تجعله يلعب هذا الدور ولا أظن ذلك، ولكن في النهاية هناك من المحتمل مرشحون أمام السيسي في الانتخابات المقبلة .

هل يشهد ملف الحريات وحقوق الإنسان حاليًا تراجعًا شديدًا، وما أسباب ذلك ؟

ملف الحرية والديمقراطية فيه تدهور كبير ، وقد يكون في بعض الأمور مقبولًا لكون الدولة ما زالت في مرحلة انتقالية لما بعد الثورات، ولكن هناك أشياء غير مبررة مثل حبس الشباب من دون محاكمة ؛ للاعتراض على جزيرتي تيران وصنافير وقانون التظاهر وهذا التراجع الكبير يسيء إلى النظام ومصر أصبحت ضمن أسوأ الدول في ملف الجمعيات الحقوقية .

هل هذا التراجع يتناقض مع مبادئ ثورتي 25 يناير و30 يونيو الذي تعهد السيسي تنفيذها ؟

النظام لا يحب ثورة 25 يناير، والسيسي لم يقل كلمة طيبة طوال العام الأول من حكمه في حق ثورة يناير، وبعد ذلك وعلى مضد وتحت ضغوط بدأ يتحدث عن ثورة يناير، الجيش عمومًا لا يحب أي شيء يتم بدون إرادته ، كما حدث في ثورة يناير، وللعلم هناك تشابه شديد بين الجيش والإخوان من حيث التنظيم الهرمي (الانضباط الهرمي )، وكذلك السرية .

 هل بالفعل الإدارة الأميركية في عهد الرئيس ترمب حريصة على إقامة علاقات طيبة مع مصر خلال السنوات المقبلة ؟

العلاقات بين البلدين تحكمها العلاقات العسكرية، فكلما كانت العلاقات بين الجيش الأميركي والمصري قوية، لا ينظر إلى شكل العلاقات السياسية، بدليل في عز الخلافات والتوتر بين مصر وأميركا في عهد الرئيس السابق أوباما ،كانت العلاقات العسكرية متميزة، فأميركا تحتاج القاهرة في ملف اليمن وليبيا وسوريا، ومصر في حاجة للمعونة الاقتصادية والعسكرية، والسياسة الخارجية في عهد السيسي لا بأس بها، فقد حرصت على فتح حوار مع قوى دولية كبرى مثل الصين وروسيا.

هل الولايات المتحدة الأميركية وراء اشتعال الأزمة العربية القطرية مؤخرًا ؟

أميركا ليس لها دخل بالأزمة، ولا يوجد تدخل خارجي وراء التصعيد العربي الخليجي ضد قطر ، فالولايات المتحدة تربطها علاقات طيبة مع قطر والسعودية، وليس من مصلحتها التصعيد في النزاع ، وقد تكون الوساطة الأميركية مؤخرًا سببًا في تهدئة الخلاف خلال الفترة الماضية .

ما تصورك لإنهاء الأزمة القطرية العربية، وهل هناك بوادر لتحقيق ذلك على المدى القريب ؟

أتوقع انتهاء الأزمة سياسيًا عن طريق تنازل الأطراف عن بعض مطالبها، فالجانب العربي سوف يتنازل عن المطالب ال"13" ، في حين ستنفذ قطر المطلب الخاص بالإخوان سواء عن طريق تسليمهم أو طردهم خارج البلاد، كما ستتعهد الدوحة تجنب قناة الجزيرة التدخل في شؤون الدول العربية ومهاجمة أنظمتها.

هل بالفعل النظام القطري متورط في دعم الإرهاب؟

هم أعطوا غطاء لجماعة الإخوان منذ سنوات كبيرة، والإخوان اخترقوا الدول العربية، ومنها قطر بعد عبد الناصر، وكونوا أنصارًا لهم وسيطروا على وزارات التعليم والإعلام والأوقاف بتلك الدول، ثم بعد ذلك تم التحكم في المؤسسة الاقتصادية، والشيخة موزه قالت لي ذات مرة إن المشكلة ليست في عدد الإخوان المصريين في قطر، حيث إن عددهم لا يتعدى 5 آلاف فرد، ولكن الأزمة عندنا أنهم استطاعوا تجنيد واستقطاب أكثر من 40 ألف قطري للانضمام إلى الجماعة والفكر الإخواني، والإخوان منتشرون في 65 دولة في العالم، لديهم 70 مليار دولار في الخارج من استثمارات، وقد يخصص منهم 10% لصالح دعم الإرهاب في المنطقة العربية، وليس معنى ذلك براءة قطر من دعم الإرهاب، ففي أحد اللقاءات التي جمعتني مع أمير قطر السابق والد تميم، قال لي إن قطر من أكبر دول العالم دخلًا وتعيش على بحيرة من الغالي والنفيس، وهذه الثروة لابد من استغلالها ، عن طريق لعب دور سياسي إقليمي عربي دولي وإلا نكون بلهاء لو لم نفعل ذلك .