كركوك: لم ينم سكان كركوك ليل الأحد، بل جابوا شوارع المدينة في مواكب سيارة وأطلقوا الأبواق احتفالا بقرار مشاركة محافظتهم المتنازع عليها بين بغداد وأربيل، في الاستفتاء التاريخي على استقلال إقليم كردستان الذي بدأوا التصويت عليه صباح اليوم.

في الصباح، ساد هدوء تام الشوارع التي تشهد انتشار امنيا كثيفا لقوات الاسايش (قوى الامن الكردية)، لا سيما عند أبواب مراكز الاقتراع، الى جانب وجود لقوى الشرطة المحلية التابعة لحكومة بغداد.

في مركز اقتراع أقيم في مدرسة المتوكل الابتدائية في وسط المدينة، شاهد صحافي في وكالة فرانس برس ناخبين وناخبات يرتدون الزي الكردي التقليدي يدخلون بفرح واضح للادلاء بأصواتهم. لكن بعد ساعتين من فتح مراكز الاقتراع، كان الاقبال لا يزال ضعيفا.

وقالت ابتسام محمد (٤٥ عاما) بعد الادلاء بصوتها لوكالة فرانس برس "صوت بكل شرف. لو كان لدي ٢٠ إصبعا لكنت صوتت بالأصابع العشرين من أجل دولتي".

ورفعت إصبعها الذي بدا عليه الحبر الازرق للتأكيد على انها أدلت بصوتها. ووضع عدد من الناخبين وشاحا على أعناقهم بألوان علم كردستان.

وقال توانا عبد الدين (33 عاما) من قوات الاسايش "صوتت للدولة التي اريدها، لمستقبل افضل، ولأمان أكثر"، مضيفا "كل شخص يتمنى أن يكون له وطن يعيش فيه بأمان".

وبدت حركة السير خفيفة جدا بالمقارنة مع يوم امس الذي عمت فيه الاحتفالات الشوارع. لكن من المآذن، ارتفعت هتافات التكبير، وكأنه يوم عيد.

رقص وزغاريد

وكانت كركوك انفجرت فرحا مساء الاحد بعد إعلان رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني المضي في استفتاء يثير غضب الحكومة الاتحادية في بغداد.

وبدأت السيارات تجوب وسط المدينة رافعة الأعلام الكردستانية ومطلقة أبواقها إيذانا ب"فجر جديد"، كما قال نوزاد حميد لوكالة فرانس برس.

وقال حميد الذي لف نفسه بالعلم ذي الألوان الخضراء والبيضاء والحمراء وتتوسطه شمس، "هذه الشمس ستشرق غدا، غدا فجر جديد للأكراد، ولكل أهالي كركوك وكردستان".

ووقفت فتيات على سيارة بيك آب بيضاء اللون لوّنن وجوههن بعلم "الدولة"، يرقصن ويهللن ويطلقن الزغاريد، على مرأى من قوات الأمن التي انتشرت ليلاً في شوارع المدينة تحسباً لأي إشكال.

ويتالف سكان المدينة من اكراد وتركمان أعلنوا رفضهم لاجراء الاستفتاء وعرب. ولا تشكل المدينة جزءا من اقليم كردستان، لكن الاكراد يريدون ضمها اليه، الامر الذي ترفضه الحكومة العراقية المركزية.

الاستفتاء للجميع

وقالت مديرة مدرسة المتوكل، المعاونة في المركز الانتخابي، لفرانس برس "الاستفتاء هو لكل محافظة كركوك وليس للأكراد فقط. انا عربية، وأنا مع الاستفتاء بهدف ضمان الحقوق والأمن والعيش برفاهية".

ويرى بعض العرب القاطنين في المنطقة أن استقلال الإقليم واقتصاده سيحسن من مستوى معيشتهم.

وقال سلام جمعة (٣٩ عاما)، وهو صاحب محل زهور في كركوك، "الاستفتاء حرية تعبير. فليصوّت الناس بنعم او لا. الاستفتاء لن يحل المشاكل في يوم واحد. نحن العرب والتركمان لسنا مع الاستفتاء ولا ضده، نريد السلام فقط".

وأضاف "أنا سأصوت لنفسي، كي لا يضيع صوتي. سأصوت لما أراه صحيحا. وهذا ما قلته لزوجتي. سأصوت لما أعتقد به".

كبة الموصل ولبن أربيل

وكان محافظ كركوك نجم الدين كريم الذي أقاله البرلمان العراقي قبل أسبوعين رداً على تأييده للاستفتاء، عقد مؤتمرا صحافيا في منزلهن قال فيه "غدا هو اليوم الحاسم. أدعو جميع مواطني كركوك من التركمان والعرب والاكراد والكلدان والآشوريين والمسلمين والمسيحيين والسنة والشيعة الى أن يتوجهوا لصناديق الاستفتاء ويصوتوا بنعم لاستقلال كردستان".

وصباح الاثنين، كان سامي عبد الرحمن (22 عاما)، وهو طالب هندسة معمارية، أحد الذين لبوا النداء.

وقال لفرانس برس بعد خروجه من مركز الاقتراع "كنت انتظر هذا اليوم منذ ولدت. هذا عيد مولد جديد بالنسبة الي. أنا سعيد جدا".

واضاف "جدتي لم تستطع الحضور لانها مريضة جدا. قالت لي +عليك أن تصوت بنعم+ لان اعمامي استشهدوا من أجل هذا اليوم. فكيف اقول لا لاستقلال كردستان؟".

لكن من الواضح أن الاستفتاء لا يحظى بالإجماع في المدينة التي أطلق عليها يوما الرئيس العراقي السابق جلال طالباني اسم "قدس كردستان"، بسبب القلق من تداعيات سلبية محتملة لنتائج الاستفتاء، ووسط تحذير البعض من أن يكون شرارة لانطلاق حرب اهلية.

ويلجا بعض سكان كركوك الى الفكاهة لتنفيس التوتر، فيذكر أحدهم ان الموصل، ثاني أكبر مدن العراق والتي عانت من سيطرة تنظيم الدولة الاسلامية بين 2014 و2017، تشتهر بالكبّة، بينما عاصمة الإقليم الشمالي إربيل، معروفة باللبن الطيب. ويقول "انتظرنا ثلاثة أعوام لنستعيد كبّة الموصل، لا نريد اليوم أن نخسر لبن أربيل".