ارتفعت الأصوات في العالم مطالبةً بفرض ضوابط تشريعية على نشاط شركات التكنولوجيا العملاقة التي تسير وراء شهيتها في الاستحواذ ونشر المنتوجات على أوسع نطاق وتحقيق الأرباح.

شهد عام 2017 ردات فعل قوية على ممارسات شركات التكنولوجيا العملاقة، إذ فرض الاتحاد الاوروبي غرامة قدرها 2.7 مليار دولار على "غوغل" وهدد بمزيد من العقوبات. وفي أواخر العام، اتهم مكتب مكافحة الاحتكار في ألمانيا موقع "فايسبوك" بتعقب مستخدميه. وهددت فرنسا بفرض غرامة على "فايسبوك" أيضًا لتقاسمه المعلومات مع تطبيقات مختلفة. 

مفاجآت الانترنت

لم تعد اميركا الملاذ الذي كانته حين كانت شركات التكنولوجيا تُعامل بوصفها كنزًا وطنيًا ثمينًا. فاليوم، تحاول وزارة العدل منع شركة "أي تي أند تي" من استملاك شركة "تايم وارنر"، ويحقق عدد من المدعين العامين في ولايات مختلفة في نشاط "غوغل". ورُفعت دعوى بتهمة الاحتكار ضد "مايكروسوفت" بعد التحقيق الذي أجرته هذه الولايات في تصرفات الشركة. وكانت ولاية تكساس قامت بدور محوري مماثل ضد شركة "ستاندارد أويل" النفطية إبان ثمانينيات القرن الماضي. 

من جهة أخرى، ما زالت الخدمات التي تقدمها هذه الشركات تتمتع كلها تقريبًا بشعبية واسعة بين المستهلكين الذين يستخدمون منتوجاتها في الاتصالات والملاحة الأرضية والبحث عن معلومات والشراء والتخالط الاجتماعي، حتى أنهم لم يعودوا قادرين على تخيل الحياة من دون هذه الشركات. وهذا سبب من الأسباب التي جعلت المستثمرين يتجاهلون الأصوات المناهضة لشركات التكنولوجيا بوصفها مواقف سياسية استعراضية.

لكن مزاج السوق يمكن أن يتغير بسرعة. ونشر مارك ماهاني، المحلل في بنك آر بي سي كابتال الاستثماري العالمي، قائمة بما سماه "مفاجآت الانترنت العشر الأولى لعام 2018". وكان في صدارة هذه المفاجآت التحرك الملموس لفرض ضوابط على نشاط شركات التكنولوجيا. وعلى الرغم من أنه وصف احتمالات مثل هذا التحرك بالضعيفة، لكنه اعتبرها أعلى مما تعتقد الأسواق المالية. ويمكن أن تكون تداعيات مثل هذا التحرك بالغة الأثر. 

نهم الاستحواذ

ثمة كثيرون يرون أن شركات التكنولوجيا أكبر مما ينبغي ومعادية للمنافسة وتسبب الادمان على خدماتها ومدمرة للديمقراطية. 

يستند من يعادون حجمها الضخم إلى دراسات نشرتها "إيكونومست" وأجرتها مؤسسات بحثية وأكاديمية مشيرة إلى ازدياد التركيز في قطاع الأعمال الاميركية حيث ترتبط ارباح بعض الشركات الكبيرة باللامساواة. 

تزداد قيمة المعلومات التي تجمعها هذه الشركات عن المستهلكين مع ولوجها مجالات جديدة مثل الميكروفونات المنزلية. ويستأثر "فايسبوك" و"غوغل" بنسبة 80 في المئة من الإحالات إلى مواقع إخبارية أخرى، وفي عام 2017 كانت الشركتان تحصدان نحو 80 في المئة من كل دولار يُنفق للاعلان على الانترنت في اميركا. وتهمين "غوغل" على نحو 85 في المئة من إيرادات الإعلانات المرتبطة بعمليات البحث على الانترنت في أميركا. وتسيطر شركة أمازون على زهاء 40 في المئة من التجارة الأميركية على الانترنت إذا جمعنا ما تبيعه الشركة مع ما يبيعه آخرون يستخدمونها سوقًا لترويج بضاعتهم. 

يعتقد كثيرون أن شركات التكنولوجيا العملاقة تحارب المنافسة برصد الشركات التي يمكن أن تشكل تحديًا لمواقعها في السوق ثم شرائها، يشهد على ذلك استملاك "فايسبوك" لتطبيق "إنستاغرام" لتبادل الصور وخدمة "واتس آب" للتراسل، من بين شركات اخرى. 

تسبب الإدمان

من التهم الأخرى التي توجه إلى شركات التكنولوجيا أن منتوجاتها تسبب الإدمان. ويشعر كثيرون أن الأشخاص الذين يقضون وقتًا طويلًا على مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما المراهقون، يتعرضون لمشكلات في صحتهم العقلية.يُشار هنا إلى ارتفاع معدلات الكآبة والانتحار في بعض الأماكن. وطالب مستثمرون كبار في "آبل" أخيرًا بأن تبذل الشركة مجهودًا اكبر لمساعدة المراهقين على التخلص من الإدمان على الهواتف الذكية.

إضافة إلى تهمة الضرر التي تلحقه الشركات التكنولوجية بالصحة العقلية، تواجه تهمة إضعاف الديمقراطية، ذلك أن شركات التواصل الاجتماعي تصنع فقاعات تغذي المستخدمين بمعلومات معينة، وهي تنشر أخبارًا كاذبة تزيد الاستقطاب السياسي. 

بعد الهجمات الإرهابية في لندن في عام 2017، وجهت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي اصبع الاتهام إلى "يوتيوب" حيث يروج الجهاديون دعايتهم وافكارهم المتطرفة. وتضررت سمعة "فايسبوك" بعد استخدام روسيا مواقع التواصل الاجتماعي للتأثير في الانتخابات الرئاسية الاميركية في عام 2016. ويمكن قول الشيء نفسه عن سمعة "تويتر".

فلنفككها!

للحد من سطوة هذه الشركات يُقترح تفكيكها. ومن مؤيدي هذا المقترح باري لين، مدير البرامج في معهد الأسواق المفتوحة، فيما نحت تيم وو المسؤول السابق في إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك اوباما مصطلح "حيادية الشبكة" وصرح لمجلة "إيكونومست" أنه يؤيد إحياء تقليد القضايا الكبرى في محاربة الاحتكار. وتستطيع وزارة العدل الأميركية أو المفوضية الأوروبية أن تحاولا إجبار "فايسبوك" على بيع "انستاغرام" و"واتس آب" مثلًا. وربما يُفضل أن تبادر هذه الشركات إلى تفكيك نفسها قبل أن تقرر اجهزة الرقابة بصورة اعتباطية أي فروع يجب أن تُفصل عنها.

من الاقتراحات الأخرى فرض ضوابط على هذه الشركات تشمل الأسعار وتحديد سقف للأرباح مثل أي شركة للخدمات العامة. كما يمكن منع هذه الشركات من استملاك أي شركات أخرى أو دمجها بهذه الطريقة أو تلك.

واقترحت عضو مجلس الشيوخ الاميركي عن الحزب الديمقراطي ايمي كلوبكار تشريعات تشترط على الشركات أن تثبت أن صفقاتها الكبرى تشجع المنافسة، وأن تقدم معلومات عن نتائج الاندماج مع شركات أخرى لمدة خمس سنوات. وعلى الرغم من أن هذه التشريعات لن تمر، فإنها تمثل مبدأ محتملًا للمنافسة يمكن أن يظهر من خلال سوابق جديدة للنظر إلى ما ستكون عليه الشركات الصغيرة لاحقًا وليس إلى وضعها اليوم. 

ضوابط وتشريعات

القضية الأخرى التي تتطلب ضوابط على ممارسات شركات التكنولوجيا هي الكم الهائل من المعلومات التي تتجمع لديها عن المستخدمين والمستهلكين. وفي مايو المقبل، تدخل حيز التنفيذ اللائحة العامة لحماية المعلومات التي اصدرها الاتحاد الاوروبي. 

كما يدعو منتقدو شركات التكنولوجيا إلى استحداث هيئات جديدة مختصة في النظر في الشكاوى وفض النزاعات لتسريع حل هذه القضايا وتبسطيها. وتستطيع الشركة التي ترى أن "أمازون" سحقتها عن غير وجه حق أو الصحيفة التي تعتقد أن "فايسبوك" مارس التمييز ضدها اللجوء إلى هذه الهيئات لإنصافها. 

وهناك أنموذجان ممكنان في هذا الشأن، إذ تستطيع الشركات أن تشكل لجانها التقنية الخاصة بها من خبراء خارجيين تتاح لهم امكانية الاطلاع على شفرة برمجياتها وبياناتها والغوريثماتها. والبديل الآخر هو تشكيل محكمة مستقلة لهذه القضايا. وتوجد في اميركا محاكم لفض النزاعات بشأن براءات الاختراع والتمييز يمكن الاقتداء بها.

القاعدة الأسلم عمومًا هي تفادي المشكلات قبل ظهورها. فالشفافية في التعاطي مع الجهة التي تدفع ثمن الاعلانات السياسية خطوة حكيمة قبل أن يبدأ الكونغرس تحرياته عنها. وكان تعهد مارك زوكربرغ، مؤسس طفايسبوك"، إصلاح ممارسات موقع التواصل الاجتماعي العملاق في العام الجديد خطوة جريئة في هذا الاتجاه. 

أعدت "إيلاف" هذا التقرير بتصرف عن "إيكونومست". الأصل منشور على الرابط:
https://www.economist.com/news/briefing/21735026-which-antitrust-remedies-welcome-which-fight-techlash-against-amazon-facebook-and?frsc=dg%7Ce