يعرف الطب العديد من طرق منح الدواء إلى المريض، بينها تناولها عبر الفم أو الزرق في الوريد أو تحت الجلد...ألخ، لكن ليس كل الأدوية قابلة للاستنشاق عبر الرئتين بسبب الحاجز المناعي.

إيلاف من برلين: العلماء الألمان صمموا مركبات نانوية لنقل الأدوية عن طريق الرئتين يستطيع الإنسان استنشاقها مثل أدوية معالجة الربو. واطلق العلماء من جامعة الزار الطبية وجامعة ماربورغ التقنية على هذه المركبات اسم"العرانيس النانوية" لشدة شبهها برؤس الذرة (العرانيس).

وكتب العلماء في مجلة "مواد الرعاية الطبية المتقدمة" Advanced Healthcare Materials انهم استغلوا الخلايا الملتهمة (الماركوفيج) في نظام المناعة الجسدي لتحقيق هذه التقنية. إذ تهاجم الماكروفيج العرانيس النانوية باعتبارها أجساماً غريبة، وتطلق بذلك الدواء الذي في داخلها في الرئتين. وحققت التقنية نجاحاً مختبرياً كبيراً عند تجربتها فكانت سريعة ودقيقة في ايصال الأدوية إلى المكان المطلوب.

والعرانيس النانوية عبارة عن اسطوانات قصيرة محببة لاتزيد ابعادها عن 10 آلاف نانوميتر طولاً و3 آلاف نانوميتر عرضاً، وهذا يعني انها من حجم لايزيد عن حجم البكتيريا. ولشدة صغرها، فإنها تستقر مباشرة في النسيج الرئوي، وهناك تهاجمها الخلايا المناعية المفترسة وتحرر الدواء منها بعد تحطيمها.

حصان طروادة

وذكر البروفيسور مارك شنايدر، المتخصص بعلم العقاقير من جامعة الزار، ان العرانيس النانوية اخترقت حاجز الرئة الدفاعي. وهو حاجز مناعي يمنع البكتيريا والجراثيم والأدوية وأجسام الغريبة الأخرى من اختراق الدم عبر الرئة. فالعرانيس النانوية عملت مثل"حصان طروادة" على تمرير الأدوية عبر هذا الحاجز الدفاعي.

وأضاف شنايدر انهم توصلوا إلى أن الاشكال الاسطوانية اسهل اختراقاً للحاجز الرئوي من غيرها من الأشكال، ولهذا فقد صمموا العرانيس النانوية بهذا الشكل. كما ان الشكل العرنوسي، وكثرة الحبوب على سطحها، تمنحها القدرة على حمل كمية كبيرة من الدواء عند الحاجة. ولايمكن للعرانيس النانوية إلا ان تكون هدفاً للماكروفيج بسبب صغر حجمها، بحسب رأي الباحث. وينطلق الدواء فعالاً جداً بعد أن يمر بعملية تغيير داخل خلية الماكروفيج.

التحكم بدورة استقلاب الخلايا المناعية المفترسة

صنع العلماء العرانيس النانوية من مادة معينة يمكن أن تؤثر في الخلايا الدفاعية الملتهمة أيضاً. وتمت صناعتها من "بلازميد-دي ان ايه" يعطي أوامر داخل الخلايا المناعية. وتعمل هذه الأوامر بدورها على تنشيط الخلايا الماكروفيج على مهاجمة مسببات الأمراض بفعالية أكبر.

الصفة الأخرى هي انه من الممكن برمجة العرانيس النانوية بحيث انها تنقل الدواء إلى نوع معين من الخلايا بحسب نوع المرض. إذ ان العرانيس متينة ولا تتحطم إلا بعد وصولها إلى النسيج المطلوب، وهناك تذوب الاسطوانة وتنطلق الحبيبات المحملة بالدواء كل واحدة إلى خلية.

عمل شنايدر وفريق عمله عدة سنوات على إنتاج العرانيس النانوية بشكلها الاسطواني والحبيبات المكورة عليه، واستغرقوا طويلاً في العمل بغية منحها القدرة على عدم التفكك(انفصال الحبيبات عن الاسطوانة). حرصوا بعد ذلك، بحسب مقالة شنايدر، على تحميلها بمختلف أنواع الأدوية، وبكميات مختلفة.

استخدام الطريقة في المستقبل القريب

للتأكد من استقرار العرانيس النانوية في أنسجة الرئة ووصول الدواء إليها، تولى البروفيسور اودو باكوفيسكي من جامعة ماربورغ، والبروفيسور توماس شيرنغ من جامعة الزار، عملية الكشف عنها شعاعياً. وحمّل الباحثان المركبات الاسطوانية الصغيرة بمادة "لوسيفريز"، وهي انزيم مشع، يجعل العرانيس النانوية تشع عند استقرارها في النسيج الرئوي. وثبت تحت الاشعة أن العرانيس أوصلت الدواء بالفعل إلى الخلايا المطلوبة في الرئتين بالضبط.

ويتوقع العلماء الألمان أن تشق طريقة العلاج باستخدام عرانيس الاستنشاق خلال مستقبل قريب، وأن يبدأ ذلك في علاج التهابات الرئتين والقصابات والتهابات الأنسجة المخاطية المتنوعة.

ويصيب التهاب الرئتين، بأنواعه المختلفة، 2-3 ملايين شخص في الولايات المتحدة سنوياً. ويشكل الالتهاب البكتيري90% من هذه الالتهابات التي تقود المريض إلى المستشفى في 30% من الحالات. وفي ألمانيا يقتل الالتهاب الرئوي 30 ألفاً كل سنة، معظمهم من المسنين والمرضى، بحسب احصائيات وزارة الصحة الاتحادية.