في الوقت الذي كان يأمل فيه الشعب المصري عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير، والتي أطاحت بنظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، أن تعود أموال مصر التي نهبها رموز النظام انذاك إلى الشعب، وأن تتم محاكمتهم في قضايا الفساد التي ما زال يعانيها المصريون، ولكن أصبح الواقع مختلفًا كثيرًا فقد تلاشى بشكل نهائي حلم المصريين في عودة أموال نظام مبارك، وتحولت وعود وتأكيدات الحكومات منذ ثورة يناير بعودة تلك الأموال إلى أكذوبة كبيرة على الشعب.

أحمد حسن من القاهرة : تلقت الحكومة المصرية ضربة قوية، بشأن تحديد مصير أموال نظام مبارك المهربة في الخارج، حيث أعلنت السفارة السويسرية في القاهرة مؤخرًا، أن السلطات القضائية السويسرية أبلغت النائب العام المستشار نبيل صادق، بغلق إجراءات المساعدة القانونية المتبادلة التي فتحت في أعقاب ثورة 25 يناير 2011، بشأن أموال رموز نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك من دون أن تسفر عن نتائج مادية.

وأكدت السفارة في بيان لها، استمرار التحقيقات في سويسرا ومصر بشكل مستقل، وأنها لم تتخذ القرار النهائي بشأن الأموال بعد، فهذا الأمر يعتمد على عوامل أخرى (لم تحددها)، وتعليقًا على قرار السفارة، قال فريد الديب، محامي مبارك، في تصريحات صحافية،: "إن الأموال الموجودة بالخارج تخص نجلي مبارك (علاء وجمال) وآخرين من المسؤولين السابقين ".

وأكد الديب أن الإجراء السويسري الأخير يعد تمهيدًا لعودة الأموال لأصحابها، بعدما تبين أن التهم الموجهة لهم غير حقيقية، وكذلك براءتهم من أغلب التهم داخليًا _حسب قوله _ .

من جانبها نشرت صحيفة «أوستسكويز آم سونتاج» السويسرية تقريرًا يفيد بأن الإجراءات السويسرية المتعلقة بالأموال المجمدة المرتبطة بالرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك ونظامه وصلت إلى طريق مسدود الآن، موضحًة أن مكتب النائب العام السويسري توقف عن تقديم المساعدة القانونية للطلبات المعلقة من مصر.

وأضافت الصحيفة، أن النائب العام السويسري سيسمح لمصر بالاطلاع على الإجراءات الجنائية السويسرية في الفترة الماضية بشكل كامل، وبحسب الصحيفة فإن هذه القرارات تعني أن النائب العام ينهي التحقيقات حول أموال مبارك ونظامه في البنوك السويسرية التي دامت ست سنوات، حيث شملت التحقيقات الجنائية حاليًا ستة أشخاص من نظام مبارك والتحقيق حول 430 مليون فرنك سويسري أي ما يعادل 446 مليون دولار.

حجم الأموال

وكان البنك الدولي في عام 20012 قدر حجم الأموال المصرية المهربة في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك بنحو 134 مليار دولار على مدى 30 عامًا، وهو الرقم الذي أورده مجلس النواب في عام 2012، وهو ما أكدته أيضًا منظمة غلوبال "فاينانشيال انتجريتي" الأميركية لمكافحة تهريب الأموال، عقب ثورة 25 يناير 2011، في حين إعلان هيئة النيابة الإدارية بأن تلك الأموال المنهوبة تقدر بنحو 3.8 مليارات دولار سنويًا.

وكانت الحكومة المصرية قد أعلنت في نهاية أغسطس من العام الماضي أن حجم الأموال المهربة وممتلكات الرئيس المخلوع حسني مبارك وآخرين تبلغ نحو 590 مليون فرنك سويسري، في حين قدر تقرير لصحيفة "الغارديان" البريطانية ثروة مبارك بـ70 مليار دولار، كما أعلنت لندن في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي تجميد 135 مليون دولار مملوكة لأسرة مبارك في 2012 استجابة لمطالبات الحكومة المصرية آنذاك.

وفي شهر ديسمبر 2016 طلبت الحكومة المصرية السلطات السويسرية والاتحاد الأوروبي، لتجديد تجميد أموال الرئيس الأسبق حسني مبارك، و١٨ مسؤولًا آخرين في نظامه السابق، وذلك بعد تقديم الأدلة والمستندات الدالة على استمرار التحقيق مع هؤلاء المتهمين بتهمة الفساد المالي والعدوان على المال العام والكسب غير المشروع.

واستجابت السلطات السويسرية فعليًا لطلبات تجميد أموال مبارك ورموز نظامه لمدة سنة اعتبارًا من ١٧ فبراير ٢٠١٧ وحتى ١٧ فبراير ٢٠١٨، كما استجاب الاتحاد الأوروبي إلى تجميد الأموال لمدة ٣ سنوات اعتبارًا من مارس ٢٠١٧ وحتى مارس2020.

التصالح أولًا

من جانبه يرى الدكتور محمد كمال، أستاذ القانون الدولي في الجامعة الأميركية، أن استرداد نجلي مبارك للأموال المنهوبة في البنوك السويسرية بات أمرًا وشيكًا بعد تبرئتهما في جميع قضايا الفساد المالي الموجهة ضدهما.

مؤكدًا لـ"إيلاف" أن قرار النائب العام السويسري بغلق إجراءات المساعدة القانونية المتبادلة، التي فتحت في أعقاب ثورة 25 يناير 2011، بشأن أموال رموز نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، يشير إلى أن الجانب السويسري تأكد على مدار السنوات الماضية من عدم جدية التحقيقات المصرية في تقديم أدلة حاسمة تثبت أن الأموال المهرّبة جاءت بطرق غير شرعية وعن طريق التلاعب وفساد أصحابها، وما زاد من يقين الجانب السويسري حصول جميع الشخصيات المجمدة أموالهم على أحكام نهائية بالبراءة.

وأضاف الدكتور محمد كمال، أن الحكومة المصرية ليس أمامها سوى التصالح والتفاوض مع أصحاب الأموال المجمدة، متوقعًا في الوقت نفسه عدم موافقة أصحاب الأموال المهربة على استرجاعه بشكل مباشر في حال عدم التصالح خوفًا من قيام الحكومة بمصادرتها، وبالتالي تتحول القضية من دولية إلى شأن داخلي، وبالتالي سيقوم رموز نظام مبارك بالإبقاء على أموالهم في البنوك السويسرية، كما هي باعتبار ذلك المكان الآمن لهم لحين وضوح الرؤية القانونية بشكل نهائي من الجانب المصري.

الطريق للتفاوض

في السياق ذاته، أكد الدكتور محمود الشريف، الخبير الاقتصادي، لـ"إيلاف" أن الطريق الوحيد لاسترداد أموال مبارك و6 من نظامه، هو تصالح الدولة معهم، كما حدث بالفعل مع رجل الأعمال حسين سالم، حيث استطاع أن يسترد 80 مليون فرنك سويسري (مليار ونصف جنيه)، من خلال مصالحته مع مصر مقابل دفع ما يقرب من 6 مليارات جنيه إلى الدولة.

مشيرًا إلى أن الحكومة المصرية تسعى حاليًا من خلال التواصل مع الجانب السويسري الحصول على نسبة 70 % من حجم الأموال المهربة في الخارج على أن تترك نسبة 30% من تلك الأموال تحت حرية تصرف مبارك ورموز نظامه ويحق لهم استرجاعها لداخل مصر .

وتوقع الخبير الاقتصادي حدوث تطورات جديدة خلال الأشهر المقبلة، بشأن عودة الأموال المهربة بالخارج، حيث ستقوم الحكومة بتكثيف التفاوض مع أصحاب تلك الأموال للوصول لحلول وسط حول خطوات التصالح معهم، مقابل حصول الدولة على جزء من الأموال المهربة بالخارج، خاصة وأن الطرق القانونية حاليًا وصلت لطريق مسدود بين مصر وسويسرا .