بيروت: يقترب الرئيس السوري بشار الاسد من حسم الحرب لصالحه على حساب خصومه الذين طالبوا بالاطاحة به ونجحوا قبل أكثر من خمس سنوات في حشد تأييد دولي واسع حول هذا المطلب، وراهن الاسد على البقاء في السلطة وبقي، وإن على رأس بلد مدمر واقتصاد منهك.

ويقول الخبير في الشأن السوري في مؤسسة "سانتشوري" للابحاث آرون لوند لوكالة فرانس برس "يسيطر الاسد على الجزء الاكبر من الاراضي السورية والاكثر اكتظاظا بالسكان"، مضيفاً "اعتقد انه سيواصل إدارة الجزء الاكبر من سوريا".

ويرى لوند أن "الحرب تتواصل، لكنه (الاسد) تمكن استراتيجياً من هزم هؤلاء الذين أرادوا الاطاحة به"، مضيفا "باستثناء ظروف غير متوقعة، أعتقد أن الحكومة السورية ستستعيد السيطرة على أراضي البلاد جزءاً بعد الاخر".

ولعب الدعم الروسي والايراني دورا حاسما في ترجيح كفة النظام على الارض. وبعد سلسلة انتصارات ميدانية أبرزها استعادة كامل مدينة حلب (شمال) والسيطرة على اجزاء واسعة من البادية السورية واخيرا كسر الحصار عن مدينة دير الزور شرقا، بات الجيش السوري يسيطر حاليا على اكثر من نصف الاراضي السورية.

وبحسب الخبير في الجغرافيا السورية فابريس بالانش، يقيم في المناطق الواقعة تحت سيطرة القوات الحكومية أكثر من ثلثي السكان، في حين يسيطر الاكراد على 23 في المئة من الاراضي السورية.

في المقابل، لم يبق بيد الفصائل المعارضة وهيئة تحرير الشام (فصائل اسلامية بينها جبهة النصرة سابقا) سوى 12 في المئة من الأرض. وتقلصت مناطق سيطرة تنظيم الدولة الاسلامية الى 15 في المئة، وفق بالانش.

موقع قوة

الاسبوع الماضي، تساءل مبعوث الامم المتحدة الى سوريا ستافان دي ميستورا "هل ستكون الحكومة السورية مستعدة للمفاوضات بعد تحرير دير الزور والرقة أم أنها ستكتفي برفع راية النصر؟"، و"هل ستكون المعارضة قادرة على أن تتحد وأن تكون واقعية لتدرك أنها لم تربح الحرب؟".

وأغضبت تصريحاته المعارضة السورية التي سارعت الى الرد بلسان رئيس وفدها التفاوضي الى جنيف نصر الحريري الذي وصفها بـ"الصادمة والمخيبة للآمال"، مجددا المطالبة برحيل الرئيس السوري بشار الاسد.

لكن هذا المطلب لم يعد يثير استقطابا كما في الماضي، ويأتي في وقت يتربع النظام في موقع قوي جدا، بعد حوالى ست سنوات من نزاع دام.

وشكل مستقبل الرئيس السوري عائقا امام اي تقدم في العملية السياسية بين الحكومة والمعارضة السورية في كل جولات المفاوضات التي حصلت في جنيف منذ العام 2014، في اطار الجهود لتسوية النزاع السوري. 

ورفضت دمشق منذ البداية طرح هذا الموضوع على طاولة المفاوضات، ومن المستبعد جدا ان تقبل به اليوم.

وتسيطر قوات النظام حاليا على أهمّ المدن السورية، وتمتلك قوة نارية قوية لا سيما نتيجة الدعم الكبير من حليفيها روسيا وايران.

وتقول مديرة مركز "كارنيغي" لدراسات الشرق الاوسط مهى يحيى لفرانس برس "لا اعرف اذا كان (الاسد) سينتصر أم لا، لكنه بالتأكيد استعاد زخمه".

لكنها تضيف "إنما بصراحة، هو يستعيد السيطرة على بلد مدمر بالكامل، ولا اعرف ماذا يعني الانتصار في الحرب في هذا السياق"، مضيفة "لا ارى سوريا مستقرة في المستقبل القريب".

ويتحدث محللون آخرون عن هشاشة النظام في بلد يعاني انقسامات عميقة.

ويرى الخبير في الشؤون السورية في جامعة ادنبره توما بييريه ان "الاسد سيبقى طويلاً في السلطة.. لكن مع احتمال كبير بأن تتواصل حركات التمرد المسلحة".

ويضيف "قد لا تشكل هذه الحركات المسلحة تهديداً مباشراً للسلطة المركزية لكن من شأنها أن تزعزع نظاماً ضعيفاً على مستويات عدة اقتصادية واجتماعية وديموغرافية".

اقتصاد منهك

وتسببت الحرب السورية بدمار هائل في البنى التحتية وبمقتل اكثر من 330 الف شخص، بالاضافة الى نزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.

وتبلغ نسبة البطالة في سوريا 50 في المئة، ونسبة الفقر 85 في المئة.

ويتوقع المحلل الاقتصادي ورئيس تحرير النشرة الاقتصادية الالكترونية "سيريا ريبورت" جهاد يازجي أن تشهد سوريا بعد التقدم الميداني للجيش "انفراجاً اقتصادياً لفترة تتراوح بين 18 شهراً وعامين كونه سيتم اصلاح الكهرباء في مناطق معينة كما سيكون بالامكان اعادة استخراج البترول والغاز".

ويضيف "لكن في الوضع الحالي، لا أعتقد ان البلاد يمكن أن تشهد إعادة إعمار نتيجة الخسائر الكبيرة التي منيت بها اقتصادياً".

وقدّر البنك الدولي في تقرير له في يوليو الماضي خسائر الاقتصاد السوري بـ226 مليار دولار جراء الحرب.

وليس بمقدور المصارف السورية ان تتولى إعادة الاعمار حالياً خصوصاً أن قيمة أسهم البنوك الاثني عشر في سوريا تصل الى 3,5 مليارات دولار فقط. كما ان تحويلات المغتربين ضئيلة.

وفقدت الليرة السورية نتيجة الحرب 90 في المئة من قيمتها مقابل الدولار، ما يعكس اقتصادا منهكا جراء تقلص المداخيل والإيرادات وانخفاض احتياطي القطع الأجنبي.

ويوضح يازجي "ان القادرين على تمويل إعادة الاعمار على غرار دول الخليج والاتحاد الاوروبي والبنك الدولي، لا ينوون القيام بذلك حاليا".

ويرفض هؤلاء، بحسب رأيه، تمويل نظام لطالما طالبوا باسقاطه ويتهمونه بانتهاك حقوق الانسان وارتكاب جرائم حرب واستخدام الاسلحة الكيميائية ضد المدنيين، وفق ما أكدت الامم المتحدة مؤخرا.