الدار البيضاء: قال مصطفى الرميد، وزير الدولة المكلف حقوق الإنسان إن المغرب انخرط بشكل واضح في التصدي لظاهرة الاتجار بالبشر وحماية ضحاياها وتعزيز التعاون مع الدول الأطراف، بمصادقته على اتفاقية للأمم المتحدة في هذا الشأن وبروتوكول باليرمو، فضلا عن انخراطه في مسار دولي بشراكة مع مكتب المنظمة الأممية المعني بمكافحة المخدرات والمنظمة الدولية للهجرة، باعتماد مقاربة شمولية في إطار خطة عالمية.

صورة تذكارية للوزير الرميد مع القاضيات

و أفاد الرميد في كلمة ألقاها في ندوة دولية بعنوان"حماية حقوق الإنسان في سياق مكافحة جريمة الاتجار بالبشر"، من تنظيم اتحاد قاضيات المغرب بشراكة مع وزارة الدولة المكلفة حقوق الإنسان، اليوم الجمعة، بالدار البيضاء، أن المغرب لم يعد في مأمن من الظاهرة و مظاهرها التي تهم الاستغلال بمختلف أشكاله و العمل القسري، وفق المعطيات التي أنجزتها وزارة العدل و الحريات سنة 2015، والتي ساهمت في تسليط الضوء على الظاهرة سواء على الصعيد الوطني أو الدولي.

استراتيجة اللجوء والهجرة

 الرميد ورئيسة اتحاد قاضيات المغرب

و زاد الوزير قائلا"ان المغرب تحول من بلد لعبور للمهاجرين الى بلد للاستقرار، خاصة أنه يعتبر من دول الجنوب الأولى التي فتحت الباب لاستقبالهم، من خلال تبني المملكة لاستراتيجية للهجرة واللجوء، تضم عمليا مكافحة الاتجار بالبشر، من خلال اعتماد برامج تهدف إلى التحكم بها و بشبكات التهريب وتأهيل الإطار القانوني لهذا الغرض، فضلا عن إطلاق المرحلة الثانية من عملية تسوية وضعية المهاجرين في ديسمبر 2016، وهي كلها مجهودات خولت للمغرب أن يحظى بشرف رئاسة المنتدى العالمي للهجرة بشراكة مع ألمانيا".

و اعتبر وزير الدولة المكلف حقوق الإنسان أن المغرب ساهم بتعزيز المنظومة الوطنية الرامية إلى النهوض بحقوق الإنسان، من خلال نص القانون 14 27 الذي يفرض اعتماده ضرورة تفعيل مقتضياته على أرض الواقع، و اعتماد خطة العمل الوطنية في الديمقراطية و حقوق الإنسان، من أجل المساهمة في دعم مسار المغرب في مجال مكافحة الاتجار بالبشر.

استغلال جنسي

أمينة سكراتي

وأجمع حقوقيون و قضاة مغاربة على خطورة جريمة الاتجار بالبشر، بمختلف تجلياتها من استغلال جنسي للنساء و تجارة الأعضاء وبيع الأطفال واستخدامهم في التسول، لما تمثله من انتهاك صارخ للكرامة الإنسانية، يساهم في تخريب الدول وضربها في العمق.

وقالت أمينة سكراتي، رئيسة اتحاد قاضيات المغرب إن تنظيم الندوة الدولية يعد أولى خطوات قاضيات المملكة من أجل مكافحة الاتجار بالبشر، خاصة أنها أعقبت تنظيم حدث مماثل بدولة الفاتيكان، حينما دعا البابا فرنسيس التاسع لمناقشة الجريمة، حيث تجمعت 50 قاضية على مدى يومين لتقديم تجربة بلدانهن، في شهر نوفمبر الماضي.

 مصطفى الرميد

و قالت سكراتي إن معظم من يتعرضون للاتجار يمثلون الطبقات الهشة، مما يجعل الشبكات الخطيرة العابرة للقارات والعاملة في هذا المجال، تستغل ضعفهم وظروفهم الصعبة، لتجردهم من إنسانيتهم وحقوقهم بشكل واضح.

المغاربة ضحايا الاتجار بالبشر

الرميد يصافح إحدى المشاركات

من جانبها، قدمت أمينة أفروخي، رئيسة قطب النيابة العامة المتخصصة و التعاون القضائي، قراءة تحليلية في دراسة عن الاتجار بالبشر في المغرب، أنجزت سنة 2015 في إطار التعاون بين وزارة العدل ومديرية الشؤون الجنائية، و ترمي إلى التعرف على خاصيات ارتكاب هذه الجريمة، لا سيما ان الفترة التي شهدت إنجازها، لم تشهد بعد إصدار قانون خاص يجرم الظاهرة إلا بعد فترة، مما شكل عائقا واضحا أمام إنجازها، حيث كانت معالجة الحالات تتم من خلال النصوص القانونية التي تجرم صور استغلال الضحايا.

 قاضيات وخبراء يناقشون الظاهرة

و اعتمدت الدراسة على المقابلات التي أجريت بالمؤسسات الحكومية، على رأسها المحاكم ومصالح الشرطة و الدرك الملكي ووزارة الداخلية، إضافة إلى بعض المنظمات الدولية، حيث يمكن تصنيفها إلى شقين، يهمان بالأساس الاتجار بالأجانب أو المهاجرين الوافدين على المغرب، والاتجار بمغاربة الخارج.

وأضافت أفروخي" انه من بين 100 سيدة، تعرضت أكثر من 60 بالمائة منهن، تتراوح اعمارهن ما بين 15 و30 سنة، إلى الاستغلال بشكل غير قانوني في أماكن اشتغالهن كعاملات في المنازل، وفق مصالح دبلوماسية، يوجد في المغرب حوالي 5000 فلبينية، أغلبهن يعانين من سوء المعاملة، بحيث يتم احتجاز أوراقهن الثبوتية، لتتدخل المصالح القنصلية لإرجاعهن للبلد الأصل، في حين تقديمهن لشكوى بحق مشغليهم.

و أكدت المتحدثة أن الاستغلال يشمل كذلك التسول، لمواطنين من دول جنوب الصحراء مرفوقين بأطفال، ليسوا دائما أبناءهم البيولوجيين، يحصلون عليهم بعد القيام ببيعهم.

جانب من الحضور

و بشأن استغلال المغاربة بالخارج، قالت أفروخي إن 7 بالمائة منهم يمثلون عمالة بالدول العربية و خاصة الخليج، و هي الدول التي تسجل أكبر عدد من المشاكل، فمن أصل 8000 شكوى تتوصل بها الوزارة المكلفة المغاربة في الخارج، توجد حوالي 20 بالمائة منها، موضوعها استغلال الفتيات في الدعارة، إضافة إلى المشكل الذي يطرحه نظام الكفيل المعتمد بالخليج، والذي يجعل المشغل مكبلا تحت رحمة كفيله، بحيث يمنع من السفر والتجوال إلا بعد طلب الإذن، و تسحب منه كل وثائقه ويتعرض لأسوء أشكال المعاملة.

و عن الإشكاليات التي تلاحق القانون المغربي الخاص بالاتجار بالبشر، صرحت أن الأمر يتطلب التعريف بمقتضياته لدى المؤسسة القضائية والحقوقية والمجتمع المدني، على اعتبار أن الضحايا يظلون دائما بحاجة إلى التحسيس والتوعية، و الحاجة كذلك إلى إحداث الهيئة التي نص عليها القانون من أجل توفير مناخ أفضل لهؤلاء الضحايا.

التجربة الأردنية

رئيسة غرفة الجنايات بالأردن

و عن التجربة الأردنية في الاتجار بالبشر، أفادت جواهر آل جبور، رئيسة غرفة الجنايات بالأردن أن بلدها يختلف عن المغرب في تطبيق القانون في الحالات السابقة، لأن الأمر يتعلق فقط بحالات فردية وليس بظاهرة كما هو الحال بالنسبة للمغرب، وذلك راجع بالأساس للحدود البرية التي تقتضي التعاطي بجدية مع الدخول غير المشروع للبلاد، في حين أن المنافذ البحرية للمغرب تسمح بتوافد مواطنين من جنسيات أخرى عليه فضلا عن تحوله لبلد استقبال لمواطني دول أفريقية، و بالتالي الحديث بشكل مكثف عن الظاهرة.

و زادت المتحدثة قائلة"ما يفاقم المشكلة هو اعتبارها أمرا طبيعيا ومسلما به من قبل الضحايا الذين لا يفطنون لاستغلالهم. في الأردن، مثلا، أنشأنا وحدة الاتجار بالبشر، هدفها الاستقصاء والبحث والتحري في أماكن العمل التي يشتبه في تعرض الأشخاص فيها للاستغلال، حيث يتم استقطاب مواطنين من شرق آسيا للعمل 

 لساعات طويلة وبمقابل مادي زهيد، فضلا عن مشكل اللغة، عند استقبال مواطنين من دول من البنغال على سبيل المثال، وهي الحادثة التي تم تسجيلها سابقا، حينما فرت خادمة من بيت مشغلتها التي تعنفها، لتسقط ضحية اغتصاب أحد المارة الذي صادفته في الشارع، ظنا منها أنه قد يساعدها".

و شددت آل جبور على ضرورة معالجة المعيقات التي تحول دون ثبوت الجريمة، ومنها سفر الضحية قبل استكمال البحث معها وسماع أقوالها، والذي يكون غالبا بتخطيط من المعتدين، والتراجع عن الشهادات خوفا من عقاب الجناة.

نموذج رائد

و خلص عبد الواحد الهلوجي، نائب وكيل الملك (النائب العام)بخريبكة ( جنوب شرق الدار البيضاء ) أن المشرع المغربي كان وافيا و واضحا في تعريفه للاتجار بالبشر، بكونه نشاط إجرامي، يهم تنقيل أو إيواء أو وساطة أشخاص، من خلال التهديد بالقوة و استغلال حالات الضعف والحاجة، فالضحية لا يكون مجرما إلا إذا ارتكب الجرم بمحض إرادته.

و اعتبر الهلوجي أن المشرع تنبه لمسألة محاسبة الضحايا، ونص على ضرورة التعرف على المذنبين، فضلا عن حمايته للمبلغين عن الجريمة. و أشار إلى ان خصوصية الجرائم تشمل عملها في إطار خلايا نائمة، مما يفرض إسنادها لقضاة لهم تجربة في الاتجار بالبشر، و هو ما يعني أن المغرب لديه تجربة رائدة فيما يخص التعاون القضائي وتسليم المجرمين.

و شهدت الندوة الدولية مشاركة مجموعة من القاضيات والفاعلات وعدد من المهتمين بالشأن الحقوقي، من المغرب و اسبانيا وفرنسا ومالي وتونس وموريتانيا والأردن والمكسيك، من أجل تبادل الخبرات والاطلاع على تجارب بلدانهن في محاربة الظاهرة العابرة للقارات.