الرباط : أعلنت المندوبية العامة لإدارة السجون في المغرب، للمرة الاولى، عن تفاصيل برنامج رسمي لإعادة إدماج معتقلي الإرهاب والتطرف في المغرب تحت إسم "مصالحة". 

وأوضحت المندوبية في بيان لها الخميس أن النسخة الأولى لهذا البرنامج طبقت ما بين 29 مايو و25 يوليو من السنة الجارية، بسجن العرجات 1 قرب الرباط، وتمخضت عن نتائج إيجابية ومشجعة، مشيرة على الخصوص إلى التجاوب الكبير للسجناء، وأكدت عزمها على الإستمرار في تنفيد هذا البرنامج، الذي قالت إنه استلهم منهجيته من تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة التي أطلقها المغرب خلال التسعينات من القرن الماضي بهدف طي ملفات حقوق الإنسان.

ويأتي هذا الإعلان عقب استفادة 14 سجينًا محكومين في قضايا إرهابية من عفو ملكي بمناسبة ذكرى "ثورة الملك والشعب" يوم 20 أغسطس الأخير، والتي اعتبرها المتتبعون مؤشراً على وجود انفراج في ملف الجهاديين بالمغرب. وكانت وزارة العدل أشارت في بيان لها بمناسبة إعلان العفو الى أن المستفيدين شاركوا في برنامج "مصالحة"، وأنهم "أعلنوا بشكل رسمي تشبثهم بثوابت الأمة ومقدساتها وبالمؤسسات الوطنية"، وقاموا بـ"مراجعة مواقفهم وتوجهاتهم الفكرية"، وأعلنوا التوبة، ونبذهم للتطرف والإرهاب، وأكدوا أنهم رجعوا إلى الطريق القويم، إضافة إلى أنهم أبانوا عن حسن السيرة والسلوك طيلة مدة اعتقالهم.

وأوضحت مندوبية السجون أمس أن برنامج "مصالحة" يرتكز على ثلاثة محاور أساسية "تهم المصالحة مع الذات، والمصالحة مع النص الديني، والمصالحة مع المجتمع". وأضافت أنها "بلورت هذه المحاور من منطلق إدراكها العميق لأهمية تأمين شروط إعادة إدماج شريحة المدانين في قضايا الإرهاب والتطرف بالمؤسسات السجنية، التي تحتاج إلى مقاربة علمية مبدعة تتكامل مع الجهود متعددة الأبعاد والمبذولة في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف وحماية المجتمع المغربي من آفاته المبنية على الاستباقية الأمنية والتحصين الروحي ومحاربة الهشاشة".

مشيرة إلى أن البرنامج "يستمد فلسفته من التوجيهات الملكية الداعية إلى تعزيز قيم المواطنة والتسامح والاعتدال، وإذكاء الإحساس بالمسؤولية المواطنة بين مختلف شرائح وفعاليات المجتمع المغربي"، ومن حرص العاهل المغربي الملك محمد السادس "على ضرورة إصلاح العدالة الجنائية بالمغرب، على أسس المواطنة والمحاسبة والمسؤولية والمساواة في الحقوق والواجبات والفرص، وكذا ضرورة العمل والحرص على صون الكرامة الإنسانية للمواطنين السجناء التي لا تجردهم منها الأحكام القضائية السالبة للحرية".
واعتبرت المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج أن هذا البرنامج يعد مبادرة تكرس المبدأ الذي قامت عليه تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة في صيغة جديدة تتفرد بكون المصالحة فيها صادرة عن السجناء المعنيين مع المجتمع الذي تحمل أضرارًا مادية ومعنوية بسبب أفكارهم المتطرفة أو أعمالهم الإرهابية.

وأضافت أن هذا المشروع الفريد من نوعه على المستوى العالمي، يندرج في إطار الاستراتيجية الجديدة للمندوبية العامة المبنية على مبدأ تفريد العقوبة وإعمال البرامج الرامية إلى أنسنة وتحسين ظروف الاعتقال، وتأهيل السجناء لتهيئتهم للإدماج، مشيرة إلى أن هذا المشروع يأتي في سياق خطة المندوبية العامة التي سبق إعلانها في شهر مارس من السنة الماضية والمتعلقة بنشر ثقافة التسامح ومحاربة التطرف العنيف داخل السجون.

وأضاف المصدر ذاته أن المندوبية العامة أسندت للجنة علمية وطنية من مستوى رفيع إعداد منهجية تنفيذ البرنامج وتنزيله، وذلك وفق مرجعية علمية تتسم بالتكامل والشمولية، مما يجعله يتمايز عن برامج المراجعات والحوارات الفكرية التي تم اعتمادها وطنيًا وإقليميًا في مراحل سابقة، على اعتبار أن الهدف المركزي لبرنامج "المصالحة" يتجلى في التأطير الشمولي للسجناء وتأهيلهم نفسيًا وفكريًا وسلوكيًا للتعامل بطريقة سليمة مع نظم المجتمع وفعالياته المؤسسية والبشرية بما يسمح لهم الاندماج الكامل والفعال.

وبخصوص التجربة الأولية للبرنامج بسجن العرجات قرب الرباط، أوضحت المندوبية أن المستفيدين من هذه التجربة "يمثلون عينات من مختلف الاتجاهات الجهادية"، مشيرة إلى أنهم "عبروا عن رغبة أكيدة في المشاركة في هذا البرنامج بشكل اختياري وعن طواعية".

وأوضحت أن البرنامج جرى تنفيذه في محاوره الثلاثة، وذلك وفق عدة أبعاد همت البعد المتعلق بالتأهيل الديني وما يتصل به على مستوى فهم واستيعاب النص الديني بالشكل الصحيح والمكرس لقيم التسامح والاعتدال، والبعد الحقوقي والقانوني، حيث تم تأهيل السجناء على مستوى فهم واستيعاب وقبول الإطار القانوني، والبعد الخاص بالـتأهيل والمصاحبة النفسيين، إلى جانب البعد المتعلق بالتأهيل السيوسيو-اقتصادي.

كما تم تخصيص حصص لعرض تسجيلات مسموعة ومرئية لشهادات بعض عائلات ضحايا الإرهاب، بهدف تحسيس السجناء المدانين في إطار قضايا التطرف والإرهاب، بحجم الأذى الذي يخلفه التطرف العنيف على استقرار المجتمع و أمنه، علاوة على الضرر المباشر الذي يصيب الضحايا.

وأكدت المندوبية العامة للسجون في بيانها أنه "تم الحرص خلال هذه المرحلة على تأمين المصاحبة النفسية، حتى لا يتم رفع حدة الشعور بالذنب إلى درجات مرضية قد تفسد عملية التعافي وتعديل السلوك، لافتًا إلى أن البرنامج توج بعقد مناظرة في شكل تمرين تجريبي يختبر مدى تملك السجناء تقنيات هدم وتفكيك الخطاب المتطرف".

وأضاف البيان أن اللجنة العلمية الرفيعة المستوى المشرفة على البرنامج، تأكد لديها من خلال تقييم هذه التجربة على أساس مؤشرات علمية دقيقة، تجاوب السجناء المستفيدين بشكل إيجابي مع محتوى البرنامج، وسجلت حدوث "تطور ملحوظ على مستوى تمثل الذات وفهم واستيعاب النص الديني ومقاربة القيم المجتمعية الصحيحة".