إيلاف من لندن: استضاف منتدى الفكر العربي في عمّان، مساء الأحد 27/8/2017، الباحث والمحاضر في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة نجم الدين أربكان في قونيا – تركيا الدكتور كوكخان بوزباش، الذي ألقى محاضرة حول "الأحزاب السياسية التركية وقضية فلسطين". 

وتناول الباحث التركي بوزباش تطور الموقف التركي العام ومواقف هذه الأحزاب تجاه القضية الفلسطينية بعد تأسيس الجمهورية التركية وتشريع نظام الأحزاب فيها في بداية الخمسينات.

وأوضح أن القضية الفلسطينية والصراع المستمر بين الإسرائيليين والفلسطينيين الذي بدأ في منتصف القرن العشرين، نتيجة ما أدت إليه الهجرة اليهودية وقيام دولة إسرائيل بعد صراعات دامية بين الإسرائيليين والعرب، هذا الصراع ما يزال "الأكثر تعقيداً" في العالم، ولا سيما مع استمرار الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة.

ميراث متعدد الجنسيات

وقال د. بوزباش: إن فهم موقف الأحزاب السياسية التركية تجاه القضية الفلسطينية من أجل تقييم الموقف العام لتركيا، يعتمد على تقييم التصور حول هذه القضية لدى هذه الأحزاب، فتركيا الحديثة بلد صممه في الغالب أحزابه السياسية بعد نهاية الإمبراطورية العثمانية، وقد قامت الجمهورية على ميراث متعدد الجنسيات كدولة قومية عام 1923، وحتى عام 1950عندما بدأت الحياة الحزبية التعددية، تم بناء هوية وطنية جديدة.

وأضاف أن الأحزاب في تركيا نشأت ضمن إطار من وجهات نظر مختلفة، فهناك حزب الشعب الجمهوري الذي هو حزب سياسي كمالي وديمقراطي اجتماعي يستند إلى الهوية الدستورية للأتراك، وإلى جانب هؤلاء الجمهوريين ظهرت الأحزاب الإسلامية والقومية بعد عام 1950.

3 أجزاء

وأوضح د. بوزباش أنه فيما يتعلق بمواقف الأحزاب من القضية الفلسطينية، فإن التحليل يتطلب فصلها إلى ثلاثة أجزاء؛ إذ اعتبرت الأحزاب اليسارية أن القضية الفلسطينية هي قضية نضال وصراع بين الشعوب المضطهدة والقوى الاستعمارية، لذلك عملت هذه الأحزاب على دعم الشعب الفلسطيني في نضاله ضمن وحدة نضال الطبقات المضطهدة ضد الطبقات الرأسمالية.

أما الأحزاب القومية والوطنية فقد نظرت إلى الأمر بشكل مختلف فيما بينها – حسب د. بوزباش - فالقوميون الأتراك تعاملوا مع قضية فلسطين على أنها مشكلة العرب، بينما كانت فلسطين بالنسبة للقوميين الأكراد تشكل مجالاً من الفرص لتبرير الصراع الفلسطيني المسلح.

وتعاملت الأحزاب الإسلامية والمحافظة مع القضية الفلسطينية على أنها قضية إسلامية كون الشعب التركي هو جزء من الأمة الإسلامية، فضلاً عن أن القضية الفلسطينية هي فرصة لتذكير الشعب التركي بأنهم جزء من المجتمعات الإسلامية الأكبر، مما يشكل جزءاً من وعي الهوية.

مداخلة أبو حمور

أدار اللقاء وشارك فيه الأمين العام لمنتدى الفكر العربي د. محمد أبوحمور، الذي أشار في مداخلته التقديمية إلى أن هذا اللقاء ضمن مسار دراسة التطورات الإقليمية وتحليل مواقف مختلف الأطراف المعنية.

وأضاف د. أبوحمور أن تركيا من القوى الكبرى في المنطقة، ولها تأثير ودور فاعل في مختلف القضايا، وقد ارتبطت الشعوب العربية والشعب التركي بتاريخ مشترك امتد أربعة قرون، وهو ليس تاريخاً سياسياً فقط، بل قام على أساس امتداد حضاري إسلامي، وأركان ثقافية. هذا فضلاً عما يجمعنا مع تركيا من جغرافيا واحدة في الجزء الآسيوي من الوطن العربي، وديانة واحدة ومشتركات ثقافية واجتماعية أيضاً.

وقال: إن قضية فلسطين تعد مركزاً مهماً في هذه العلاقة ولا سلام في المنطقة دون الحل الشامل والعادل، واختيار موضوع القضية الفلسطينية في رؤى الأحزاب السياسية التركية، هي محاولة لمقاربة الصورة الأوضح والأكثر علمية وواقعية عند دراسة تطورات المواقف التركية من هذه القضية المركزية، ليس للعرب فقط ولكن للمنطقة والمجتمع الدولي، وبالتالي فهم هذه المواقف ومتغيراتها في ضوء طريقة التفكير السياسي، والتوازنات، وتأثيرات الواقع الإقليمي والدولي.

وأشار د. أبوحمور إلى مراحل تاريخية مختلفة رسمت تطورات العلاقة بين تركيا والعرب منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى ونهاية الامبراطورية العثمانية، وبالتالي انعكاس هذه التحولات على موقف الدولة التركية من القضية الفلسطينية، وكذلك أثر الأحداث الإقليمية والدولية على العلاقات السياسية والاقتصادية بين الجانبين.

فترة التسعينيات

وقال د. أبوحمور: إن فترة التسعينيات وحرب الخليج الأولى والثانية، ومن ثم التطورات في العملية السلمية واتفاقيات أوسلو، وتحديات مواجهة الإرهاب، وأخيراً تداعيات الربيع العربي، ونشوب الحروب والنزاعات في المنطقة، وقضية اللاجئين السوريين، كل ذلك يفرض على دول المنطقة ومن بينها تركيا أن تتكيّف في سياستها الخارجية بشكل يحفظ سلامة أراضيها ويجنبها الأثمان الباهظة لهذه التأثيرات المتلاحقة.

وأضاف: إن تقييم الموقف العام للسياسات التركية، ودراسة جوانب العلاقات العربية التركية، ومن ضمنها القضية الأكثر تأثيراً في مسار هذه العلاقات (القضية الفلسطينية)، لا بد أن يأخذ بالاعتبار مختلف المعطيات على الجانبين، ليس في المجال السياسي فقط، ولكن أيضاً فيما يتعلق بالتعاون والرؤى المشتركة لمعالجة الأزمات والمشكلات، والعمل نحو التوصل إلى صيغ فعالة من الاستقرار والسلم في المنطقة، وتأكيد اعتبار الجغرافيا الواحدة والأسس الحضارية والثقافية التي تجمعنا كعوامل تعزيز للعمل الإقليمي المشترك، الذي يضمن للعرب والأتراك تحقيق طموحاتهم المشروعة والانسجام في تأدية الدور المطلوب من دولهم في إطار السلم والأمن الإنساني في منطقتنا وفي العالم، من خلال الحوار والتفاهم والانطلاق نحو المشترك بينهم.

وأشار في هذا الصدد إلى دور منتدى الفكر العربي في التأسيس للحوار العربي التركي منذ أكثر من عقدين، بمبادرة وتوجيهات رئيس المنتدى وراعيه سمو الأمير الحسن بن طلال، كما أشار إلى سجل حافل بالأنشطة التي ما تزال مستمرة في هذا المجال.