أسامة مهدي: اتهمت منظمة حقوقية دولية الاحد وزارة الداخلية العراقية بإدارة مراكز احتجاز تمارس فيها عمليات تعذيب مروعة، أفضت الى موت معتقلين متهمين بالانتماء الى "داعش" لكن القضاء برّأهم من هذه التهمة بعد اعتقال لاشهر تعرضوا خلالها لانواع التعذيب النفسي والجسدي.

وقالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقرير لها اليوم تابعته "إيلاف" إن معتقلَيْن سابقَيْن ووالد رجل توفي أثناء الاعتقال قدموا لها تفاصيل عن سوء المعاملة والتعذيب والموت في مراكز تديرها وزارة الداخلية العراقية في منطقة الموصل. واشارت الى ان شخصا كان محتجزا لدى "مديرية الاستخبارات ومكافحة الإرهاب" (الاستخبارات) التابع لوزارة الداخلية في سجن شرقي الموصل من يناير كانون الثاني إلى مايو/أيار 2018 إنه شاهد وتلقى تعذيبا متكررا أثناء الاستجواب، ورأى 9 رجال يموتون هناك، اثنين على الأقل من سوء المعاملة.&

وقال والد رجل آخر من الموصل اعتقل في مارس من قبل الشرطة المحلية، إنه توفي أثناء استجوابه من قبل هذه القوات في مركز تابع لها في الموصل فيما اكد رجل احتُجز في سجن الاستخبارات في القيارة إنه رأى رجالا آخرين عادوا من الاستجواب وهم يحملون علامات على سوء المعاملة على أجسادهم.

لا عدالة للسلطات الامنية والقضائية

وقالت لما فقيه، نائبة مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش "هذه المزاعم الأخيرة لا تعكس المعاملة الوحشية لمحتجزي وزارة الداخلية في منطقة الموصل فحسب، بل أيضا عدم إحقاق العدالة من قبل السلطات الأمنية والقضائية عند وجود دليل على التعذيب وتقاعس الحكومة عن التحقيق في التعذيب والوفيات في الاحتجاز هو ضوء أخضر لقوات الأمن لممارسة التعذيب دون أي عواقب".

مخاوف المعتقلين

واشارت المنظمة الى انه بسبب معدل إطلاق السراح المنخفض نسبيا من المراكز التي احتجز فيها الرجال والخوف الاستثنائي الذي أبداه المعتقلون السابقون، لم يتمكن الباحثون من العثور على معتقلين سابقين آخرين كانوا على استعداد للتحدث ولكن مع ذلك، فإن أساليب التعذيب الموصوفة تتفق مع ممارسات التعذيب التي تمارسها قوات وزارة الداخلية الأخرى، والتي وصفها للباحثين محتجزون سابقون آخرون ووُثِّقت بالصور ومقاطع الفيديو التي نشرها المصور الصحفي علي أركادي في مايو/أيار 2017.

يشار الى انه بموجب "اتفاقية مناهضة التعذيب"، التي انضم إليها العراق في 2011، يُعرَّف التعذيب على أنه التعمد في إيقاع الألم أو العذاب الجسدي أو العقلي، من قبل موظف عمومي لغرض محدد مثل الحصول على معلومات أو اعتراف أو كعقاب.

مقابلات مع معتقلين سابقين

وأجرى باحثو هيومن رايتس ووتش مقابلات مع المعتقلين السابقين ووالد المحتجز الذي قُتل رهن الاعتقال في يوليو/تموز وأغسطس/آب الماضيين شخصيا وعبر الهاتف. قدم كل منهم أدلة مادية أو وثائقية أو فوتوغرافية لإثبات رواياتهم.

ولم يُخبر الرجال المعتقلون أو المفرج عنهم القضاة بأنهم تعرضوا لسوء المعاملة أو أنهم شهدوا سوء معاملة، خشية الانتقام من حراسهم، وقالوا إنهم لن يتخذوا أي خطوات للإبلاغ عن سوء المعاملة. وقال أحدهم إنه أصيب بكدمات في جميع أنحاء ذراعيه، كانت واضحة للقاضي، لكن القاضي لم يستفسر عنها أو يحقق في إمكانية استخدام التعذيب. قال الأب الذي فقد ابنه إنه تقدم بشكوى رسمية إلى الشرطة لكنه لم يتلق ردا بعد.

الموت تعذيبا

ونقلت رايتس ووتش عن المعتقل السابق سلام عبيد عبد الله قوله إن عناصر شرطة الموصل ألقوا القبض على نجله داوود سلام عبيد، وهو عامل، في 22 مارس/آذار قائلين إنهم يأخذونه لاستجوابه ثم أُخبر عبد الله بعد يومين أن ابنه قد توفي بسبب نوبة قلبية أثناء التحقيق لكن عندما حصلت العائلة على الجثة بعد شهر، ظهرت عليها كدمات وجروح.

اما "محمود" (35 عاما)، الذي طلب عدم الكشف عن هويته فقد اشار الى إنه سلم نفسه إلى مسؤولي الاستخبارات في الموصل في يناير/كانون الثاني بعد أن أخبره صاحب العمل أن الاستخبارات قد أصدرت مذكرة توقيف بحقه. وقد احتُجز 4 أشهر، تعرض خلالها للتعذيب مرارا لأنه اشتُبه في انتمائه إلى تنظيم "داعش" ووصف أساليب التعذيب المستخدمة عليه وعلى غيره من المعتقلين، وقال إنه رأى شخصين يموتان بسبب التعذيب.

لا دلائل عن علاقة بداعش

وقد أُطلق سراح محمود في مايو بعد 4 أشهر، من قبل قاضي تحقيق في محكمة نينوى لمكافحة الإرهاب، حيث وجد أنه لا يوجد دليل يربط محمود بداعش. عندما مثل محمود أمام القاضي في أول جلسة استماع له، لم يثر القاضي أسئلة حول معاملته، رغم أن ذراعيه حملت رضوضا واضحة، على حد قوله. قال إنه لم يخبر القاضي أنه تعرض للإيذاء لأنه كان خائفا من رد الحراس وسمّى محمود 4 رجال أمن قاموا بتعذيبه.

وقال "في معظم الليالي، أرى كوابيس حيث يُهيئ لي أنني ما زلت في السجن وأستيقظ وأنا أتعرق ولا أقوى على التقاط أنفاسي إلا حين ألتفت حولي وأرى أنني في بيتي، مستلقيا بجوار زوجتي". وقال إنه كان يخشى من القصاص الشديد من قبل القوات التي احتجزته لطلب التعويض عن الانتهاكات.

اما "كريم" فقد اعتقل 11 شهرا، أولا في سجن الاستخبارات في القيارة، على بعد 60 كيلومتر جنوب الموصل، ثم في سجن الفيصلية حيث كان محمود محتجزا. وقال إنه لم يتم استجوابه أو تعذيبه، لكنه رأى علامات تعذيب على 5 رجال في سجن القيارة.

وقد وجد قاضٍ في مايو 2017، بعد فترة وجيزة من احتجازه، أنه لا يوجد دليل واضح ضده وأمر بإجراء فحص أمني لإخلاء سبيله. لكنه احتُجز حتى مايو/أيار 2018، عندما تمكن محاميه من تحديد مكانه والإثبات للقاضي أنه لا يوجد أي دليل ضده.

لا التزام بتحريم الدستور العراقي للتعذيب

يحرّم الدستور العراقي "جميع أنواع التعذيب النفسي والجسدي والمعاملة غير الإنسانية" وينص أيضا على أنه "لا عبرة بأي اعتراف انتزع بالإكراه أو التهديد أو التعذيب، وللمتضرر المطالبة بالتعويض عن الضرر المادي والمعنوي الذي أصابه، وفقا للقانون". كما أن "قانون أصول المحاكمات الجزائية" يحظر "إساءة المعاملة والتهديد بالإيذاء والإغراء والوعد والوعيد والتأثير النفسي واستعمال المخدرات والمسكرات والعقاقير" لانتزاع اعتراف.

ولكن مع ذلك تقول هيومن رايتس ووتش إن النظام الجزائي العراقي يعتمد بشكل كبير على الاعتراف باعتباره الدليل الوحيد في المحاكمة، لا سيما في المحاكمات الحالية لآلاف المشتبه في انتمائهم إلى داعش. نادرا ما يتعامل القضاة في العراق مع مزاعم التعذيب في قاعة المحكمة بشكل مناسب حيث يتجاهل معظمهم الادعاءات، أو، في بعض الحالات، يأمرون بإعادة المحاكمة دون التحقيق مع رجل الأمن المتورط في سوء المعاملة.

وعود بالتحقيق لم تنفذ
&
واشارت المنظمة الى انها كتبت في 12 أغسطس الحالي إلى حيدر العكيلي، ممثل اللجنة الاستشارية لرئيس الوزراء، طالبة الرد على ادعاءات الأشخاص الذين تمت مقابلتهم فرد في 14 أغسطس قائلا أنه ملتزم في التحقيق في موت داوود سلام العبيد، لكنه لن يتمكن من التحقيق في الادعاءات الأخرى ما لم يُعلن عن هوية الأشخاص المعنيين.

وأوضحت المنظمة في رسالة لاحقة أنها وفرت معلومات كافية للتحقيق في ادعاءات التعذيب والموت أثناء الاعتقال، بما فيها فترات الاحتجاز وأماكنه والأشخاص الذي لعبوا دورا غير ان العكيلي رد في اليوم نفسه في رسالة إلكترونية، في إشارة إلى الطلب من مكتبه إجراء تحقيق قائلا "أود أن أقول نحن متفقين ولسنا مختلفين لأننا بالطبع سنقوم بذلك و(لكن)... عملية فتح تحقيقات بهذه التفاصيل الدقيقة بناء على "رواية" شخص غير معروف أمر صعب.. ومع ذلك فسوف نقوم بكل ما نستطيع".

دعوة لتحقيق شفاف

واكدت هيومن رايتس ووتش انها قدمت المعلومات إلى المفتش العام بوزارة الداخلية مشددة على انه ينبغي للمفتش العام إجراء تحقيق شفاف في ممارسات التعذيب والوفيات في مركز الشرطة في الموصل والسجن في الفيصلية ونشر نتائجه علنا كما ينبغي له أن يضمن معاقبة أي قادة متورطين في الانتهاكات المبلغ عنها بشكل مناسب، بما في ذلك من خلال التهم الجنائية، وضمان حصول محمود وغيره ممن عانوا من سوء المعاملة على تعويضات.

وشددت المنظمة بالقول "ان على أي دولة تقدم الدعم لقوات الأمن التابعة لوزارة الداخلية أن تحقق فيما إذا كانت مساعداتها قد ساهمت في الانتهاكات التي وثقتها المنظمة وأن تنظر في تعليق دعمها حتى تتوقف الانتهاكات وعليها ضمان ألا تساهم زيادة المساعدات المقدمة إلى قوات الأمن في التعذيب وغيره من الانتهاكات الخطيرة. أحد السبل لتحقيق ذلك هو تقييم ما إذا كانت السلطات العراقية تتخذ خطوات حقيقية للتحقيق في مزاعم الانتهاكات الجسيمة وإجراء ملاحقات قضائية تشمل التعذيب أثناء الاحتجاز.

كم اشارت الى اهمية ان تتأكد السلطات &من أن يتضمن أي تدريب حالي أو مستقبلي للقوات العسكرية أو الأمنية أو الاستخبارات تعليمات شاملة حول مبادئ وتطبيق قوانين الحرب وحقوق الإنسان، لا سيما فيما يتعلق بحقوق المعتقلين.

توثيق لوفيات نتيجة التعذيب
&
وثقت رايتس ووتش بأسهاب افادات معتقلين سابقين تمت تبرئتهم من تهمة الانتماء لداعش حيث اكدوا اعتقالهم في زنزانات مكتضة ومورست ضدهم عمليات تعذيب وحشية حيث اكد احدهم انه رأى زميلين له في الزنزانة يموتان من التعذيب الذي مارسته عليهما قوات الأمن خلال جلسات الاستجواب.

واوضحوا بالتفصيل عددا من أساليب التعذيب التي استخدمها المحققون، بما في ذلك تعليقه من يديه المقيدتين خلف ظهره بتقنية تسمى" البزونة" (القطة) 6 مرات على الأقل والضرب عدة مرات، بما في ذلك على أسفل قدميه، وهي تقنية تعرف دوليا باسم "الفلقة". كما اشاروا الى انهم رأوا أيضا رجال أمن يعذبون سجناء آخرين بما في ذلك بتعليقهم بخطافة وبربط زجاجة ماء بسعة لتر في أعضائهم الذكرية، ما يؤدي إلى الالتهاب.

ونقلت المنظمة عن معتقلين قولهم إنهم كانوا محتجزين في زنزانة مساحتها حوالي مترين بثلاثة أمتار، مع 50 إلى 70 رجلا فيما كان هناك 3 زنزانات، إحداها زنزانة للنساء المحتجزات، وقد عرف ذلك من أصواتهن، وهناك كاميرات في كل زنزانة. وكان المعتقلون ممنوعين من التحدث إلى بعضهم البعض. قال إنه سُمح لهم بمغادرة زنزانتهم مرتين في اليوم، في الصباح والمساء، لاستخدام الحمام، لكنهم كانوا يتعرضون للضرب إذا ظلوا أكثر من دقيقتين في المرحاض.

كما اكد المعتقلون وفاة 9 رجال في الزنزانات اثنان بعد عودتهما من الاستجواب، والبقية في الزنزانة لأسباب غير واضحة يبدو انها نتيجة التعذيب النفسي والجسدي المروع الذي تعرضوا له.

وفي الختام اشارت لما فقيه نائبة مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش قائلة "المحتجزون وعائلاتهم يقدمون دليلا ملموسا على إساءة المعاملة في مراكز وزارة الداخلية ولذلك فالكرة الآن في ملعب السلطات لتظهر أن لديها الهيكليات المناسبة للتحقيق والملاحقة والتعويض".