الرباط: مع اقتراب موعد عيد الأَضحى لهذه السنة، والذي سيحتفل به المغاربة الأربعاء المقبل، يتجدد الجدل، في المغرب، بخصوص الاقتراض من البنوك لشراء أضحية العيد.

ويتزامن موعد عيد الأضحى لهذه السنة، مع مواعيد أخرى، كالعطلة الصيفية والدخول المدرسي، تتطلب مصاريف كثيرة تتثقل كاهل أغلبية المغاربة الذين يدفعون إلى البحث عن سبل تدبير أمر التعاطي معها. لذلك، يجد كثير منهم أنفسهم في وضعية لا يحسدون عليها، وهم بين سندان تدبير ثمن أضحية عيد بحمولة دينية، ومطرقة الاقتراض لتغطية مصاريف ومتطلبات وضغط هذه المواعيد. أكثر من ذلك، تتزايد حيرة كثير منهم، ممن تدفعهم ظروفهم إلى الاقتراض من المؤسسات البنكية، حين لا يكون هناك موقف واحد وقاطع بخصوص الاقتراض من البنوك لتغطية كل هذه المصاريف، خصوصاً منها المتعلقة بأضحية العيد.

وساهم الفضاء الأزرق، في السنوات الأخيرة، في تداول آراء الفقهاء ورجال الدين إلى حد التضارب في كثير منها، الشيء الذي ولد جدلاً بين المغاربة الذين تفرقت بهم السبل، بين مقتنع بعدم جواز الاقتراض من البنوك لتدبير أمر أضحية العيد، وباحث عن قشة تبيح له الاقتراض.

آخر محطات هذا الجدل، الذي يعود كل سنة، كان عنوانها، في الأيام القليلة الماضية، تناقل تصريحات لعدد من رؤساء المجالس العلمية المحلية، بينها تصريح لمصطفى بن حمزة، رئيس المجلس العلمي لمدينة وجدة، قال فيه إن "الشرع لا يفرض على المسلم أن يقترض من أجل اقتناء كبش العيد"، مؤكداً أنه "لا يجوز الاقتراض من البنوك من أجل شراء أضحية العيد"، وأن "الله لا يُعبد بالحرام"، فيما تحدث لحسن السكنفل، رئيس المجلس العلمي للصخيرات - تمارة، عن "اختلاف العلماء في قضية الاقتراض من البنوك بين قائل بجواز الاقتراض بالفائدة وقائل بتحريمها"، داعياً إلى "استحضار البعد الاجتماعي، في مثل هذه المناسبة، التي تدفع البعض إلى الاقتراض"، منتهياً إلى أنه "في مثل هذه الحالة يجوز للفرد أن يقترض، مادام مضطراً لذلك": نموذجان لتصريحات وآراء، سرعان ما تباينت بشأنها المواقف والآراء، في الفضاء الأزرق، بين منتصر لهذا الرأي أو مرحب بالآخر؛ فيما كانت خرجة سكنفل أكثر ما أثار ردود فعل بين المغاربة.

وكتب الفقيه والداعية الشيخ حسن الكتاني على صفحته بـ"فيسبوك": "فتوى الشيخ لحسن السكنفل رئيس المجلس العلمي الصخيرات - تمارة جاءت في بدايتها سليمة موافقة للضوابط العلمية، ولكنه بعد ذلك حكى خلافاً شاذاً في ربوية الفوائد البنكية معتمداً على كلام لبعض أهل الأهواء الذين حسبوا على العلماء فحكى خلافهم وكأنه خلاف معتبر ثم جعل ضرورة لم يعابرها الشرع ولا التفت إليها عذراً في الاقتراض من البنوك بالربا لشراء أضحية العيد. ولا شك أن هذا كله باطل مردود فليث الشيخ يرجع عن فتواه فإنه يتحمل مسؤولية كل من تابعه عليها كما أن المفتي موقع عن الله تعالى فلينظر لنفسه هل توقيعه موافق للصواب أم مخالف للحق".

بدوره، تفاعل الباحث ادريس الكنبوري مع المسألة، فكتب، على صفحته بـ"فيسبوك"، أن "مشكلة الاقتراض من البنوك من أجل شراء أضحية العيد تثير جدلاً بعد إدلاء رئيس المجلس العلمي المحلي بمدينة تمارة لحسن السكنفل برأيه الذي أباح فيه الاقتراض"، مشيراً إلى أن "بعضهم اعتبر كلامه فتوى ولكنه مجرد رأي والرجل ترك مساحة للناس للاختيار& بين الاقتراض من عدمه ولم يكن جازماً، وأكد أن الأصل عدم الاقتراض، وأعتقد أن هذا كافٍ".

والمشكلة، يضيف الكنبوري، هي "شديدة التعقيد لكننا نميل غالباً إلى الوقوف في الأسود أو الأبيض وننكر الألوان ولا نعترف بالحالة التي يختلط فيها السواد بالبياض. الذين ينكرون الاقتراض يقولون إن الربا محرم في الإسلام، وهذا طبعاً هو المبدأ. ولكنهم يتكلمون مع الكبار ولا يضعون الأطفال في الاعتبار، والعيد لم يعد شعيرة دينية بل تحول إلى طقس اجتماعي ضاغط للعائلات والأطفال حيث تتحول البيوت التي لا تجد وسيلة لشراء أضحية إلى مقابر يوم العيد مما يورث الأطفال الحسرة والكآبة التي تتحول إلى شعور بالنقص والدونية قد تنعكس على شخصيتهم".

وزاد الكنبوري: "شخصياً لا أعرف لماذا تكرار الموضوع كل عام بمناسبة عيد الأضحى، مع أن مسألة الاقتراض تطرح في رمضان وفي الدخول المدرسي وفي العطلة الصيفية وفي مواسم الزفاف وغير ذلك، فهل العيد دين والمناسبات الأخرى غير دين؟".

ورأى الكنبوري أن "هناك نزعة علمانية في تفكيرنا في أمور الدين، وصلت اليوم إلى المؤسسات الدينية، بحيث أصبح التفكير في أمور الدين منفصلاً عن أمور الدنيا. الاقتصاد الربوي الذي يرفضه هؤلاء يحاصر المواطن في حياته اليومية، لا سلطان له عليه، وهؤلاء كلهم يتوصلون بأجورهم عبر البنوك، ويتعاملون مع البنوك. وأنا لاحظت في كلام السي السكنفل أمراً أخطر مما ذهب إليه الكثيرون حول جواز الاقتراض. الرجل برر ذلك بناء على الآية التي تقول: فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه. معناه أن المغربي اليوم محاصر بما يضطره إلى الإثم، لكن يمكنه الالتفاف عليه بمبدأ الإكراه".

وأضاف الكنبوري: "معروف أن القروض البنكية في المغرب عالية الفائدة، وإذا كانت هناك حكومة لماذا مثلا لا يتم الاتفاق مع البنوك على تخفيض الفائدة في هذه المناسبة، طالما أنها تثير كل مرة قضية البنوك الربوية. أعرف أن المجلس العلمي الأعلى وضع قبل سنوات فتوى مهمة حول المصلحة المرسلة، هل التعامل بالربا يندرج في المصلحة المرسلة أم لا؟ إذا كان المجلس غير قادر على إيجاد حل لمعضلة مثل هذه تؤرق الأمة كل عام لماذا يستمر الناس في التعويل عليه؟ المشكلة أكبر بكثير. ليست مشكلة دين ولا ربا ولا هم يحزنون، إنها مشكلة سياسة مالية، ومشكلة لوبي مالي قوي وقاهر .المؤسسة الدينية أمامه كومة من الحطب. وليس في الأمر جديد حتى تثار الزوابع، فالمواطن المغربي تفترسه البنوك في قروض السكن وغيره، والعلماء ساكتون، وعندما يريدون الكلام يتوجهون إلى الحلقة الضعيفة في المعادلة وهو المواطن ويجدون سهلا عليهم قراءة آية موجودة في القرآن تحرم الربا يعرفها الأطفال، لكنهم لا يستطيعون الاقتراب من أصحاب المال".

من جهته، كتب محمد عبد الوهاب رفيقي، الباحث المغربي في الفكر الإسلامي، على صفحته بـ"فيسبوك": "عوض أن نراعي الطقوس الاجتماعية المرتبطة بعيد الأضحى، والتماهي معها لحد اعتبار من لا يجد ما يشتري به الذبيحة مضطراً يجوز له الاقتراض حتى لو اعتقد المشتري بحرمة ذلك القرض، كان علينا توعية الخلق بأن الأضحية غير واجبة ولا لازمة أصلاً، ولا حرج في تركها، وأن صرف المال في شراء الكتب المدرسية مثلاً أكثر أهمية من صرفه في شراء اللحم ولو قصد به القربة، فضلاً عن أن نوجه الفقراء للاقتراض وتحمل المشقة والتكلف لإقامة طقس غلب فيه ما هو اجتماعي على ما هو ديني ... خلاصة القول: الأضحية سنة، من شاء ضحى ومن شاء لم يضح، ولكل أولوياته واختيارات".