لندن: حين بدأت قناة "روسيا اليوم" الحكومية الفضائية بثها في منتصف سبتمبر 2005 كانت مهمتها الأساسية تغيير نظرة العالم الى الروس على انهم "دببة سائبة تزمجر في الشوارع". وأخذت برامجها تُبث في تلفزيونات غرف الفنادق وتجد طريقها حتى الى شبكات الكابل الاميركية. ولكن بعد ثلاث سنوات على اطلاق الشبكة لم تلق اهتماماً يُذكر أو تمارس تأثيراً محسوساً في الخارج. وخلصت رئيسة تحرير القناة مارغريتا سيمونيان الى ان مهمة القناة في التركيز على روسيا بحاجة الى اعادة نظر.

لذا بدأت قناة "روسيا اليوم" في عام 2008 بتجديد نفسها. وقُدمت الشبكة باسم جديد هو "آر تي" وتعاقدت مع شركة ماكان الاميركية للاعلان التي ساعدت الولايات المتحدة في ترويج مشروع مارشال بعد الحرب العالمية الثانية. وسرعان ما أطلقت قناة فضائية جديدة في الولايات المتحدة باسم "آر تي اميركا". وبدلا من الدعاية لروسيا وجهت الشبكة انظارها النقدية صوب العالم وخاصة الولايات المتحدة. وكانت الفكرة ، كما تنقل صحيفة نيويورك تايمز ، عن المتحدث الرئاسي الروسي ديمتري بيسكوف هي "لماذا تنتقدوننا في الشياشان؟ انظروا الى ما تفعلونه هناك في الولايات المتحدة بعلاقتكم بين البيض والسود. لذا قالت قناة آر تي "كفوا عن انتقادنا وسنحدثكم عن أنفسكم"..." واضاف بيسكوف "فجأة رأى الانغلوساكسون ان هناك جيشاً من الطرف المعاكس ايضاً".

نظرية المؤامرة

ومن البداية حرصت قناة آر تي على ابراز اشخاص يؤمنون بنظرية المؤامرة بما في ذلك اعتقادهم بأن هجمات 11/9 كانت عملية مدبرة من داخل الولايات المتحدة وان مقتل اسامة بن لادن مسرحية من اخراج اميركي فضلا عن مخططات مجموعة بيلدربرغ للسيطرة على العالم.

ولخدمة أهدافها ضد مؤسسة الحكم في الولايات المتحدة كانت القناة لا تتردد في استضافة آراء من اليسار المعادي للعولمة ومن اليمين المعادي لدور الدولة وضوابطها. وكانت تغطية آر تي الاخبارية تركز على الفقر والاضطهاد العرقي في الولايات المتحدة وحققت اختراقها الاعلامي من خلال تغطية الاحتجاجات التي شهدتها الولايات المتحدة في اطار حركة "احتلوا وول ستريت!" واسفرت هذه التغطية التي رُشحت قناة آر تي بسببها لإحدى جوائز إيمي التلفزيونية العالمية عن تحالف مع جوليان اسانج مؤسس موقع ويكيليكس الذي تعاقدت معه القناة لتقديم برنامج حواري استمر 12 حلقة في عام 2012.

يقول ديمتري كيسليوف اكثر المقدمين شعبية على القناة التلفزيونية الروسية الحكومية في الداخل "ان الموضوعية خرافة. تخيلوا شاباً يحيط كتف فتاة بذراعه ويقول لها "أتعرفين إني كنتُ أُريد ان اخبرك منذ فترة طويلة بأني أُعاملك معاملة موضوعية". هل هذا ما تنتظره الفتاة؟ وعلى الغرار نفسه فان ما يحتاج اليه بلدنا روسيا هو حبنا وإذا تحدثنا عن سياسة التحرير في الاعلام فأنا بالطبع أُريدها ان ترتبط بحب روسيا". وقال كيسليوف ان الصحافة أداة بيد البلد.

بعد ثلاثة اسابيع اعلن كيسليوف تعيين سيمونيان رئيسة تحرير روسيا سيغودنيا. واعادت سيمونيا تغيير اسم الفرع الدولي لوكالة ريا نوفوستي الى سبوتنيك. وأوضحت سيمونيان ان سبوتنيك هي الكلمة الروسية الوحيدة التي لها رنين ايجابي والعالم كله يعرفها ، في اشارة الى اول قمر اصطناعي في العالم اطلقه الاتحاد السوفيتي عام 1957. وقدم كيسليوف خدمة سبوتنيك الاعلامية على انها سلاح دفاعي قائلا ان الجمهور سأم من الدعاية التي تروج عالماً احادي القطبية من الغرب.

التوسع الى بريطانيا والمانيا

في هذه الاثناء اعدت سيمونيان خططاً جديدة لقناة آر تي تضمنت التوسع الى بريطانيا والمانيا. واصبحت آر تي مع سبوتنيك نواة شبكة اعلامية قوية موالية لروسيا وفي كثير من الأحيان معادية للغرب ، على حد وصف صحيفة نيويورك تايمز مشيرة الى ان آر تي تعمل على طريقة شبكة الكابل التقليدية في حين ان سبوتنيك شقيقتها الشابة الأكثر جرأة في الكلام.

وكان هذا الثنائي الاعلامي يعبر عن تفكير القيادة الروسية في الاستراتيجية الاعلامية بطرق بجديدة. وفي اوائل 2013 نشر الجنرال فاليري غيراسيموف مقالة في مجلة الجيش الروسي لاحظ فيها دور تويتر وشبكات التواصل الاجتماعي في اشعال شرارة الربيع العربي. وقال ما معناه ان هناك وسائل جديدة يمكن من خلالها خوض حرب "سياسية ، اقتصادية ، اعلامية بتوظيف الطاقة الاحتجاجية للسكان". واقدم الجيش الروسي على تغيير تعريفه للنزاع العسكري الحديث في ضوء ما كتبه غيراسيموف.

واصبح المسؤولون العسكريون في اميركا واوروبا يشيرون الى هذه الفكرة على انها "مبدأ غيراسيموف" أو "الحرب الهجينة" التي يتهمون روسيا بخوضها الآن. وحين سألت صحيفة نيويورك تايمز المتحدث الرئاسي الروسي بيسكوف عن هذه التهمة قال ان الجميع يمارس هذه اللعبة "وإذا سمَّيتم ما يجري الآن حرباً هجينة فلتكن حرباً هجينة. هذا لا يهم. فهي حرب".

دور روسيا في الانتخابات الرئاسية الاميركية

في هذه الاثناء يجري التحقيق في دور روسيا في الانتخابات الرئاسية الاميركية. وكانت هناك عمليات القرصنة التي استهدفت خوادم قيادة الحزب الديمقراطي واتهمت اجهزة الاستخبارات الاميركية روسيا بالضلوع فيها قبل الانتخابات. ولكن هناك احساساً بأن الاعلام الروسي وشبكات التواصل الاجتماعي الروسية أسهمت في الفوضى المعلوماتية التي عمت الولايات المتحدة وخاصة الأخبار الكاذبة ونظريات المؤامرة التي اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي في المرحلة النهائية من الانتخابات. 

حين سُئلت مارغريتا سيمونيان رئيسة تحرير قناة آر تي عن رأيها بوصف اجهزة الاستخبارات الاميركية لشبكة الاعلام الروسية في الخارج ومنها قناتها بأنها "آلة حرب هجينة" قالت ان هذه الاوصاف "تضع على القائمة السوداء كل تغطية اخبارية ، بما في ذلك في وسائل اعلام اميركية ، على انها حملة موالية لروسيا إذا كانت فيها اي حقائق أو آراء لا تؤيد السرد المطلوب" والسرد المطلوب تأييده الآن هو "ان كل مشاكل العالم سببها بوتين". 

تباهى السفير الروسي في الأمم المتحدة فيتالي تشوركين مؤخرا بهذا النفوذ وخاصة دور قناة آر تي قائلا "الجميع يتابعها ، دبلوماسيون ، سفراء ، وزراء خارجية ، رؤساء دول". وفي تلميح الى تقرير أخير للاستخبارات الاميركية عن الشبكة لاحظ ان البعض ينتقدها ولكن هذا قد لا يكون امرأ سيئاً. وأعلن تشوركين "انهم يبدون وكأنهم ممثلو آر تي في مجال العلاقات العامة". 

 

اعدت "ايلاف" هذا التقرير بتصرف عن "نيويورك تايمز". الأصل منشور على الرابط التالي

https://www.nytimes.com/2017/09/13/magazine/rt-sputnik-and-russias-new-theory-of-war.html?smid=tw-nytimes&smtyp=cur