الرباط: لجأ مصطفى الرميد، وزير الدولة المكلف حقوق الإنسان المغربي، إلى حسابه في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" للتعبير عن موقفه الرافض لما جاء في النظام الداخلي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية من مقتضيات، وذلك في خطوة ليست هي الأولى من نوعها، حيث هاجم بعض النقاط الواردة فيه وعدّها "غير مقبولة"، وقال إنها ستفرغ الإصلاحات المنجزة من مضمونها.

وقال وزير الدولة المكلف حقوق الإنسان "ترددت كثيرا في إبداء رأيي علنا في بعض ما لدي من رأي مخالف لما ورد في النظام الداخلي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية إلى أن شجعني بعض الأصدقاء على إعلان هذا الرأي إبراء للذمة وإقامة للحجة ونصحا خالصا لمن يهمه الأمر، خاصة وأن الموضوع خطير جدا، إذا لم يتقرر عدم دستوريته، وسينسف لا محالة كل الإصلاحات التي تعبت كثيرا في إنجازها وأنا وزير للعدل والحريات مع غيري من الغيورين على القضاء واستقلاله ونزاهته لما فيه خير الوطن والمواطن".

وذهب الرميد في رأيه الذي يرتقب أن يثير موجة من الردود، إلى أن اشتراط النظام الداخلي بيان هوية المشتكي أمام المجلس الأعلى للسلطة القضائية، من شأنه أن يجعل التبليغ عن الفساد "شبه مستحيل إن لم يكن مستحيلا، وهو ما سيفرغ كل الإصلاحات المنجزة من مضمونها ويمنح الفساد مساحات واسعة لكي يصبح عصيا على الحصار محصنا من المساءلة".

وزاد المسؤول الحكومي والقيادي في حزب العدالة والتنمية مبينا موقفه "لا أبالغ إذا قلت إنه ليس من المقبول أن يتضمن النظام الداخلي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية أي قيد على حرية المواطن في التشكي والتظلم، خاصة هذا القيد الذي أقدر أنه مجحف في حقه في اللجوء إلى مؤسسة دستورية جليلة من مستوى المجلس الأعلى للسلطة القضائية والتي يبقى لها الحق الكامل في أن تقدر مدى جدية تظلمه وصحة المعطيات الواردة فيه".

وطرح الرميد مجموعة من الأسئلة التي تدعم موقفه من النظام الداخلي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، حيث قال: "حينما يتعلق الأمر بشكوى بسبب الخرق الخطير لقانون الشكل أو الموضوع، مثلا، فإنه من الطبيعي أن يعلن المشتكي عن نفسه لأنه في هذه الحالة ليس له من سبيل غير ذلك، لكن ما العمل إذا كان هناك مواطن يشتغل إلى جانب قاض فاسد وأراد أن يبلغ عن فساده؟ هل نلزمه بذكر اسمه والإمضاء بتوقيعه؟ وهل مع هذه الاشتراطات سنضمن وجود من يبلغ عن الفساد من الوسط القضائي والاداري؟ ومثل ذلك معارف القاضي الفاسد وجيرانه!!! مع العلم أن حالات التبليغ عن الفساد يكون مصدرها في الغالب هذه الأوساط كما جرى العمل على ذلك عقودا من الزمن يعرفها كل من اشتغل في المؤسسات التي تعنى بشأن القضاة".

وقدم وزير الدولة المغربي في تدوينته مجموعة من الأدلة التي عدها كافية ل"استدراك ما ذكر ولتصحيح ما اعتل ممن له حق الاستدراك أو التصحيح"، مسجلا أن الدستور ينص صراحة في الفصل 154 على أن المرافق العمومية تخضع لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية، و"لا أشك قيد أنملة في أن اشتراط بيان هوية المشتكي سيمس في الصميم ما ينبغي أن يخضع له مرفق القضاء من محاسبة ومسؤولية".

وأضاف الرميد أن الفصل 156 من الدستور ينص أيضا على أن المرافق العمومية تتلقى ملاحظات مرتفقيها واقتراحاتهم وتظلماتهم وتؤمن تتبعها، قبل ان يتساءل "فمن أين لأحد أن يقيد حقا مطلقا ورد به نص الدستور بقيد يفرغ الحق من مضمونه بمقتضى نظام داخلي؟" ثم أجاب "إن واجب المرافق العمومية يقتضي تلقي التظلمات كل التظلمات وتتبعها وليس وضع الموانع القانونية أمامها!!"، على حد تعبيره.

وأفاد الرميد بأن المادة 85 من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية تنص على أن الرئيس المنتدب للمجلس يتلقى ما ينسب إلى القاضي من إخلال يمكن أن يكون محل متابعة تأديبية، مؤكدا أنه من المعلوم ان المطلق" يبقى على إطلاقه ولا يمكن لقانون أدنى من مستوى النظام الداخلي أن يقيد مطلق الحق الوارد به قانون تنظيمي يكمل الدستور نظرا لما ينص عليه الدستور نفسه من تراتبية قانونية جديرة بالاحترام التام، ولأجله شرعت المحكمة الدستورية التي ترعى مدى دستورية النص المعروض عليها بناء على تلكم التراتبية".

وسجل وزير العدل والحريات السابق ان إتفاقية مكافحة الفساد التي صادق عليها المغرب وأصبحت جزءا من قانونه الداخلي، كما هو مقرر بمقتضى الدستور، و"تنص المادة 13 على أن على كل دولة طرف أن توفر للناس سبل الاتصال بهيئات مكافحة الفساد، وهي هنا المجلس الأعلى للسلطة القضائية، دون بيان هوياتهم"، "فهل يعقل بعد هذا النص الصريح اشتراط ما من شأنه أن يمنع فئات عدة من إمكانية التواصل مع هذه المؤسسة إحقاقا للحق وإزهاقا للباطل؟"، يورد الرميد.

ومضى وزير الدولة المكلف حقوق الإنسان مبينا أن اتفاقية مكافحة الفساد تنص أيضا في المادة 7 على "واجب كل دولة طرف في إرساء تدابير تيسر قيام الموظفين العموميين بإبلاغ السلطات المعنية عن أفعال الفساد عند انتباههم إلى مثل هذه الأفعال أثناء أداء وظائفهم. وهذا المقتضى يهم حتما فئة من الناس من الوسط القضائي والإداري الذي يمكن أن يكون به شيء من الفساد، وبالتالي فإن اشتراط بيان الهوية سيحرم هذه الفئة من أداء هذا الواجب كما تمت الإشارة إلى ذلك سابقا".

 وأشار الرميد إلى أن الاتفاقية المذكورة تنص صراحة في المادة 11 على أن تتخذ كل دولة طرف دون مساس باستقلالية القضاء "تدابير لدعم النزاهة ودرء فرص الفساد داخل الجهاز القضائي وذلك باعتبار ما للقضاء من دور في مكافحة الفساد".

وأكد وزير العدل والحريات السابق أن استقلال القضاء أصبح مضمونا بشكل تام و"لا عذر لأي قاض إن هو لم يصن استقلاله ويحكم ضميره ولا شيء غير ضميره"، مشددا على أن "ليس هناك أي قوة تملك أن تؤثر في استقلال القاضي. إن القاضي يملك حقه الكامل في الحكم وفق مايراه ويقدره هو، وليس غيره في إطار ما ينص عليه الدستور والقانون. وعلى هذا الأساس فإن الذي ينبغي اليوم التأكيد عليه هو حق المواطن على القاضي في أن يحكم في قضيته باستقلال وحياد ونزاهة. لذلك فكما تضمن القانونان التنظيميان كافة ضمانات استقلال السلطة القضائية تضمنا المقتضيات التي تؤسس لمساءلة القاضي إن هو أخل بواجب القضاء بحكم عادل داخل أجل معقول".

وأشار الرميد إلى أن الأنظمة الداخلية للمؤسسات الدستورية تكتسي "أهمية خاصة ما جعل مؤسسة الرقابة الدستورية السابقة والحالية تولي اهتماما بالغا بها، لم تواكبه الدراسات القانونية ولا الرأي العام الحقوقي بما يستحق من اهتمام"، وذلك في انتقاد واضح منه لصمت الحقوقيين القانونيين الذين لم يحظ النظام الداخلي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية باهتمامهم اللازم، حسب الرميد.

يشار إلى أن القيادي في حزب العدالة والتنمية ووزير الدولة لجأ في الكثير من المناسبات إلى حسابه في موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك" للتعبير عن مواقفه الرافضة لبعض السياسات أو القرارات، مثل تدبير وزارة الداخلية لملف الانتخابات التشريعية السابقة، وكذا تفاعله الغاضب مع تسريب فيديو شبه عار لناصر الزفزافي، متزعم حراك الريف المعتقل من داخل السجن.