يسعى ثلاثة جنرالات في ادارة الرئيس الاميركي دونالد ترمب، يشكلون ما يسمى بـ"محور العقلاء"، جاهدين الى فرض نمط عمل يتسم بالنظام والانضباط داخل البيت الابيض الذي يشهد احيانا فوضى عارمة.

وقضى الثلاثي المكون من وزير الدفاع جيم ماتيس وكبير موظفي البيت الأبيض جون كيلي ومستشار الأمن القومي هربرت ريموند ماكماستر، فترة الصيف يلملمون شظايا الأزمات التي تسبب بها ترمب ويحاولون منع خروج خلاف جديد مع كوريا الشمالية بشأن برنامجها النووي عن السيطرة. 

وطمأن النفوذ المتنامي لهؤلاء الثلاثة الذين يلقبهم ترمب بـ"جنرالاتي" بعض الحلفاء والمعارضين السياسيين على حد سواء، في حين أعرب البعض عن دهشتهم من تسلم عسكريين مناصب عادة ما تعهد لموظفين مدنيين. 

وقال السناتور الديموقراطي ريتشارد بلومنثال لصحيفة "واشنطن بوست" إن "هناك بالتأكيد شعورا لدى العديد من زملائي بأنهم يمثلون ثقلا من اجل توازن الكفة وتوفير شعور بالتناسق والعقلانية في بيت أبيض كثيرا ما تشوبه الاضطرابات". 

وتسلطت الأضواء على مدى أهمية الجنرالات في تجميل المشهد في دائرة صنع القرار الأميركي مع تعيين كيلي، الجنرال صاحب أعلى رتبة في قوات المارينز والذي تقاعد مؤخرا وخدم في الجيش خلال حربي الخليج والعراق، في منصب كبير موظفي البيت الأبيض.

وسارع كيلي، الذي كان وزير الأمن الداخلي وخلف الجمهوري راينس برايبوس، إلى فرض النظام فأزاح المتحدث المتهور باسم الرئيس، انطوني سكاراموتشي.

وأشارت تقارير إعلامية إلى أنه قلص عدد الأشخاص الذين بإمكانهم رؤية ترمب، بما فيهم ابنته ايفانكا. 

لكن كيلي غير قادر على السيطرة بشكل كامل على رئيسه، وهو ما انعكس اثناء مؤتمر صحافي كارثي عُقِد الشهر الماضي حيث دافع ترمب عن أنصار نظرية تفوق العرق الأبيض بعد أعمال عنف دامية وقعت في مدينة شارلوتسفيل بولاية فرجينيا. 

وقال إليوت كوهين، الاستاذ في جامعة "جونز هوبكينز للدراسات الدولية المتقدمة" وهو على صلة بالجنرالات الثلاثة، إنهم "لا يمكنهم السيطرة على كل ما يتفوه به (ترمب) ولكن بإمكانهم تهدئة الأمور".

- "معجب بالعسكر" -

ويعود إعجاب ترمب بالعسكر إلى شبابه عندما أرسله والده إلى أكاديمية عسكرية خاصة في نيويورك، حيث ارتدى الطلاب بزات عسكرية ومنحوا رتبا. 

ورغم حصوله على تأجيل لأداء الخدمة العسكرية خمس مرات خلال حرب فيتنام، إلا أن ترمب يولي أهمية كبرى للجيش حيث تعهد مرارا بزيادات "تاريخية" في الانفاق الدفاعي. 

وأوضح كوهين أن الرئيس الأميركي "معجب بالعسكر" كونه هو "هو وهم أقوياء". 

وعين ترمب كذلك مايكل فلين، وهو جنرال متقاعد آخر برتبة ثلاث نجوم، كأول مستشار له للأمن القومي قبل أن يُقال بسبب اتصالاته السرية مع روسيا.

وتم تعيين عسكري آخر بثلاث نجوم، اللفتنانت جنرال المتقاعد كيث كيلوغ، لرئاسة مجلس الأمن الوطني. 

لكن جوناثان ستيفنسون من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، نوه إلى أن العسكر ليسوا بالضرورة الخيار الأفضل لتولي الوظائف المدنية. 

وقال لوكالة فرانس برس "يكون الجنرالات أقرب عادة إلى القرارات والأنشطة العملاتية، وغالبا ما يفتقدون إلى الرؤية وبعد النظر لوضع الاستراتيجيات الكبرى وتشكيل توجه الدولة". 

وأشار إلى أن ترمب يعتمد على الجنرالات لأسباب عدة، بينها أنه "يدرك على الأرجح في اللاوعي ان تعجرفه فارغ" ولأنه "يريد كسب بعض القوة بسرعة".

لكنه أضاف أنه عبر خدمتهم لترمب، يخاطر الجنرالات بتقويض قيمهم العسكرية التي حظوا بها جراء خبراتهم الطويلة. 

وأشار إلى محاولات ماكماستر تبرئة الرئيس بعدما وردت تقارير تفيد بأن الأخير افشى إلى مسؤولين روس معلومات استخباراتية حساسة مصدرها اسرائيل، إضافة إلى دعمه خطة جديدة بشأن النزاع الافغاني وصفها ستيفنسون بأنها "نصف جاهزة". 

وأضاف "لكل تلك الأسباب، هناك بعض الأمل بأن يكبح الجنرالات جماح ترمب بشكل كاف لتفادي حرب مأساوية في شبه الجزيرة الكورية".

وماكماستر هو لفتنانت جنرال في الجيش ألف كتابا تحت عنوان "التقصير في أداء الواجب" تناول فيه الاخفاقات في القيادة اثناء حرب فيتنام. 

- كوريا الشمالية -

وعندما أطلقت بيونغ يانغ صاروخا بالستيا مر فوق اليابان الشهر الماضي، حذر ترمب من أن الخيارات العسكرية مطروحة وأصر على أن المفاوضات "ليست الحل". 

إلا أن ماتيس سارع إلى التخفيف من وطأة تصريحات سيد البيت الأبيض، مؤكدا أن السبل الدبلوماسية للتعاطي مع الأزمة لم تنفذ بعد. 

ويعد ماتيس، الباحث الذي عرف عنه اقتباسه أقوال شخصيات تاريخية مثل الجنرال الاغريقي ثوسيديدس، نقيضا في أمور عدة لترمب -- الذي أقر بأنه لا يقرأ كثيرا. 

وسلط الإعلام الأميركي الأضواء كثيرا على التباين الجلي بين الرجلين، إلا أن ماتيس يصر على أنهما متفقان. 

وقال وزير الدفاع للصحافيين "لو قلت أنا ستة وقال الرئيس نصف دزينة، فسيقولون إنني اختلف معه (...) فلنتجاوز ذلك". 

وأكد ستينفسون أن ماتيس ضروري في إدارة ترمب كونه "رجل عقلاني بالمجمل يتمتع باحترام واسع في أوساط الجيش -- انطلاقا من الجنود العاديين ووصولا إلى كبار المسؤولين". 

إلا أن بعض المراقبين يعربون عن مخاوفهم بشأن الظهور الزائد للشخصيات التي تحمل عقليات عسكرية.

وكتب اللفتنانت جنرال المتقاعد ديفيد بارنو ونورا بنساهل من قسم الخدمة الدولية في الجامعة الأميركية أنهما قلقان تحديدا من وصول كيلي إلى منصب كبير موظفي البيت الأبيض، وهي وظيفة سياسية حزبية. 

وقالا "من خلال ترقية جنرال متقاعد إلى ما ينظر إليه على أنه ثاني أكثر منصب يحمل أهمية في الجناح الغربي (للبيت الأبيض)، لم يعد نفوذ العسكريين في الوظائف الرفيعة في الإدارة محصورا في إطار الأمن القومي".