عَلّق كثيرٌ من الصحف العربية بنسختيها الورقية والإلكترونية على المظاهرات التي عمّت مدناً عدة في إيران احتجاجاً على تردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد. ووصف كُتّاب ما يحدث بأنه "ثورة جياع"، متهمين طهران بإنفاق الأموال على الحروب الخارجية بدل الإصلاح الاقتصادي.

أما المؤيدون لطهران فاعتبروه "مؤامرة" تقودها أمريكا وإسرائيل والسعودية لنقل المعركة إلى داخل إيران، متوقعين أن تنجح السلطات في إفشالها.

"ثورة جياع"

وتعلق "البيان" الإماراتية في افتتاحيتها على سبب المظاهرات فتقول: "قرابة أربعة عقود والشعب الإيراني يعاني الفقر والجوع والبطالة، ويعاني القمع وإرهاب السلطة، ويعاني الفساد المتفشي في أجهزة الحكم والأمن وفي قيادات الجيش، ويأخذه حكم الملالي من أزمات داخل الدولة وحروب مع جيرانها لسنوات طويلة، إلى أزمات وحروب في دول أخرى".

وتضيف أن النظام الإيراني "ينفق المليارات على ميليشيات وعصابات إرهابية مسلحة تعيث خراباً ودماراً وقتلاً ونهباً، في اليمن وسوريا ولبنان وغيرها، وانتظر الشعب الإيراني الفرج بعد الاتفاق النووي الدولي ورفع العقوبات، لكنه فوجئ بالمزيد من الأزمات".

وتشير الجريدة إلى أنه "على ما يبدو أن صبر الشعب الإيراني قد نفد، وأنه لم يعد بالفعل يطيق ولاية الفقيه وحكم الملالي".

وفي "الأهرام" المصرية، يقول الكاتب مكرم محمد أحمد: "يبدو أن الشعب الإيراني ضاق ذرعاً بالحوزة الحاكمة سواء في ذلك المحافظين أم الإصلاحيين بسبب الفساد وارتفاع الأسعار وانعدام الإصلاح وتزايد الإنفاق على تصدير الثورة إلى الخارج وتمويل الحوثيين وحزب الله اللبناني والدور الذي يلعبه الحرس الثوري في سوريا والعراق".

وتحت عنوان "ثورة الفقر والجوع تهدد عرش الشاه المعمم"، يقول أحمد الجارالله رئيس تحرير "السياسة" الكويتية: "حين قامت ثورة الخميني في 1979 كانت نسبة الشباب في إيران نحو 55 في المئة، ويومذاك اعتمدت 'ثورة الكاسيت' وهي التسمية التي أطلقت على حركة الشاه المعمم الجديد ... واليوم تبلغ نسبة الشباب نحو 63 في المئة من الشعب الذي صبر 39 عاما على حكم طبقة لا تزال تعيش في كهوف القرون الوسطى منفصلة عن الواقع العالمي".

ويضيف أن "ما يجري في إيران اليوم ليس فورة، أو انتفاضة يمكن أن تهدأ بوعود، لأن الأسباب الدافعة اليها أعمق من تلك التي أدت للثورة الخضراء في عام 2009 ... إنما هي ثورة جوع، صرخة 40 في المئة من الإيرانيين العاطلين عن العمل، والمحتجين على الغلاء وتفرد طبقة قليلة العدد بثروات البلاد، إضافة إلى مليارات تهدر في الخارج على مشروع تصدير الثورة".

كذلك تقارن "القدس العربي" اللندنية في افتتاحيتها بين المظاهرات الحالية وتلك التي شهدتها طهران سنة 2009، فتقول: "رغم أن تلك التظاهرات نجحت في استقطاب الملايين، مقابل الآلاف فقط في المظاهرات الحالية، فإن شعاراتها ظلت إصلاحية عموماً ولم تبلغ مستوى المطالبة برحيل 'الديكتاتور' وإسقاط ولاية الفقيه".

ووصفت الصحيفة رد فعل السلطات الإيرانية تجاه المظاهرات بأنه "كلاسيكي يحتذي بالأنظمة العربية التي شهدت اندلاع مظاهرات احتجاج شعبية".

ولا تتوقع الصحيفة ما الذي يمكن أن تؤدي إليه هذه المظاهرات، فتقول: "يبقى أن من المبكر التكهن بالمسارات التي سوف يتخذها هذا الحراك الشعبي المتعاظم، ولكن ليس من المبكر أن تستخلص السلطات الإيرانية الدرس الأهم والأبكر: أن نيراناً أشعلتها محروقات الشعب، لا تطفئها خراطيم المياه وحدها".

المؤامرة

ويتوقع الكاتب السوري علي الدبولي في "رأي اليوم" الإلكترونية اللندنية أن السلطات الإيرانية ستحتوي ما سمّاه بـ"المؤامرة"، فيقول: "فرص نجاح إيران قوية في ضرب المؤامرة المشتعلة في وجه دورها وحضارتها وقوتها (الصاروخية) لأنها ستستفيد قطعا مما جرى في سوريا وحيثياته".

وتعترف صحيفة "الوفاق" الإيرانية الصادرة باللغة العربية بهذه المظاهرات، وترجع أسبابها إلى الأزمة الاقتصادية، وإن كانت تقلل من عدد المتظاهرين.

فتقول: "لا أحد يستطيع أن ينكر خروج العشرات للتظاهر في عدة مدن إيرانية للمطالبة بتحسين الأوضاع الاقتصادية داخل البلاد، وهذا الأمر لم تخفه وسائل الإعلام الإيرانية على عكس العديد من الدول التي تعمدت إخفاء ما يجري داخل بلادها".

وتتساءل الصحيفة عن السبب وراء هذه الأوضاع الاقتصادية: "من أوصل هذا الشعب إلى هذه المرحلة ومن فرض عليه عقوبات اقتصادية الواحدة تلو الأخرى منذ نهاية التسعينيات، والعقوبات الدولية والغربية منذ عام 2006 والتي جرى تغليظها في 2012، أليست أمريكا وحلفاءها في الغرب".

وتضيف أن قسماً كبيراً من الشعب في إيران كان يعول على نتائج الاتفاق النووي "الذي كان من المفترض أن يساهم في تحسين المعيشة لهذا الشعب"، مشيرة إلى أن طهران التزمت ببنوده "لكن مع و صول الرئيس الأمريكي الحالي إلى الحكم بدأ هذا الاتفاق يأخذ منحى ثانياً".

كما تشير الصحيفة إلى ما وصفته بـ"خطط في الغرف السرية" تقوم بها أمريكا وإسرائيل والسعودية "لنقل المعركة داخل إيران".

وتؤكد الصحيفة أن كلاماً لولي العهد السعودي محمد بن سلمان في هذا الشأن "يوضح فيما لا يدعو للشك بأن الإسرائيلي والأمريكي والسعودي بعد فشلهم في تنفيذ المخططات الرامية لتقسيم العراق وسوريا عبر ورقة الإرهاب يلهثون جاهدين لجلب المعركة إلى داخل إيران لخلق انعدام الأمن في البلاد وتوفير الوسائل اللازمة لخلق عدم الاستقرار في جمهورية إيران الإسلامية، أو لإجبارها على تقديم تنازلات ذات طبيعة سياسية أو اقتصادية أو عسكرية".