أكد مسؤولون وخبراء إماراتيون خليجيون وعرب أهمية التعليم في مواجهة التطرّف والإرهاب، لافتين إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة تنبهت هي وشقيقاتها من دول المنطقة الملتزمة مكافحة الإرهاب، إلى النتائج الكارثية التي تسببت بها سنوات ما عرف بـ"الربيع العربي" في العديد من دول المنطقة، وأدركت باكرًا محاولات جماعات الفتن والضلال لاستغلال التعليم كمنصة تعبث من خلالها بمدارك أجيال الغد، حيث عمدت هذه الجماعات إلى تشويه تعاليم الدين أولًا، وغرس أفكارها المسمومة ثانيًا، على نحو يستهدف جرّ أبناء وشباب المنطقة إلى دوامات التطرف والعنف.

إيلاف من دبي: أكد الدكتور حسين بن إبراهيم الحمادي، وزير التربية والتعليم في دولة الإمارات العربية المتحدة، أن الإرهاب هو محصلة ونتاج للتطرف الفكري، الذي يعدّ العدو الأول للإنسانية. وقال إنه لا بد من وجود معالجة شاملة لهذه الظاهرة، تقوم أولًا على التنمية المستدامة، وثانيًا على التربية والتعليم، لافتًا إلى أن التعليم لا بد أن يكون مبتكرًا وإبداعيًا. 

مبادرة التربية الأخلاقية 
وأشار إلى أن الإمارات كانت سباقة في التصدي للفكر الإرهابي، من خلال التعليم، والتنبيه إلى خطورة تسلل هذا الفكر إلى المنظومة التعليمية. من هنا جاءت المبادرة الرائدة للشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بتدريس مبادرة التربية الأخلاقية في المدارس، وهي المبادرة التي تهدف إلى غرس القيم الأخلاقية الإيجابية القائمة على التسامح والاعتدال والانفتاح والتعايش.

جاء ذلك خلال ندوة "التعليم والتطرف والإرهاب"، التي نظمها "مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجيّة"، اليوم الأربعاء، بحضور الدكتور حسين بن إبراهيم الحمادي وزير التربية والتعليم في دولة الإمارات العربية المتحدة، والدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم والتعليم الفني في جمهورية مصر العربية، والدكتور ماجد بن علي النعيمي وزير التربية والتعليم رئيس مجلس التعليم العالي في مملكة البحرين، فضلًا عن لفيف من الكتّاب والصحافيين ورجال الإعلام، وعدد من المثقفين والمهتمين بقضايا التربية والتعليم، وذلك في "قاعة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان"، في مقر المركز في أبوظبي.

أضاف الوزير الحمادي أن التعليم مهم جدًا في تحقيق التنمية المستدامة ومحاربة التطرف والإرهاب.، وقال "من الثابت أن منظومة القيم الأخلاقية السائدة والأفكار التي تتضمنها منظومة التعليم في مجتمع ما، هي ما يحدد موقع هذا المجتمع في خريطة العالم، ولا يمكن الحديث عن تقدم قائم على أسس صلبة ومستدامة من دون تعليم عصري يجمع بين الجوانب المادية المتمثلة في العلوم والمعارف الحديثة، والجوانب القيمية المتمثلة في نوعية التعليم".

الإرهاب تهديد عابر للحدود
من جهته، أكد الدكتور جمال سند السويدي مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية على أهمية الندوة لكونها تلقي الضوء على موضوع حيوي وملحّ، وتستدعي التطورات المتسارعة والتحديات المتفاقمة خلال السنوات الأخيرة في منطقتنا العربية خصوصًا، والعالم عمومًا، تناولَه بكل تركيز وجدية وعمق، بما يواكب الجهود العالمية لمحاربة التطرف والإرهاب، اللذين باتا يشكلان تهديدًا عالميًا عابرًا للحدود، وعلى نحو يرفد المنظومة التعليمية في دولة الإمارات العربية المتحدة والمنطقة بمخرجات من شأنها دعم جهود القطاع التعليمي، لكي يكون جزءًا لا يتجزأ، بل مفصلاً محوريًا، في التصدي للفكر المتطرف ودسائس قوى الشر والظلام التي لا تكفّ عن محاولاتها لاختراق المؤسسات التعليمية في المنطقة وبث سمومها في عقول وأفئدة أبنائنا وفلذات أكبادنا من النشء والشباب.

وأضاف السويدي أن الإمارات انطلاقًا من وعيها بأن التعليم سلاح ذو حدين، فقد عملت على استخدام التعليم كمنارة لبث الوعي، وأداة فاعلة ومؤثرة لتحصين النشء والشباب من الأفكار الهدامة، وتعزيز انتمائهم وولائهم للوطن، وترسيخ اعتزازهم وفخرهم بهويتهم الوطنية. 

أشار إلى المبادرة الكريمة التي أطلقها ديوان ولي عهد أبوظبي، بتوجيهات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، لدعم العملية التعليمية بمادة "التربية الأخلاقية" في المناهج والمقررات الدراسية، التي كان لها دورها العظيم والمؤثر في دعم جهود تطوير المنظومة التعليمية، والعمل بشكل مبكر ووقائي على حماية الشباب من الانزلاق إلى براثن التطرف والإرهاب، وهو ما جاء على نحو أثرى الخبرة والتجربة الإماراتية في هذا المجال، وجعلها نموذجًا يحتذى به في المنطقة.

وزير التعليم المصري: لا بد من تعاون جميع المؤسسات
ثم تحدث الدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، في جمهورية مصر العربية في الكلمة الرئيسة الثانية عن جهود الحكومة المصرية في سبيل الرقي بالمنظومة التربوية بوجه عام، حيث وضعت أخيرًا رؤية متعددة الأبعاد، تشترك فيها جميع مؤسساتها ذات الصلة لتجفيف منابع الإرهاب والتطرف بجميع أشكاله المادية والفكرية، مشيرًا إلى قرار رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي، القاضي بإنشاء "المجلس القومي لمواجهة الإرهاب والتطرف". 

وزير التعليم المصري طارق شوقي

وأكد "ضرورة أن تتعاون مؤسسات مجتمعاتنا العربية كافة لنشر معاني الرحمة وقبول الآخر ومحاربة جميع أشكال التعصب والتحزب". وتحدث عن أبرز ملامح النظام التعليمي البديل، الذي تعكف عليه وزارة التربية والتعليم، والذي سيبدأ في شهر سبتمبر 2018، ويستهدف إيصال الشباب إلى مستويات عالمية، بدءًا بتدريب النشء على فهم الآخر والعمل على المزج بين الهوية المصرية والانفتاح على الآخر.

وزير التعليم البحريني: التعليم هدف الإرهاب منذ 2011
في الكلمة الرئيسة الثالثة للندوة، استعرض الدكتور ماجد بن علي النعيمي وزير التربية والتعليم، رئيس مجلس التعليم العالي في مملكة البحرين، تجربة مملكة البحرين في مواجهة الإرهاب عبر التعليم، حيث تحدث عن أربعة محاور رئيسة تتمثل في: لمحة عن مسيرة التعليم في مملكة البحرين، والاعتداءات الإرهابية على التعليم منذ أحداث عام 2011، وتجربة التربية على المواطنة وحقوق الإنسان في مواجهة الاعتداءات الإرهابية، ثم استعرض أخيرًا مشروع المدرسة المعززة للمواطنة وحقوق الإنسان. 

فعرض مشاهد من الاعتداءات الإرهابية التي تعرّض لها قطاع التعليم منذ عام 2011، التي استهدفت الإنجازات التي حققتها البحرين في هذا المجال؛ واستعرض الجهود التي قامت بها الدولة والمجتمع لمعالجة هذه الظاهرة.

وزير التعليم البحريني ماجد بن علي النعيمي

وأشار إلى أهمية المناهج، وإلى أنه تم إجراء تطويرات كمية ونوعية فيها؛ بما يعزز تنمية التفكير العلمي ويغرس قيم العمل والتنوع والاختلاف وحقوق الإنسان ونبذ العنف والتطرف بكل أشكاله. وقد أكد النجاحات التي حققتها المملكة في هذا المجال ونالت إشادات من منظمات دولية متعددة.

مكافحة التطرّف تتطلب نشر ثقافة التفكير الإيجابي
تضمنت فعاليات الندوة (التعليم والتطرف والإرهاب) محورين مهمَّين: الأول بعنوان "أهمية التعليم في مكافحة التطرف والإرهاب"، حيث ناقش الدور الذي يلعبه التعليم في بناء أجيال تملك فكرًا منفتحًا وعقولًا واعية قادرة على مواجهة الأفكار الهدَّامة التي تبثها جماعات التطرف والإرهاب. 

وقد تحدث في هذا المحور مقصود كروز المدير التنفيذي لمركز هداية الدولي للتميز في مكافحة التطرف العنيف، في دولة الإمارات العربية المتحدة، وأكد أن مكافحة التطرف تتطلب نشر ثقافة "التفكير الإيجابي" وتعزيزها، وممارسة قيم "التسامح" و"التعددية"، وتعزيز مبدأ "الوسطية" وقيم "الاعتدال"، وتعزيز دور المرأة في الأسرة والمجتمع، وتعزيز دور التنشئة الأسرية والرعاية الأبوية. 
أما الدكتور عمار علي حسن، كاتب وخبير في علم الاجتماع السياسي في مصر، فقد أشار إلى أن التعليم لا يكفي وحده لهزيمة الإرهاب، بل لا بد أيضًا من زيادة "الجرعة الدينية" في منظومة التعليم، وضرورة إدراك أن التعليم لا ينفصل عن الثقافة؛ وتحدث عن ضرورة مراجعة، ليس المناهج فقط، بل طرق التدريس أيضًا.

غرس الفكر المعتدل
أما المحور الثاني المعنون بـ"تطوير مناهج التعليم لغرس فكر معتدل" فقد سلط الضوء على أهمية تطوير المناهج التعليمية ورفدها باستمرار بمواد تساعد على نشر الوعي في المجتمع، بما يسهم في سدِّ أي ثغرات تحاول أن تنفذ منها جماعات التطرف والإرهاب إلى عقول الشباب. 

في هذا السياق، قال الدكتور خليفة علي السويدي الأكاديمي والإعلامي، في جامعة الإمارات العربية المتحدة، إن المشكلة تكمن في وجود مناهج تُعزز التطرف؛ ولذلك لا بد أن تعمل المناهج على تعزيز الاعتدال، من خلال ربط التعليم بالأهداف الوطنية، التي منها الانتماء إلى الوطن والولاء لقيادته، وتحويل مادة التربية الإسلامية إلى مادة تزكية للأخلاق وغرس معاني الوسطية. 

كما أكد عدم حصر المواطنة والوطنية في مادة واحدة؛ والتركيز على الكيف، وليس الكم، بالنسبة إلى المقررات. ثم تحدث أيضًا عن دور المعلم. وقال إن رخصة المعلم أصبحت ضرورية لكل من يرغب في امتهان هذا الدور في المجتمع؛ كما يجب متابعة ومراقبة المدارس الخاصة.

استقطاب المعلمين ذوي الولاء
من ثم شرحت الدكتورة كريمة المزروعي، المديرة التنفيذية لقطاع التعليم المدرسي بالإنابة، في مجلس أبوظبي للتعليم، كيف استغلت الجماعات المتطرفة النظام التعليمي لاستقطاب أتباع لها من خلال محاولة جذب المعلمين ذوي الولاء، وإعداد مناهج تدعم أيديولوجياتهم. 

وأشارت إلى أهمية الاستفادة من أفضل الممارسات التي نجحت في مجال مكافحة التطرف في دول أخرى، مثل الإشراف على أنشطة ما بعد المدرسة، وتطوير المهارات الاجتماعية لدى الطلبة، وإعداد برامج تدخل مجتمعية، وإعادة تصميم المناهج، ودمج حوار الأديان.