واشنطن: بعد الهجوم الذي شنته تركيا على جيب كردي هادئ نسبيا في شمال سوريا، يخشى الأكراد تخلي العالم عنهم بعد أن كانوا رأس حربة القوات البرية التي هزمت تنظيم الدولة الإسلامية. 

وعلى مدى الأيام الأربعة الماضية، دخلت القوات التركية ومقاتلون سوريون متحالفون معها منطقة عفرين التي تدافع عنها وحدات حماية الشعب الكردية المدعومة من واشنطن. 

ورغم دعوات مسؤولين أميركيين بدءا من الرئيس دونالد ترامب إلى ضبط النفس، لا يبدو أن لدى واشنطن نفوذاً يذكر على شريكتها في حلف شمال الأطلسي عندما يتعلق الأمر بمعركتها ضد الأكراد. 

والآن، يخشى الأكراد الذين بات المثل السائر لديهم "لا أصدقاء لنا سوى الجبال" من تحولهم إلى ضحايا منسيين في وقت تسعى تركيا وروسيا والولايات المتحدة لزيادة نفوذها.

وذلك رغم تشكيل الأكراد عصب قوات سوريا الديموقراطية المدعومة أميركيا والتي أهدت ترامب أول انتصار عسكري له بسقوط الرقة، عاصمة تنظيم الدولة الإسلامية.

وتعرب ممثلة منطقة الادارة الذاتية الكردية السورية ("روج آفا")، في واشنطن سينام محمد عن خوفها على عائلتها في عفرين. وقالت للصحافيين في واشنطن "بالنسبة لنا، لدى الولايات المتحدة التزام أخلاقي بحماية الديموقراطية في هذه المنطقة". 

وبالنسبة للقادة المحليين، تشكل منطقة "روج آفا" اختبارا للفدرالية الديموقراطية التي يمكن أن تصبح نموذجا يحتذى لبقية سوريا الغارقة في حرب أهلية. 

لكن تركيا ترى في المناطق التي يديرها الأكراد في شمال سوريا ممرا لإمداد "الإرهابيين" وقاعدة خلفية لحزب العمال الكردستاني المحظور الذي يشن تمردا منذ ثلاثة عقود في جنوب شرق تركيا والمدرج على لائحة الإرهاب لدى أنقرة وحلفائها الغربيين.

إلا أن سينام محمد أصرت على أنه لم يتم إطلاق "ولا رصاصة واحدة" من عفرين تجاه تركيا مشيرة إلى أن أي مشكلة لدى تركيا مع حزب العمال الكردستاني هي مسألة داخلية وليست عبر الحدود. وتتعاون قوات أميركية خاصة قوامها أكثر من ألفي عنصر مدعومة بغطاء جوي مع وحدات حماية الشعب الكردية تحت لواء قوات سوريا الديموقراطية شرق الفرات لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية. 

لكن وحدات حماية الشعب الكردية في عفرين، التي تعد جيبا معزولا غرب النهر، لا تحظى بدعم عسكري أميركي صريح. وبعدما منحت روسيا حليفة النظام السوري الضوء الأخضر لتركيا على ما يبدو للهجوم، بات هؤلاء تحت الحصار. 

وفي منطقة تسيطر عليها وحدات سوريا الديموقراطية على الضفة المقابلة لنهر الفرات قريبة من الحدود الطويلة مع تركيا، يزداد الشعور بالمرارة في أوساط المقاتلين حيال الدور الأميركي. 

وقال عمر محمود (35 عاما) من بلدة تل تمر الواقعة في شمال غرب سوريا "دافع الأكراد عن قيم ومبادىء العدالة وقاتلوا داعش دفاعا عن جميع دول العالم ونسقوا مع التحالف الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة والآن امريكا صامتة وهذا أمر مخيب للآمال". 

"ظلم تركيا"

ويخشى مدني آخر من تل تمر يدعى مسعود بارافي (34 عاما) كما العديد من الأكراد بأن تتمادى تركيا وتشن هجوما على المناطق الكردية شرق الفرات حيث هزمت وحدات حماية الشعب الكردية تنظيم الدولة الإسلامية. 

وقال "حاربنا داعش وكنا أخوة لجميع السوريين. (...) حررنا المناطق التي كانت تحت نير داعش واليوم أصبحنا تحت رحمة تركيا". 

وأضاف أن الطائرات التركية تقصف عفرين حاليا "وتقتل الاطفال والنساء بحجة اننا انفصاليون ولكننا جزء من سوريا. نرى الصمت الدولي ولا أحد يتحدث عن وضع الأكراد". 

لكن هناك بعض التعاطف في واشنطن مع محنة الأكراد. 

ومن المفترض أن يجري الرئيس الاميركي اتصالا هاتفيا بنظيره التركي رجب طيب اردوغان للتعبير عن قلقه فيما تحدثت الناطقة باسم الخارجية الأميركية هيذر ناويرت بشأن عفرين. 

وقالت ناويرت أن وزير الخارجية ريكس تيلرسون أجرى سلسلة محادثات "جدية وصريحة" مع نظيره التركي مولود تشاوش اوغلو. 

وأشارت إلى أن "هذه المنطقة التي نتحدث عنها (عفرين) كانت مستقرة نسبيا نظرا إلى أنها في سوريا"، نافية الادعاءات التركية بوجود مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية فيها وداعية إلى "تخفيف التصعيد". 

لكن بغض النظر عن الضجة الدبلوماسية التي تثيرها واشنطن الآن نظرا إلى وجود عملية تركية تم التخطيط لها منذ مدة طويلة، يؤكد قرار اردوغان المضي قدما على مدى محدودية التأثير الأميركي. 

ولربما لم تصغ أنقرة إلى شريكتها في حلف الأطلسي، لكن ما لا شك فيه هو أنها ما كان يمكن ان تتحرك دون الحصول على ضوء أخضر من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين -- الداعم الرئيسي لنظام بشار الأسد. 

صفقة تركية روسية

وأغرت روسيا، التي تملك قوات في سوريا إلى جانب ما تبقى من مؤيدي الأسد والميليشيات الشيعية المدعومة من ايران، تركيا بالانخراط في جهود تقودها موسكو لانهاء الحرب الأهلية في سوريا التي تدخل الآن عامها الثامن. 

ويجري ذلك بموازاة محادثات السلام التي ترعاها الأمم المتحدة وتدعمها واشنطن في جنيف للاتفاق على تسوية سياسية تنهي حكم الأسد. 

لكن لدى أنقرة الناقمة على العلاقات بين الولايات المتحدة والأكراد دوراً في الجهود الروسية فيما يبدو أن اردوغان قد أبرم صفقة مع بوتين للسيطرة على عفرين. 

وقال قادة أكراد لوكالة فرانس برس إن موسكو عرضت حمايتهم من تركيا في حال سلموا إدارة منطقتهم إلى نظام الأسد. ولدى رفضهم، سحبت القوات الروسية غطاءها الجوي. 

واوضحت الباحثة في مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات ميرفيه طاهر أوغلو لوكالة فرانس برس أن بوتين أعطى الأتراك الضوء الأخضر للسيطرة على عفرين مقابل انخراط أنقرة في مفاوضات السلام باستانا التي تقودها موسكو.

وستتضمن الصفقة على الأرجح اتفاقية من نوع ما لتخفيف التصعيد بين النظام السوري والفصائل المدعومة من تركيا في محافظة ادلب، وهو ما سيفسح المجال للمقاتلين العرب لمواجهة الأكراد.