القاهرة: تتصاعد حدة التوتر في العلاقات بين مصر والسودان، بسبب الخلاف حول عدد من القضايا المشتركة، ومنها إقامة قاعدة عسكرية تركية على جزيرة سواكن السودانية، ومثلث حلايب وشلاتين، وسد النهضة الأثيوبي، وجماعة الإخوان المسلمين.

ويصدر كبار المسؤولين السودانيين تصريحات تتسم بالعنف ضد مصر، وعلى رأسهم وزير الخارجية إبراهيم غندور، الذي اتهم القاهرة بالعمل ضد مصلحة السودان، وسرقة حصته من مياه النيل، لكن هل ترتفع حدة التوتر بين البلدين الشقيقين إلى حد المواجهة المسلحة؟

والإجابة تأتي على لسان قراء "إيلاف" بالنفي، مؤكدين أن الخلافات بين مصر والسودان لن تحتدم أكثر مما هي عليه، ولن تصل إلى حد العنف المتبادل. طرحت "إيلاف" السؤال التالي على القراء: "هل تخشى أن يتصاعد النزاع بين مصر والسودان إلى مواجهة مسلحة؟ وخيّرتهم بين "نعم" و"لا".

شارك 1302 قارئ في التفاعل مع الاستفتاء، واستبعدت الأغلبية أن ترتفع سخونة التوتر بين الجارتين العربيتين إلى حد المواجهة المسلحة، وتقدر تلك الأغلبية بـ942 قارئًا، بنسبة 72%.

بينما لا تستبعد الأقلية وتقدر بـ360 قارئًا بنسبة 28% أن تتعقد الأمور بين مصر والسودان، وتصل إلى حد المواجهة العنيفة، لاسيما في ظل استمرار عمليات الشحن، وتدخل أطراف دولية فيها.

اتخذت العلاقات بين مصر والسودان مسارًا متوترًا في أعقاب تدخل الجيش المصري لعزل الرئيس الأسبق محمد مرسي في 3 يوليو 2013، بعد مظاهرات شعبية استمرت لثلاثة أيام، وبعدها اتهمت وسائل إعلام مصرية الخرطوم بإيواء عناصر من جماعة الإخوان المسلمين، التي تصنفها القاهرة تنظيمًا إرهابيًا.

غير أن الملفات التي ساهمت أكثر في توتر العلاقات، هي مثلث حلايب وشلاتين، الذي يصر كل طرف على أنه تابع له، بالإضافة إلى الخلاف حول سد النهضة الأثيوبي، وأخيرًا منح السودان جزيرة سواكن لتركيا، من أجل استغلالها وإقامة قاعدة عسكرية عليها، ما اعتبرته القاهرة تهديدا لأمنها القومي، لاسيما في ظل التوتر بين أنقرة والقاهرة.

حتى تاريخ 5 ديسمبر الماضي، لم يتخطَ التوتر بين مصر والسودان حدود التراشق الإعلامي، أو التصريحات المتبادلة حول تبعية حلايب وشلاتين، حتى قرر السودان سحب سفيره لدى مصر "للتشاور" بعد تجدد التوتر بين البلدين، إثر زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للخرطوم الشهر الماضي.

وردت وزارة الخارجية المصرية القول، إن "مصر الآن تقوم بتقييم الموقف بشكل متكامل لاتخاذ الإجراء المناسب".

ولم تمضِ أيام قليلة على قرار سحب السفير السوداني من القاهرة، حتى قدمت الخرطوم شكوى إلى مجلس الأمن بشأن مثلث "حلايب وشلاتين"، بل وطالب مسؤولون سودانيون بضرورة إلغاء اتفاقيات الحريات الأربع مع مصر والدعوة لتجمع حاشد في الساحة الخضراء في الخرطوم في 30 يناير للتظاهر ضد مصر.

ووصل الأمر إلى اتهام القاهرة بإرسال أسلحة ومعدات عسكرية إلى قاعدة بشرق إريتريا، بعد زيارة للرئيس الأرتيري أسياس أفورقي لمصر.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية السودانية، قريب الله خضر، إن "السودان جدد الشكوى الخاصة بمثلث حلايب، وجاء ذلك في الرسالة التي بعثها، مندوب السودان الدائم لدى مجلس الأمن، السفير عمر دهب، إلى رئيس المجلس بنيويورك".

وأضاف في تصريحات له أن "مندوب السودان الدائم، طلب من رئيس مجلس الأمن، توزيع خطاب السودان على أعضاء المجلس باعتباره وثيقة من وثائقه"، مشيرًا إلى أن "السودان ظل يجدد هذه الشكوى منذ العام ١٩٥٨ في ظل رفض الجانب المصري للتفاوض أو التحكيم الدولي بشأن مثلث حلايب".

ونقل موقع قناة "روسيا اليوم" الإخبارية تصريحات منسوبة إلى السفير السودان في مصر يكشف فيها عن "اجراءات أشد عنفًا ضد مصر قد تصل إلى إعلان الحرب"، غير أن وزارة الخارجية السودانية نفتها لاحقًا، وقالت في بيان نشرته على موقعها الرسمي: "تداولت بعض وسائط الإعلام تصريحًا نقلاً عن قناة RT منسوباً للسيد السفير عبد المحمود عبد الحليم سفير السودان لدى جمهورية مصر العربية، تحت عنوان السودان يتخذ إجراءات أشد عنفاً ضد مصر بينها إعلان الحرب.

وتود وزارة الخارجية أن تنفي وبصورة قاطعة إدلاء السيد سفير السودان لدى القاهرة بهذا الحديث المنسوب إليه".

وفي المقابل، قال السفير محمود مسعود، مساعد وزير الخارجية للشؤون الأفريقية سابقًا، إن هناك خلافات حقيقية مع الخرطوم حول عدد من الملفات والقضايا المشتركة، ومنها حلايب وشلاتين وسد النهضة ومنح جزيرة سواكن لتركيا، بالإضافة إلى الخلاف حول جماعة الإخوان المسلمين، مشيرًا إلى أن تلك الخلافات لن تصل إلى حد المواجهة المسلحة، بل إن مصر لن تسمح بأن تتدخل فيها أطراف أخرى خارجية أو إقليمية.

وأضاف لـ"إيلاف" أن مصر والسودان شعب واحد، ويربطهما نهر النيل، ولديهما مصير واحد، وليس بلدين جارين، لافتاً إلى أن القاهرة لن تسمح بارتفاع منسوب سخونة العلاقات، ولم ولن يصدر أي تصريح رسمي ضد الخرطوم، مهما علت نبرات تصريحات المسؤولين السودانيين بمن فيهم الرئيس عمر البشير.

ويرى البعض في مصر أن هناك أطرافاً خارجية تسعى إلى توتر العلاقات مع السودان، وقال الخبير في الشؤون الأفريقية الدكتور محمد عبد السلام، إن التوتر بين مصر والسودان تصاعد بشكل غير مسبوق في أعقاب زيارة الرئيس التركي إلى الخرطوم والاتفاق على استغلال جزيرة سواكن، لإقامة قاعدة عسكرية.

وأضاف لـ"إيلاف" أن أردوغان يكن كل العداء لمصر، وهذا واضح في تصريحات السابقة، وتبنيه لجماعة الإخوان المسلمين، وفتح قنوات فضائية لها من تركيا، مشيرًا إلى أن هناك أطرافاً أخرى دولية وإقليمية تريد للعلاقات بين الخرطوم والقاهرة أن تدخل نفقًا مظلمًا، من أجل إغراق البلدين في الفوضى على غرار ليبيا.

وأشار إلى أن مصر تسير وفق النهج العقلاني في علاقاتها مع السودان، ولن تنجر إلى مستنقع التوتر مهما حدث، ومهما بلغت سخونة تصريحات الجانب الآخر، لأن "السودان من أهم الدول بالنسبة إلى مصر"، حسب ما قال وزير الخارجية سامح شكري.