بعد صحيفة "السفير"، أثار إقفال دار الصياد في بيروت موجة عارمة من الأسف على هذا الصرح الإعلامي العريق، ما طرح السؤال عن الأسباب الحقيقية وراء تعثّر الصحافة المكتوبة في لبنان.

إيلاف من بيروت: بعد قرار إقفال&"دار الصياد" في لبنان، أعرب الوزير والنائب السابق إيلي ماروني، عن أسفه لـ"قرار توقف جريدة الأنوار اليومية عن الصدور، وهي التي واكبت محطات تاريخية ومصيرية في لبنان، فكانت منبر الكلمة الحرة والخبر المحترم".

ماروني تمنى ألا "يكون خبر توقف كل منشورات دار الصياد حقيقيًا، فالشبكة والصياد وغيرهما، كانت صورة جميلة عن وطننا وعن مشاهيره"، موجّهًا تحية كبيرة إلى "السيدة الكبيرة إلهام فريحة، التي حافظت في ظروف صعبة على الدار الكبيرة".

وقال: "إن هذا الكلام سبق وقلته للسيدة فريحة في زيارة تقدير إلى دار الصياد"، سائلًا "أين الوزارات المعنية، ترى أهم قطاع ميّز لبنان يسقط في العجز المادي، ولا تتحرك لإنقاذ الثقافة والكلمة في وطن الحرف، إضافة إلى مأساة فقدان لقمة العيش لمئات العائلات في ظل أزمة إقتصادية خانقة وانعدام فرص العمل؟"، مع دعوته إلى "خطة إنقاذية سريعة، كي لا يندثر عنوان رئيس من تاريخنا".

سلطة الانترنت
بعد قرار إقفال دار الصياد في لبنان، يطرح السؤال عن أسباب إقفال دور الصحافة في لبنان وتعثرها.

يقول الأكاديمي الدكتور أمين كركي لـ"إيلاف" إن تزايد سلطة الانترنت، وانخفاض الميزانيات الإعلانية للصحف التقليدية واتجاهها نحو وسائل الإعلام الالكترونية، وعدم اهتمام جمهور الشباب بالمطبوع، والتغيير في أنماط التفكير والقراءة لدى مجتمع المعرفة، وانتصار ثقافة الحصول المجاني على كل شيء... كلها مجتمعة تشكل اليوم الأسلحة التي يتمسك بها الداعون إلى نهاية عصر قراءة الصحف، في مقابل جيل آخر يرفع شعار"البقاء الأزلي لقراء الصحف"، كيف لا، وهم من خلال قراءتهم للصحيفة يشركون كل حواسهم، ويؤكدون أن المطبوع لا يزال يملك ميزة اللمس والحواس والمسام التي تشارك كلها في عملية القراءة.

بين جيلين
يضيف كركي :"قراءة الصحف تتأرجح اليوم بين جيلين، جيل الشباب ومعه كل أنواع التكنولوجيا، التي دخلت في أدق تفاصيل الرسالة الإعلامية، وجيل المخضرمين الذي لم يفقه من التكنولوجيا سوى صعوبتها وعدم قدرتهم على فك رموزها وطلاسمها".

وبين الجيل القديم الذي لا يزال يتمسك بقراءة الصحيفة الورقية، وجيل الشباب، (جيل الأيفون والآيباد)، صراع قد تكون الصحيفة الورقية ضحيته، فهل نحن أمام حتمية انتهاء جيل الصحف وقرائها، للولوج أمام حقبة جديدة ترفع راية التكنولوجيا عاليًا؟.

يؤكد كركي: "لا شك أنه خلال العقود الخمسة الماضية كانت الصحافة جزءًاً من حياة الناس ومن تاريخ المجتمعات، ومرآة لكل ما يجري فيها، لكن مع منتصف التسعينات من القرن الماضي واجهت الصحافة الورقية تحديًا خطيرًا يتمثل في منافسة إلكترونية شرسة ووحش رقمي وعالم افتراضي تفاعلي غير محدود، فتح آفاق المعرفة لأجيال جديدة، كما فتح الباب أمام تواصل غير مسبوق في العالم، ما أثر على الصحف المكتوبة في العالم، ووصل هذا التأثير أخيرًا إلى لبنان، مع أزمة صحيفة "السفير" الأخيرة، وأزمة إقفال دار الصياد أيضًا.

أزمة حقيقية
بدوره يرى الإعلامي أنطوان خوري في حديثه لـ"إيلاف" أن الصحف الورقية في لبنان تواجه أزمة حقيقية، والسبب يعود إلى سرعة الإعلام الإلكتروني، حيث يغطي كل الأخبار التي تُقرأ في اليوم التالي في الصحف المطبوعة، والصحف الورقية لا تزال تتميز بالتحليل السياسي والمهنية. ومن المتوقع أن يكون المسار في لبنان باتجاه تحوّل كل الصحف الورقية إلى الكترونية.

"كيف يمكن الحفاظ على مستقبل الصحف الورقية وعدم اندثارها؟"... يجيب خوري إن "الصحف الورقية في كل العالم تواجه أزمة، ففي السابق لم يكن من سبل لمعرفة الخبر فورًا، ولكن الأمور تغيرت، فالخبر بات يعرف بلحظته، وهذا تطوّر طبيعي للأمور، فلماذا يجب أن نحافظ على الصحيفة الورقية في وقت هناك بدائل عنها؟".

ويشير إلى أن المهنية حتى في الصحف الورقية مع الجيل الجديد تراجعت كثيرًا، ونحن مع أن يتحوّل المهنيون في الإعلام من الجيل القديم إلى الصحف الإلكترونية.

يلفت خوري إلى أنه على الأقل اليوم الكليات التي تخرّج الصحافيين في الصحف الورقية في لبنان والعالم يجب أن تتوقف قليلًا، لأنها تخرّج صحافيين مهدّدين بأن يكونوا عاطلين عن العمل.
&