- أردوغان أعد سيناريو الانقلاب المفتعل
- التصالح مستحيل‫..‬ دمروا جسور الحوار كلّها
- لدينا صلة عميقة بالسعودية لأنها قلب العالم الإسلامي
- التلاقي بين العلم والدين أمر ممكن
- العالم المعولم أصبح قرية صغيرة
- لدينا رسائل لاحتضان أحدنا الآخر… والاندماج مع الآخر

خاص إيلاف: في شهر مايو المنصرم، تعرفت إلى أميركي شغل مناصب عدّة في حكومته، بينها ما له علاقة بالشرق الأوسط وأواسط آسيا. تداولنا الشؤون والشجون والأحداث التي تمرّ بِنَا. كانت حوارات مستفيضة، حتى جرى على لسانه ما يستدعي التوقف: فتح الله غولن!

هتفت: فتح الله غولن؟ أتوق أن أراه.

قال: أستطيع ترتيب الأمر. 

قلت: دخيلك، هذا من الشخصيات التي تمنيت الوصول إليها قبل توقفي عن الممارسة الصحافية.

قال: دعني أحاول، فالرجل مريض، ولا يقابل أحداً. 

قلت: لعلّ كلمة السّرّ تكون أنني من أرض الحرمين، وعشت فترة مفصلية من حياتي في المدينة المنورة، أستنشق عطر النبي الأعظم، وذكراه. 

بعد أيام، عاد ليقول إن الرجل وافق على المقابلة. في الصباح الباكر، أخذنا السيارة منطلقين، عبر الحقول الخضراء والطرق البهيّة، وقد أطلّ الصيف وبزغ الريف الأميركي ينثر على صيفه ما تبقّى من ربيعه، إلى جبال بوكونو في ولاية بنسلفانيا، حيث الرجل البالغ من العمر ستة وسبعين عاماً، والمولود لوالدين متديّنين يوم 27 أبريل عام 1941 في قرية صغيرة تُدعى كورجوك، وتتبع محافظة أرضروم في تركيا.

أخذت السيارة تنهب الطريق الريفيّ، فيما رحت أستعيد بعض ما أعرفه عن رجل شغل تركيا والعالم الإسلامي بطروحاته ومفهومه الإسلامي، الذي يركّز على الجانبين الاجتماعي والتثقيفي، فهو يرى أن «المجتمع المثالي هو الذي يتكوّن من أفراد مثاليين». الحقّ أنني لست متابعاً بشكل دقيق حركات الإسلام المتعددة التوجهات، إلا ما كان يحمل طرحاً معمّقاً بالأسئلة والتساؤلات العميقة الخارجة عن رداء المورث. كما أنه لم يخطر في بالي، ولا لومضة واحدة، ان «الإسلام هو الحل»، كما يردد بعض مَنْ يؤدلج الدين. إذاً، رُبما يتساءل البعض، لِمَ هذا الحجّ إلى رجل مسلم حتى النخاع، متديّن حتى التصوّف، ويقود حركة معارضة أنصارها بالملايين، ويتّهمها بالإرهاب حليفُها السابق، وخصمها المتشارس، رجب إردوغان، الرئيس التركي الحالي؟

إنها لوثة الصحافة والصحافي، لا قبل ولا بعد، وهي لم تكن توجب كل ذلك الضجيج الذي حصل عندما أشرت إلى لقائي الرجل عبر حسابي على «انستغرام»، فسارعت وسائل إعلام إلى التساؤل، وبادر أشخاص إلى التفسير، وكأنما حركة الصحافي يجب أن ترتبط بالتأويل السياسي، وربما جهل أولئك، أو تجاهلوا، أن لوثة الصحافة ذاتها تلد عند الصحافي شهوة التعرف إلى رجل انبثق من لا شيء، إلى مخلوق ينتشر نفوذه وتأثيره في ١٤٠ بلداً في العالم، ويملك فصيله عشرات الشركات ومئات المدارس ودور العلم والإعلام وملايين المؤيدين، ويعدّ واحداً من أكثر الشخصيات تأثيراً في العالم وفق ترشيح مجلة «تايم».

أمضيت مسافة الطريق التي استغرقت ساعة ونصف الساعة أسمع موتسارت، وأحاول تجميع ما أستطيع تجميعه قبل مقابلة هذا اللغز المفتوح والمُغلق معاً.

 

 

حين الوصول كان الاستقبال من قِبل مساعديه تركياً خالصاً. كل شيء يشي بتركيا، مساجدها، نقوشها، أباريقها، مصابيحها، رائحة اللحم المشوي، الحلوى، والقهوة التركية، التي اعتذرت عنها مفضلاً الشاي عليها، ولولا افتقاد المُجمّع الى المرأة التركية، وفق ما رأيت، لتمثّل لي أنني فوق قطعة أرض عبرت القارات من تركيا فحطّت في بنسلفانيا. النقاشات مع مساعديه، وكذلك حول مائدة الغداء المتنوعة، امتدت طويلاً حول أفكار «الأستاذ»، والمصاعب التي تلاقيها حركته، والمضايقات من قبل حكومة الرئيس إردوغان. 

جلّي أن حياة «الأستاذ» مدهشة ومثيرة. فمن رجل دين صغير إلى مفكّر يحاول الاحتماء بالإسلام، هرباً من العلمانية المتوحشة، ويلجأ إلى العلمانية ابتعاداً عن الإسلامية المتشددة، متأثراً بفلاسفة مسلمين مثل الغزالي، وسعيد النورسي، وابن عربي. وفي الغرب البعيد يلقي دروسه، إذ يتجمّع حوله تلاميذ من مختلف البلدان، كأنه يستنسخ حلقات العلماء الربانيين في العصور الوسطى. يطوف بك الزمن غائراً في البعد، وإن اختلف المكان وتجامع الزمان وتوسعت الرؤية وضاق التعبير. 

 

 

 

المبنى الذي يحتلّه «الأستاذ» جزء من مجمّع كبير وقع شراؤه عام 1996 بثمن مناسب بلغ 230 مليون دولار فقط، ويضم مسجداً، وقاعة للمحاضرات والمؤتمرات، ومخيماً، وستين طالباً، وتسعة بيوت للضيوف، كل بيت فيه ست غرف. يتواجد الجميع لطعام الإفطار قبل أن يبدأ السيد غولن يلقي دروسه. «منذ وصولي درست نصوصاً مختلفة من العلوم الدينية مغايرة جداً، أما أصدقاؤنا الطلاب فقد درسوا الأجزاء التسعة لتعليق حمدي يازر على القرآن الكريم»، يقول لي السيد غولن.

 

 

نهضنا للقاء السيد، قاطعين طريقاً أخضر حتى وصلنا مكان إقامته، حيث يستقبل زوّاره. لا أدري، حين مثلت أمامه، وقد أجلسوني على كرسيه، فيما جلس هو بجانبي كالمريد، لماذا تعمّق خيالي في شخص رجل كنّا نأتي إليه في مسجد في المدينة المنورة. بسيط ذلك المسجد، متواضع ذلك الإنسان، كان يتلو ويصلّي، لكنه في النقاش كان يرمي علينا شهباً، يوحي لنا حمماً، ببساطة وعمق متناهيين، يذكر شخصيات محظورة إبان زمننا، وبعده، مثل الحلاج، أفلاطون، أرسطو. لم نكن نفهم، ولكننا كنّا نعي. مستحضراً تلك الصورة، بدأت أسأل ولا أحاور، فكان النص التالي:

 

 

 

سؤال: لكم رؤيتكم للعالم الإسلامي، فهل من إطلالة موجزة عليها؟

جواب: هناك جانبان للعالم الإسلامي. لا أستطيع التكلم على رؤية كهذه بأنها رؤيتي أنا، بل سيكون من الأنانية أن أفعل ذلك. أنا أُؤمن بهداية الله، مثلما أُؤمن بالهداية المتوفرة للحيوانات التي تساعدها على مواصلة حياتها. الله أعطانا الفرصة لخدمة البشرية. كان هناك بعض الموهوبين الذين تمكنوا من خدمة البشرية. اقترح بديع الزمان سعيد النورسي وصفة لمشاكلنا الاجتماعية قبل قرن. ففي العالم الإسلامي مشاكل كثيرة. أولاً الفقر. وثانياً، الصراعات الداخلية التي تفضي إلى نزاعات عنيفة. والمشكلة الثالثة هي الجهل. بعد القرن الخامس، توقف العالم الإسلامي وأخذ العالم الغربي القِيَم التي أشاعها وطرحها العالم الإسلامي. بدأ أصدقاؤنا كل شيء وهذه الأفكار في أذهانهم، فانتشرت في مناطق مختلفة من العالم. كانوا يعتقدون أن الكثير من المشاكل يمكن أن يُحلّ من خلال التعليم. وهذا ما حدث، إلى حد ما. وتمكنوا بقدرٍ ما من إيجاد إحساس بالأخوة. كانت الإنجازات الأخرى صائبة. لكن اضطرابات وقعت في بعض الأماكن، مثلما يحدث في تركيا الآن. نحن نأمل بالتغلب عليها، وأن يتمكنوا، إن شاء الله، من مواصلة ما كانوا يفعلونه.

سؤال: هل ترون مستقبلاً أفضل للعالم الإسلامي؟

جواب: هذه مسألة أمل ويأس. وأنا لم أعرف اليأس يوماً. يرد في سورة يوسف: «لا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون». ويبدو أننا لا نستطيع أن نكون متفائلين حين ننظر إلى الوضع في تركيا في الوقت الحاضر. ربما يمكن أن يُعاد النظام في غضون ربع قرن إذا قاد دفة البلد حكماء. وكان البلد يبدو في طريقه إلى التعافي مع رئيس الوزراء الراحل تورغوت أوزال، أو رئيس الوزراء السابق له، عدنان مندريس. لكنَّ الادارة الحالية في تركيا انقطعت عن العالم الإسلامي، وكذلك عن العالم أجمع، وبالتالي وجدت نفسها في دوامة من المتاعب. الضرر الذي حدث ضرر فادح. فالضرر يُلحق بسهولة، أما إصلاحه فيكون بصعوبة. لكن لعلّ من الممكن تسريع عملية الإصلاح هذه التي تستغرق عادة ربع قرن وخفضها إلى ما بين خمس وعشر سنوات بالاستفادة من طرق الاتصالات الحديثة وحل النزاعات. المهم أن نبتعد عن المادية والبهيمية وندخل عالم القلب والروح. والمؤمل أن عقلانيين متفتّحي الأذهان سيكونون قادرين على تحقيق ذلك خلال خمس إلى عشر سنوات. هذا ما نأمله. يقول شاعرنا المعروف محمد عاكف آرصوي: «إن اليأس كالمستنقع، تغرق إذا وقعت فيه. فشدّ عزيمتك وانظر ماذا ستصبح». ويقول بديع الزمان سعيد النورسي "إن اليأس هو العقبة الرئيسة في طريق أي إنجاز". 

سؤال: تعتقدون بإمكانية التلاقي بين العلم والدين؟

جواب: أنا شخصياً أرى ذلك ممكناً، وحدث في بعض الفترات، إلى حد ما. كما قلت سابقاً، فإن بالإمكان تحقيقه بعقلاء يستخدمون قلوبهم وعقولهم. ومثلما قال أحد العظماء ذات مرة، فإن «العلوم الطبيعية هي نور العقل، والدراسات الدينية هي نور القلب، وبدمج الاثنين ينطلق اندفاع الدارس». وأعتقد أنه ليس من المستحيل أن تلتقي القلوب والعقول. وأنا أرى هذا اللقاء في أميركا وفي الاتحاد الأوروبي وفي البرلمان الأوروبي. نحن لن نطلق الأحكام بمجرد النظر إلى المشهد العام في تركيا أو سوريا. هناك الكثير من العقلاء الذين يريدون التضامن والوحدة. حتى هذه الأمنية يمكن أن يتقبلها الله كصلوات. الله لن يترك هذه الصلوات من دون استجابة، ولكننا يجب أن نكون ثابتين في هذه القضية. في الوقت الحاضر، تواجه حركة «خزمت» ملاحقات، وهي مستهدفة لغرض محقها تماماً. لكنهم إذا واصلوا نشاطاتهم متحلين بالأمل، بقدر ما تسمح به الظروف، فان هذا شيء يبعث على الأمل. 

 

التلاقي بين العلم والدين أمر ممكن

سؤال: هل ثمة شواهد تاريخية تعزز ما أشرتم إليه؟

جواب: كما قلت سابقاً، فإنَّ القضية الرئيسة ظهرت في القرن الخامس منذ نهاية الرابع. كان بالإمكان رؤية فضائل نسبية في الفترة العباسية والفترة العثمانية. الفترة السلجوقية فترة مضطربة شهدت الحروب الصليبية. يمكن القول إنه حتى حقبة «تنظيمات» (سبعينيات القرن التاسع عشر) الحقبة الدستورية، جرى الحفاظ فيها على القيم. كان الإسلام والدولة العثمانية محترَمين في أنحاء العالم. من الأمثلة الشهيرة تلك القصة عن مسرحية فولتير التي أهانت الإسلام. وجّه السلطان عبد الحميد الثاني إنذاراً إلى إنكلترا يقول فيه إنه سيدعو إلى احتجاجات جماهيرية في الهند. إذ كان نفوذه يصل إلى تلك الأمصار. فألغوا العرض مرتين. واستمرّ هذا المجد النسبي. وما حدث في الماضي مرجع مقنع إلى أقصى الحدود لما يمكن أن يحدث في المستقبل. إذا حدثت بعض الأشياء في الماضي، فإنها يمكن أن تحدث في المستقبل أيضاً. لا يتعين علينا أن نقول لهم (المضيف) ذلك لأنهم متفتحون ذهنياً ويعرفونه. وإذا أخذنا زمن الرسول (ص)، فكما قال الشاعر محمد عاكف «إن البشر تفوقوا على الضباع في القسوة، وحين كانت أسنان شخص ما تتساقط كان أخوته يأكلونه، وعمت فوضى تسد الآفاق، وانتشر داء التشظي الذي دمّر الشرق، ولكن فجأة أنقذ ذلك البرئ (ص) البشرية جمعاء، ودحر القياصرة والأكاسرة بحركة واحدة». حدث هذا مرات عدة. فالتاريخ يعيد نفسه، وإن ليس بالطريقة نفسها تماماً. في الوقت الحاضر، نحن أيضاً نعيش دماراً ونعيش انحطاطاً في عالم الأرواح. لكن هذا حدث كثيراً في السابق، ونأمل في أن تكون هذه المرة هي الأخيرة. أعتقد أنه ليست هناك مشكلة لا نستطيع التغلب عليها طالما أن الاداريين العقلاء وأصحاب العقول المتفتحة من ذوي الخبرة في مجالاتهم يلتقون ويتعاونون في ما بينهم.

سؤال: لكن ما يجري يبعث على التشاؤم، فما العمل؟

جواب: كما قلت سابقاً، لعل المشهد المخيف في العالم الإسلامي دفعكم إلى هذه المشاعر، وجعلكم تسألون ما العمل بشأنه. نبيّنا (ص) قدم وصفة لذلك قبل قرون. لاحقاً اقترحت شخصيات مهمة أخرى، مثل المجتهدين والمجددين، وصفات لها أيضاً. نحن نكنّ لهم احتراماً عميقاً، ونحفظ لهم مكانة في قلوبنا، ونفكر باستمرار في ما يمكن أن نفعله اقتداء بمثالهم. لا بد من أن نعترف أننا ربما لم نفكر في البداية في حجم الحركة الحالي. لكننا بدأنا بمشاريع صغيرة. كان الهدف إرساء شعور بالتضامن والوحدة وغرس فكرة النهضة كما حدثت في الغرب من قبل. فُتحت دورٌ للطلبة، تلتها أقسام داخلية، ثم مدارس. بمرور الوقت، فُتحت جامعات تستطيع إنتاج خريجين قادرين على العطاء في هذه المؤسسات. حدثت هذه الأشياء بصورة تدرجية، وقيَّموا سياقاتها واختاروا ما ينبغي عمله بالفرص التي أُتيحت لهم في حينه. وجاء وقت توفّر فيه الكثير من خريجي الكليات. لأول مرة تواصلنا مع آسيا الوسطى. حين تفكك الاتحاد السوفيتي ظهرت الدول الشقيقة، لأن لنا جذورنا في آسيا الوسطى. كان الانفتاح الأول على آسيا. وعندما انهار الاتحاد السوفيتي تساءلنا كيف نستطيع أن نمدّ يداً إلى هذه الدول الشقيقة التي ابتعدت عن نفسها طيلة سبعين عاماً. أولاً، توجه أصدقاؤنا الموجودون في كندا الآن، وأحدهم سعد الدين بيك، إلى أذربيجان. كانت أذربيجان محتلة وقت كانوا هناك. اتصلوا بي فقلتُ لهم: «إذا غادرتم في مثل هذا الوقت الحرج ستحنثون بوعدكم. وحتى إذا متُّم فابقوا هناك لكي نستطيع أن نريهم أننا جئنا من أجلهم». بقوا هناك وفتحوا مدارس. وحين فُتحت مدرسة في احد البلدان أعطانا ذلك أملاً بإمكانية فتح مدارس في أماكن أخرى. وأصبحت كل مبادرة جديدة مرجعاً لمشاريع لاحقة. وعلى بركة الله تضاعفت أكثر مما كنا نتصور. 

سؤال: ما هي أهم ركائز أجندة حركتكم؟

جواب: أنا في الواقع لا أعرف المعنى الحقيقي لكلمة أجندة. مرت الآن عشرون أو ثلاثون سنة. وكانت سَكَنات أصدقائنا الذين يخدمون في مناطق مختلفة من العالم تحت المراقبة. كانوا مرصودين. وأعتقد أنه إذا لم يفهم العالم حقاً نيّاتهم الآن، فإن العالم يجب أن يشك في عقلانيته وتعقله. 

سؤال: وماذا عن دوركم الشخصي؟

جواب: لا أحبّ تناول الأشياء التي تتعلق بي. في هذه الأثناء، إذا كانت هناك أشياء يقدرها الآخرون أستطيع القول لهؤلاء إنها حدثت بهُدى من الله. وهناك بعض المقالات التي يقرأها أصدقائي لي هذه الايام. كُتبت هذه المقالات قبل نحو ثلاثين أو أربعين سنة عن مآزق العالم الإسلامي، ومكابداته، ومشاكل البشرية. وهم يقولون إنها محتفظة براهنيتها. على هذه الأشياء نستطيع أن نحمده ونشكره. وفي حدود ما سمعته، فإن كتاب «النور الخالد: سيرة النبي محمد (ص)»، يُستخدم كتاباً مقرَّراً في بعض الجامعات في بعض البلدان، لأن هذا الكتاب يتحدث عن النبي محمد (ص)، وأرجو أن يقبله الله كحسنة، وأن يكون شفيعاً لخلاصي في الآخرة. 

سؤال: كيف ترون مساندة الحكم التركي لدولة قطر في أزمتها مع السعودية والإمارات والبحرين ومصر؟

جواب: أنا لا أتابع شؤون الساعة كثيراً. ولا أجد أن تدخل تركيا إلى جانب قطر مناسب. ولا أعرف إن كانوا يتخذون هذه الخطوات لأن لديهم (القيادة التركية) مصالح خاصة معينة. ولكن علاقة دول الخليج بالسعودية علاقة قديمة. وبرأيي المتواضع، يجب أن نتفادى إثارة مشاكل جديدة بتأزيم هذه القضايا. ولكن لا أعرف استراتيجيات البلدان السياسية، لأن لكل شيء قصة أخرى لا أستطيع أن أعرفها. ما المصلحة أن ترسل تركيا قوات فتدخل بلداناً خليجية وتواجه السعودية. أنا كمتابع من الخارج لا أجد هذه التحركات بناءة. نحن نمرّ بفترة حرجة، وهدفنا الأول يجب ألا يكون إشعال نزاعات جديدة. من جهة أخرى، يجب أن نتجنّب اتخاذ قرارات أحادية بحقد، ونحاول معالجة هذه القضايا في المحافل الدولية. هناك الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، وتركيا عضو في الحلف، وبرأيي إن الإجراءات يجب أن تُتخذ بالتشاور مع هذه المؤسسات. وفي عالم معولم، ليس هناك عالم إسلامي، أو عالم مسيحي، أو عالم يهودي، بل العالم أجمع أصبح قرية صغيرة. وبرأيي المتواضع يجب التخطيط لمشاريع جديدة بمراعاة هذه الحقيقة ذاتها. 

سؤال: ماذا عن حضور حركتكم في الدول الإسلامية؟

جواب: كانت هناك مؤسسات لحركة «خزمت» في هذه البلدان، ولكن كانت لدي فكرة بأنه في الوقت الذي كانت تُفتح مدارس في آسيا الوسطى وجنوب شرق آسيا وأوروبا فإن العالم الإسلامي يستطيع أن يعالج مشاكله بنفسه. من جهة أخرى، لغتنا الأم هي التركية، والبلدان الإسلامية تعرف الإسلام من مصادره الرئيسة، لذا فكرتُ بأن فتح مدارس قد يثير حفيظتها، كان ذلك قبل 30 إلى 40 سنة، وقد أكون مخطئاً. أصدقاؤنا ذهبوا إلى المغرب وتونس والجزائر والأردن بعد ذلك بسنوات. بعض هذه البلدان لم تتمكن من الاحتفاظ بموقفها ضد دعاية التشهير التركية. كان لنا حوار إيجابي مع ملك المغرب، وأرسل لي نسخة من القرآن الكريم موشاة بالذهب. أتابع أخبار الأردن عن كثب وكنتُ أكن احتراماً بالغاً للملك حسين وشقيقه الأمير الحسن. كنتُ أصغر سناً وقتذاك ولكني أتذكر زفاف والدَي الملك عبد الله الثاني، عندما عُقد قران الملك حسين على سيدة بريطانية. كانت لدي وجهة نظر دافئة تجاه الأردن.

سؤال: ماذا عن علاقتكم بالمملكة العربية السعودية؟

جواب: لدينا صلة عميقة بالسعودية لكونها مركز العالم الإسلامي وقبلة المسلمين وعقل الإسلام وقوته. يمكن عمل أشياء كثيرة هناك مثل عقد مؤتمرات عالمية. هناك تطورات يمكن أن نتوقعها في العالم العربي بتفاؤل. إن شاء الله سيتغلبون على تحدياتهم الحالية قريباً.

سؤال: إلى أين ترى أمور تركيا سائرة؟

جواب: التوازن الحالي يمكن أن يتغير إذا دخلت الساحة أطراف جديدة، ويمكن كسر حلقة العنف والغضب الحالية. وإن شاء الله هذا ما نأمله. كثيرون أتوا ومضوا. ولم يبق أحد. وهناك مثل تركي: يأتون، الواحد تلو الآخر، ولا يبقى إلا الواحد الأحد. من يأتي يرحل، والراحل لا يعود أبداً، وهذا لغز، إذا جاء فانه يأتي بشوكة، فلا تتحوط. وإذا رحل فإن سلسلة قوية لا تستطيع أن تؤخر رحيله.

سؤال: هل ترى أن ما شهدت تركيا من تغييرات أسهم في وصول الرئيس إردوغان للحكم؟

جواب: في الماضي رحل أتاتورك وعصمت باشا. حدثت انقلابات عسكرية. جمال غورسيل جاء ورحل. آخرون جاؤوا بعدهم. سليمان دميريل وعدنان مندريس رحلا. تورغوت أوزال، الذي فهم مآزق العالم الإسلامي، رحل. بولنت أجويد، الذي نشأ في عائلة ديمقراطية اجتماعية كان مع ذلك يحترم الإسلام، وكان يفهم القوى الداخلية المحركة في تركيا ولديه نظرة شاملة للقضايا، وهو أيضاً رحل. ثم استغلت الإدارة الحالية احترام القواعد الانتخابية للدين وجاءت إلى السلطة منذ نجم الدين أربكان. وتمكنا من تحسس موقفهم من حركة «خزمت» إلى حد ما وقتذاك. كانت لدى إردوغان رؤية أن يعتبر نفسه أمير المؤمنين، زعيم العالم الإسلامي. وكانت هناك مدارس فتحها مشاركون في «خزمت» في 170 بلداً. وكان إردوغان يأمل في أن ينظر إليه الناس في هذه المدارس، ويروجونه، بوصفه أمير المؤمنين، لا سيما في العالم الإسلامي، وكانوا في اجتماعاتهم الحاشدة يعلنونه زعيم العالم.

 

 

سؤال: كيف تغير موقف إردوغان إزاء حركتكم؟

جواب: أعتقد أنه حين لم تتحقق توقعاته من «خزمت» اعتَبَرنا منفصلين تماماً عنهم. فأنصار «خزمت» دعموهم على أساس وعودهم بالديمقراطية، وحقوق الإنسان، والإسلام الحنيف. أصدقاؤنا لم ينضموا إلى حزبهم، لكنهم أيّدوهم في أربع دورات انتخابية. أنا نفسي تحدثت مرة واحدة في حياتي لمصلحة شخص، ودعمتُ التعديل الدستوري الذي يجعل انتخابات السلطة القضائية العليا أكثر ديمقراطية. شكرني قائلا: «أشكر بنسلفانيا». ولكن من الواضح الآن أنه كانت لديه مشاكله الداخلية. كانت لديه توقعات من «خزمت» حسب نظرته هو إلى العالم. حين لم تُستجب توقعاته حاول أن يغلق دورات تحضيرية للكليات. وبعد ذلك، قبل أن يحدث أي شيء، بدأوا يصادرون الممتلكات الخاصة للمتعاطفين مع «خزمت». الوضع في قيصري وفي أنقرة. تعرفون هذه الأوضاع. ثم، وكأن ما حدث ليس كافياً، استولوا على صحيفة «زمان» اليومية، التي يتابعها مليون قارئ، وكذلك على قناة «سمانيلو» التلفزيونية. تتابعت أشكال مختلفة من الطغيان والهيمنة والمضايقات والمصادرة. ثم، لتبرير ما يفعلونه أمام الرأي العام، أعدوا شيئاً مفتعلاً، سيناريو انقلابياً. ورغم حقيقة أنهم نسبوا الحادث إلينا، فان كثيرين في تركيا، حتى قريبين منهم، يتحدثون اليوم بأن رئيس أركان الجيش، ومدير الاستخبارات الوطنية، والرئيس، خططوا هذا الأمر لتقوية مواقعهم.

سؤال: لماذا توقفتم عن المعارضة إعلامياً داخل تركيا؟

جواب: لأنهم أسكتوا كل وسائل الإعلام المعارضة، فإن كل ما يقوله الإعلام الموالي لإردوغان يصبح خطاباً قومياً، ولا شيء يعارضه يمكن أن يُقال، بل كل صوت معارض يُكتم ويُسجن أياً يكن. ويبدو الآن أن موقعهم تعزز حقاً على نحو ما. ونحن لم نتوقع قط أن يصبحوا بهذا الحقد ويرتكبوا هذا الأذى كلّه ، لا كمسلم فحسب بل كإنسان أيضاً. زارني إردوغان وطلب نصيحتي حين كان على وشك تشكيل حزبه. لم ننضم إطلاقاً إلى حزبهم، ولم نتوقع أي شيء، ولكننا ببساطة أبدينا وجهات نظرنا بالطريقة المناسبة، ولم نظن على الإطلاق أنهم سيرتكبون فظائع كهذه. على سبيل المثال، فإن كل من يشترك معي في كنيتي «غولن» من عائلتي المتمددة مسجون الآن. شقيقتي البالغة من العمر ثمانين عاماً هاربة تتفادى الاعتقال. عمي الذي يكبرني بعامين توفي قبل سنتين، وبكيته طيلة يومين، فقد نشأنا معاً وربتنا سيدة واحدة مثل حمزة (رضي الله عنه) والنبي (ص)، لم يتمكن من تحمل الوضع ومات. إثنان من اشقائي توفيا خلال هذه الفترة ولم أتمكن من حضور جنازتيهما. ارتكبوا فظائع لا توصف، بعضها لم يرتكبه حتى أمنحتب ورمسيس وهتلر. لم نتوقع ذلك. كان باستطاعتنا أن نحتاط. لا أعني الرد بالمثل، الذي أعده شكلاً من أشكال الظلم، بل كان بإمكاننا اتخاذ إجراءات احترازية. لكننا لم نتوقع أن رجلاً قال إنه يؤمن بالله، جل جلاله، سيصبح بهذا الطغيان. سيدنا النبي (ص) يقول إنَّ المؤمن شخص كريم يمكن أن يُخدع بسهولة، في حين أن الآثم المُدان يحب أن يَخدع. ويعبر بديع سعيد النورسي عن ذلك بطريقة جميلة: نحن مسلمون، يمكن أن نُخدع لكننا لا نخدَع.

سؤال: ما خلفية تصريحات رئيس الأوقاف المنتقدة مواقفَكم وتراثكم الفكري؟

جواب: بالفعل، جعلوا رئيس الأوقاف يقول ذلك. وهذه مزاعم لا أساس لها من الصحة. أنا أربأ بنفسي عن التباهي، ولكن لدي ما بين ستين وسبعين كتاباً. هنا تستطيعون أن تروا كتابي الموسوم «النور الخالد: سيرة النبي محمد (ص)». كنتُ خطيباً في المساجد مدة ثلاثين عاماً، وكنتُ خطيباً في فترات مختلفة، بعد انقلابات عسكرية. وكانت مديرية الأوقاف موجودة، وموظفوها وأوقافهم لم يذكروا أي شيء كهذا إطلاقاً، بل على العكس، فخلال فترات السيطرة العسكرية اتُهمت بمحاولة إحياء تفهم ديني على غرار ما حدث في زمن النبي (ص) وسُجنت وحوكمت. هكذا كانت الحال في 27 مايو 1960، ثم في 12 مارس 1971، وفي 12 سبتمبر 1980. الآن، للنيل من مصداقيتي بأعين المسلمين، يجبرون مديرية الأوقاف على نبش كتاباتي واقتطاع مقتطفات خارج سياقاتها. وكما في حكاية السيد علي جمعة، فإن أحدهم اقتطع من القرآن ذلك الجزء من الآية الذي يقول «لا تقربوا الصلاة»، ولكنه حذف «وأنتم سكارى»، وحين يُواجَه يقول إنه ليس حافظاً القرآن. هذا وضع مماثل. فهم دمروا جسور الحوار كلّها من خلال أفعالهم. ولم يتركوا أي شكل من أشكال الظلم إلا ومارسوه. ومن زاوية أخرى فان التصالح والاتفاق مع أشخاص مثل هؤلاء يعني الابتعاد عن بقية العالم والعالم الإسلامي. فمن جهة نتعرض لملاحقات، مئات الآلاف يتعرضون للملاحقات، ونحن حزينون بسبب ذلك، بل نبكي كل يوم. ولكن، من جهة ثانية، يجب أن يكون واضحاً للعالم أننا لسنا متحالفين معهم، وهذه أفضلية لأن أفعالهم الظالمة ستصبح أوضح بمرور الوقت. وإذا تصالحتَ معهم الآن سيقول العالم غداً أنتم كنتم معاً. لدينا أشياء نقولها للعالم. لدينا رسائل لاحتضان أحدنا الآخر، والاندماج مع أحدنا الآخر. وإذا كان اللقاء معهم عقبة أمام كل هذه الإمكانات فإن من الأفضل ألا نكون معهم في صورة واحدة اليوم.

 

البساطة تظهر في مقر إقامة غولن


 
سؤال: ماذا تقرأون هذه الأيام؟

جواب: منذ وصولي إلى هنا درست نصوصاً مختلفة في ميثولوجيا مغايرة جداً. أصدقاؤنا الطلاب درسوا الأجزاء الثمانية أو التسعة لتعليق حمدي يازر على القرآن.