في حديث خاص لـ"إيلاف" تطرق رئيس الحكومة اللبناني السابق تمّام سلام إلى الضرورة الملحّة لتشكيل حكومة في لبنان، وإلى أهمية الدور الروسي لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، كما شدّد على أهمية التضامن العربي بالنسبة إلى لبنان والدول العربية.

إيلاف من بيروت: عُيّن رئيسًا للوزراء في لبنان في 6 أبريل 2013، وكان رئيسًا لحكومة المصلحة الوطنية حتى ديسمبر من العام 2016. ينحدر من عائلة بيروتية جذورها عميقة في السياسة ومعروفة بخطاب الاعتدال، وهو نجل رئيس الوزراء السابق صائب سلام، الذي تولى رئاسة الحكومة ست مرات بين عامي 1952 و1973، في العام 2008 عُيّن تمّام سلام وزيرًا للثقافة في حكومة الوفاق الوطني، وانتخب نائبًا عن بيروت في الأعوام 1996، و2009، و2018.

تلقى دورسه الابتدائية في مدرسة الليسيه الفرنسية في بيروت، وتابع دروسه التكميلية في مدارس جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت، ثم انتقل في عام 1958 إلى مصر، حيث تابع دراسته الإعدادية في فيكتوريا كوليدج، وعاد بعدها إلى لبنان، فتابع دروسه الثانوية في مدرسة برمانا العالية، حيث نال الشهادة الثانوية "هاي سكول".&

في عام 1963 سافر الى إنكلترا لمتابعة دروسه الجامعية في مادة الاقتصاد وإدارة الأعمال، في بداية السبعينات عمل في الحقل التجاري لسنوات قليلة، وأسّس حركة رواد الإصلاح عام 1974 وحاول من خلالها التوجّه إلى الرأي العام بطروحات سياسيّة واجتماعية تنطلق من ذهنية معاصرة تسعى إلى الإصلاح في النظام وتحقيق التطور.

في لقائه الخاص مع "إيلاف" في دارته في المصيطبة ببيروت، تطرق سلام إلى &موضوع تأخير تشكيل الحكومة بدءًا بالمعوقات التي يصادفها هذا التشكيل ومرورًا بضرورة توزير النساء في الحكومات اللبنانية، مع التشديد على ضرورة الفصل بين الوزارة والنيابة في لبنان، نافيًا ما تم الحديث عنه عن إمكانية توليه وزارة الإتصالات في حكومة سعد الحريري المرتقبة، ومشددًا على أهمية الدور الروسي في عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم وعلى أهمية التضامن العربي بالنسبة إلى لبنان والدول العربية، كلها عناوين تناولها اللقاء مع رئيس الحكومة السابق تمّام سلام. هذه تفاصيلها:

* بعد التفاؤل الذي ساد أخيرًا عادت الأمور إلى المربع الأول، هل تتوقع تشكيل الحكومة قريبًا في لبنان؟
- الموضوع ليس توقعًا بقدر ما هو حاجة، فالبلد بحاجة إلى أن تكون هناك حكومة ناشطة تنهض بكثير من الإستحقاقات، وبالتالي نعم الجميع يتمنى ويتطلع إلى أن يتم تشكيل الحكومة في لبنان وألا يتأخر الموضوع.

*ما الأسباب الحقيقية وراء التعقيدات في تشكيل الحكومة اللبنانية؟
- التعقيدات كما نتابعها هي في تنافس القوى السياسية على المناصب والحصص داخل هذه الحكومة، ومع الأسف العديد من القوى تبني هذا التنافس على نفوذها ومصالحها بما تعرف ويتم التداول بها بالمحاصصة، وهذا أمر لا يساعد كثيرًا، المطلوب أن يضع الجميع نصب عينيه المصلحة الوطنية في مقاربة كل أمورنا في البلد، خصوصًا في موضوع تأليف الحكومة، لأن هذه الحكومة قد تستمر إلى نهاية العهد، ما يعني أن أمامها 4 سنوات من العمل، والبلد في أمسّ الحاجة إليها، لذلك نأمل أن تأخذ القوى السياسية كلها في الإعتبار دقة المرحلة وأضرار التأخير في تأليف الحكومة.

الضغط الإقليمي
*ما مدى تأثير الضغط الإقليمي في تسريع تشكيل الحكومة اللبنانية؟
- لا شك أن لبنان تقليديًا يتأثر بمحيطه وبالقوى الإقليمية، وهذا ليس بجديد، ووتيرة هذا التأثر لها علاقة بمتانة الوضع الداخلي، وإذا كان هذا الأخير متينًا على مستوى تعاون كل القوى السياسية من خلال السقوف الوطنية كما أشرت، فبالتالي يتم الحد من التأثير الخارجي، وإنما إذا تكونت حالة من التعثر والإسترخاء والتراجع في عملية تشكيل الحكومة، فلا بد أن يزداد في المقابل التأثير الخارجي، وبالتالي نسمع أخيرًا ضغوطات تأتي من دول إقليمية ودولية في هذا الموضوع، وهم يراجعون ويتابعون بأمور معينة بضرورة تأليف الحكومة.

الوزارة والنيابة
*ما مدى أهمية فصل الوزارة عن النيابة في تشكيل الحكومة اللبنانية؟
- هذا الموضوع فيه العديد من الطروحات، والمقاربات، هناك دول يتم الفصل بين الأمرين ودول أخرى لا تعتمد ذلك، بموجب دستور الطائف ليس هناك أي أمر يدل على أن يكون هناك فصل بين الوزارة والنيابة ولكن، بشكل طبيعي ينحى الإنسان إلى تطبيق النظام الديموقراطي في شكل فاعل ومجد من خلال تنشيط عملية المساءلة والمحاسبة، وأبرز أمكنتها تبقى العلاقة بين السلطة التنفيذية والتشريعية، فإذا كانت السلطة التنفيذية ستتكون من حكومة كبيرة وفضفاضة تتمثل فيها كل القوى داخل المجلس النيابي، وبما ستعرف كحكومة وحدة وطنية، فمن الطبيعي أن تخف المساءلة والمحاسبة، لأن ما تتفق عليه القوى في الحكومة يسري على تمثيلها في مجلس النواب، لذلك أنا مع أولًا حكومة غير فضفاضة، ومع حكومة عمل، وكلما صغر عددها وتولى المسؤولية فيها وزراء بحقائب معروفة، وليس بما يعرف بوزراء دولة، كلما جرت المساءلة والمحاسبة في مجلس النواب بين السلطة التشريعية والتنفيذية على وجه أفضل، ومن هنا يأتي الكلام عن فصل الوزارة عن النيابة، ويبدو أن بعض القوى السياسية ستمضي في هذا الإتجاه.

*ما مدى صحة موضوع إمكانية حصولك على وزارة الإتصالات في الحكومة المرتقبة؟
- ليس مطروحًا، ولست من الذين يتم تداول أسمائهم في تشكيل الحكومة اللبنانية، وأنا أعتبر أنني ممثل في تلك الحكومة من خلال رئيسها، من هنا موقفي وموقف الآخرين من رؤساء وزراء سابقين هو البقاء من حول رئيس الحكومة لدعمه في تأليفها، وليس مطروحًا موضوع كهذا.

توزير النساء
*كنت من الداعمين دائمًا لوصول المرأة إلى مركز القرار، رغم ذلك لم نشهد سوى سيدة واحدة في حكومتك السابقة، لماذا؟، وهل هناك صعوبة في توزير النساء في لبنان؟

- ليست حكومتي، بل كل الحكومات تشهد توزيرًا ضعيفًا للنساء فيها، وطبيعة المجتمع قد تفرض هذا الواقع، وبالتالي على المجتمع اللبناني أن يتحرك بشكل فاعل أكثر وعلى المرأة اللبنانية أن تُسمع صوتها، وتلعب دورها، ويجب الإقرار في أن مجلس النواب الحالي في الانتخابات الأخيرة دخلت إليه سيدات جديدات، خصوصًا من تيار المستقبل، وهذا يبشّر خيرًا، وأنا مع تعزيز دور المرأة في السياسة.

*هل تتوقع إجحافًا في توزير النساء في حكومة الحريري المرتقبة؟
- نأمل لا، ونسمع أن الحريري شخصيًا يهتم بهذا الموضوع، وهو راغب في أن يعطي فرصة للمرأة وأن يكون لها دورها في الحكومة.

مؤتمر سيدر
*ما مدى أهمية مؤتمر سيدر للبنان، وما مدى ضرورة التعجيل في تأليف الحكومة لتطبيق بنوده؟

- التعجيل في تأليف الحكومة يبقى أمرًا مطلوبًا، لأن الأمور تحصل وتمضي كمؤتمر سيدر مثلًا، وكما هو معلوم فإن تنفيذ مؤتمر سيدر يقترن أيضًا بتطبيق وتنفيذ بعض القوانين التي تبقى جاهزة لبتها في مجلس النواب، كما علمت من رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، وهناك أمور أخرى مطلوب من الحكومة أن تحضرها، وهي تسعى إلى ذلك حتى من ضمن حكومة تصريف الأعمال، لعرضها على مجلس الوزراء الجديد والمضي فيها، ومن المؤكد أن نتائج مؤتمر سيدر المتمثلة في رزمة من المساعدات بقيمة 11 مليار دولار، وخصوصًا لتغطية احتياجات البنى التحتية في البلد من مواصلات واتصالات وخدمات وغيرها، يبقى أمرًا لا شك أنه يمهد إلى النهوض بلبنان إلى حقبة جديدة وعصر جديد، من هنا ضرورة التأكيد على تشكيل الحكومة للمضي في تحقيق ذلك.

الوضع الإقتصادي
*ما مدى خطورة الوضع الإقتصادي في لبنان في ظل عدم تشكيل الحكومة؟
- الوضع يبقى صعبًا في لبنان كما هو كذلك في الكثير من البلدان الأخرى، ويبقى الوضع ضاغطًا ويحتاج علاجًا، وصحيح أن لبنان فيه وضع أمني ممسوك، وكذلك يملك لبنان وضعًا ماديًا ونقديًا لا يزال أيضًا ممسوكًا، لكن هذا لا يعني أنه علينا أن نسترخي ونستكين، فالوضع الإقتصادي في ظل عدم إنتاجية عالية في الدورة الإقتصادية، كلها أمور إذا تراكمت ستؤثر على الأوضاع الأخرى من مالية وأمنية وغيرها، ويبقى الوضع الإقتصادي عاملًا أساسيًا في كل الدول لنهوضها واستمرارها.

الدور الروسي
*كيف تنظر إلى الدور الروسي المرتقب في حل قضية اللاجئين السوريين، وهل ينجح في إعادتهم إلى بلادهم؟

- إنه دور مشكور، وليس حكرًا علينا في لبنان، لأن روسيا تقوم به في لبنان وتركيا والعراق والأردن، وهي في موقع يسمح لها بذلك من خلال ما تمكنت من تحقيقه من نفوذ ومكانة في المنطقة، ونأمل أن نشهد حكومة في لبنان لتتابع هذا الموضوع مع روسيا، ولإيجاد حل جذري لموضوع النازحين السوريين بعيدًا عن التجاذبات السياسية، وبعيدًا عن توظيف هذا الوضع مع الأسف في مزايدات يذهب بعضها إلى أبعاد طائفية وغير وطنية.

المحيط العربي
*كيف يمكن للبنان أن يستعيد علاقاته التاريخية مع محيطه العربي؟
- هذا الأمر يبقى متعدد الأوجه، من هنا لبنان كان ولا يزال يحتاج تكاملًا مع إخوانه العرب، وتعاضدًا معهم، ونأمل أن يستمر الأمر على خلفية ما تحقق من دور عربي في السابق أنقذ لبنان في مراحل كثيرة، ونحن نعوّل دائمًا على علاقة متينة مع الدول العربية ونأمل أن تأخذ مداها، لأنه في التضامن قوة يستفيد منها لبنان، كما تستفيد منها كل الدول العربية.
&&