تكاد التهديدات الأميركية – الكورية الشمالية المتبادلة تصل إلى حد الضغط على الزناد النووي وحصول الكارثة البشرية، إلا أن أغلبية عظمى من قراء "إيلاف" لا يخشون حدوث حربًا نووية اليوم، فهذه الحرب لا تصب في صالح أحد، والمنطق السليم سيسود في نهاية المطاف.

في إطار استفتائها الأسبوعي، سألت "إيلاف" قارئها بجدية: "هل تخشى حربًا نووية وشيكة؟". أتت الإجابات بـ "لا" طاغية إذ وصلت نسبتها إلى 77 في المئة، مقابل 23 في المئة يشعرون بالخوف من اندلاع الحرب النووية المدمرة التي يتراشق التهديد بها كلٌّ من الرئيس الأميركي دونالد ترمب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون.

تهديدات متبادلة

الولايات المتحدة وكوريا الشمالية يتبادلان التهديدات بضربات عسكرية ترفع من مخاطر حرب نووية بين البلدين، خصوصًا بعد اللهجة التصعيدية التي توعد بها ترمب كوريا الشمالية بمواجهتها بالنار والغضب بسبب تجاربها النووية، وبسبب إصراره على ألا يمر وقت لا تكون فيه بلاده هي الأقوى في العالم.

 هو غرّد على تويتر في أغسطس الماضي قائلًا: "أول أمر أصدرته بعد تنصيبي رئيسًا هو تحديث الترسانة النووية الأميركية. وهي اليوم أقوى وأفعل من أي وقت مضى، ونأمل ألا نضطر إلى استخدام، لكن لن يمر وقت لا تكون فيه أميركا الدولة الأقوى في العالم".

ردت بيونغ يانغ حينها بتهديد جزيرة غوام في المحيط الهادي، وهي أكبر قاعدة أميركية في الشرق الأقصى.

وقالت وكالة الأنباء الكورية الشمالية إن الهجوم الصاروخي على غوام وارد "في أي لحظة"، والمنصات الصاروخية تنتظر إشارة من كيم جونغ أون لتنفيذ الأمر.

في خضم هذا التهديد الأميركي والوعيد الكوري، وفيما كانت أنظار العالم شاخصة إلى غوام بانتظار صواريخ كيم جونغ أون، كان وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون يزور الجزيرة نفسها مطمئنًا أميركييها، قائلًا إن ما يفعله ترمب بتهديداته هو توجيه رسالة قوية إلى كوريا الشمالية بلغة يفهمها كيم جونغ أون، ومضيفًا أنه لا يعتقد أن هناك تهديداً وشيكاً لغوام أو أي أهداف أميركية أخرى، "وأعتقد أن على الأميركيين ألا يقلقوا".

وهذه الطمأنة التقت مع سعي دولي حثيث لنزع فتيل التفجير في شبه الجزيرة الكورية، إلا أن كتجديد ترمب هجومه على كوريا الشمالية في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ثم تغريده محذرًا وزير خارجيتها ري يونغ هو وزعيمها كيم جونغ أون أنهما "لن يبقيا طويلًا"، أعاد التوتر إلى منطلقه الأول. 

مخاوف مشروعة

أتت هذه التغريدة العنيفة بعدما كان وزير الخارجية الكوري الشمالي قال أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة السبت الماضي إن استهداف بلاده البر الأميركي بالصواريخ "أمر حتمي بعد أن وصف السيد الرئيس الشرير ترمب الزعيم كيم جونغ أون بأنه رجل صواريخ في مهمة انتحارية"، كما نقلت رويترز.

فغرّد ترمب: "سمعت وزير خارجية كوريا الشمالية يتحدث في الأمم المتحدة. إذا كان يردد أفكار رجل الصواريخ الصغير، فإنهما لن يبقيا طويلًا"، ما يمكن أن يكون تهديدًا بتغيير النظام في كوريا الشمالية، وما يمكن أن يجرّ عواقب وخيمة، إذ يقول محللون أن هذا التصعيد الكلامي ربما يفقد الزعيم الكوري الشمالي صوابه، فتحل الكارثة التي يخشى 33 في المئة من قراء "إيلاف" وقوعها، خصوصًا أن ترمب وصف أون الجمعة بأنه مختل عقليًا، وأنه سيروضه بالنار، مهددًا في كلمته أمام الأمم المتحدة بأن يدمر كامل الدولة التي يقطنها 26 مليون نسمة إذا هددت الولايات المتحدة أو حلفاءها.

وما يزيد من مخاوف هؤلاء الـ 33 في المئة من قراء "إيلاف" هو إعلان البنتاغون الاميركي السبت أن قاذفات أميركية حلقت قرب الساحل الشرقي لكوريا الشمالية. فقد قالت دانا وايت، المتحدثة باسم البنتاغون: "إنه الموقع الأبعد في شمال المنطقة المنزوعة السلاح الذي تحلق فوقه طائرة او قاذفة اميركية قبالة السواحل الكورية الشمالية في القرن الحادي والعشرين، ما يؤكد مدى الجدية التي نتعامل فيها مع السلوك الخطير لكوريا الشمالية".

اضافت: "هذه المهمة دليل على العزم الاميركي، ورسالة واضحة مفادها أن لدى الرئيس العديد من الخيارات العسكرية لإلحاق الهزيمة باي تهديد كان، وإننا مستعدون لاستخدام مجموعة كاملة من القدرات العسكرية للدفاع عن الوطن الاميركي وحلفائنا".

احتمالات ضئيلة

في المقابل، نسبت بي بي سي إلى أليكس ويلرستاين، الباحث بمعهد ستيفنز للتكنولوجيا بولاية نيوجيرسي، قوله إنه لا ينكر أن احتمالات اندلاع حرب نووية أو قيام دولة خارجة عن القانون أو جماعة إرهابية بشن هجوم نووي محدود ضئيلة إلى أبعد الحدود في الوقت الراهن، إلا أنه يرى أن الاستعداد تحسبًا لوقوع هجمات من هذا القبيل لا يزال مهمًا.

وتقول جينيفر كول من المعهد الملكي للخدمات المتحدة إن الحرب النووية أُسقِطت من "السجل الوطني للمخاطر" بالمملكة المتحدة، على الرغم من أن احتمالات وقوع تفجيرات نووية تشنها جماعة إرهابية تعد "ضئيلة، لكنها غير مستبعدة تمامًا". أضافت: "لم يعد احتمال شن هجوم نووي أمرًا واردًا بين أسوأ الاحتمالات المطروحة".

في الجانب السياسي من المسألة، قال مون جاي-إن رئيس كوريا الجنوبية الجمعة إنه لن تنشب حرب في شبه الجزيرة الكورية، على الرغم من تصاعد التوتر بدرجة كبيرة، مضيفًا أنه يجري مشاورات مع زعماء روسيا واليابان والولايات المتحدة بشأن حل الأزمة المتعلقة ببرنامج كوريا الشمالية النووي.

المنطق السليم سينتصر

قال مون متحدثًا في فلاديفوستوك: "على هؤلاء الزعماء أن يبحثوا العقوبات الجديدة المقترح فرضها على كوريا الشمالية، والتي تهدف إلى التوصل إلى حل سياسي للأزمة".

وكان متحدث باسم وزارة الخارجية الكورية الجنوبية قد قال إن إجراءات عملية وقوية يمكنها أن تكون موجعة لكوريا الشمالية يجب أن تدخل ضمن المجموعة الجديدة من العقوبات المقرر أن تعلنها الأمم المتحدة.

وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إنه لا يعتقد أن الأزمة الكورية الشمالية ستتطور إلى صراع على نطاق واسع، تستخدم فيه الأسلحة النووية، "فالمنطق السليم سينتصر، لكني أعتقد أن الإدارة الكورية الشمالية تخشى أن يكون تجميد برنامجها النووي مقدمة لما يرقى إلى دعوة إلى المقبرة".

وفي الجانب المنطقي، وإذ وضعنا جانبًا مسألة رجاحة عقل الزعيم الكوري الشمالي، كما يقول مراقبون، ليس في صالح أحد أن تشتعل الحرب النووية، وهذا ما راكم 77 في المئة من قراء "إيلاف" الذي لا يخشون حربًا نووية.