ينتخب القبارصة الأحد رئيسهم المقبل في الدورة الثانية من الانتخابات التي يتنافس فيها الرئيس الحالي نيكوس أناستاسيادس وخصمه اليساري ستافروس مالاس على من هو الأفضل لإعادة توحيد الجزيرة وضمان تعافي الاقتصاد بعد الأزمة المالية.&

إيلاف: حصل المحافظ اناستاسيادس على 35.5 بالمئة من الاصوات في الدورة الأولى التي جرت في 28 يناير، فيما حل مالاس المدعوم من الشيوعيين في المرتبة الثانية مع حصوله على 30 بالمئة من الأصوات.&

تعتبر المواجهة الاخيرة الاحد بمثابة اعادة لانتخابات عام 2013 التي تنافس فيها الرجلان، وشهدت فوز اناستاسيادس في ظل أزمة مالية عاشها البلد العضو في الاتحاد الأوروبي الذي يشكل اليونانيون غالبية سكانه.&

لكن مع رفض المرشحين الخاسرين هذه المرة دعم اي من المرشحين، يتوقع ان تكون المنافسة محمومة في وقت يسعى اناستاسيادس المحامي السابق الى الفوز بولاية ثانية وأخيرة مدتها خمس سنوات.

وقال اناستاسيادس لدى إدلائه بصوته في مدينة ليماسول الساحلية التي يتحدر منها "أدعو بحرارة كل مواطن إلى عدم التخلي عن حقه في اختيار الرئيس المقبل". وأضاف أن "الامتناع (عن التصويت) هو بمثابة السماح لشخص آخر باتخاذ القرار بدلا منكم".

أما مالاس، فقال بعدما أدلى بصوته الأحد "اليوم يقرر الشباب مستقبلهم"، متعهدًا بدعم أولئك الذين لا يزالون يعانون من تبعات الأزمة الاقتصادية.&

وفي مركز اقتراع في نيقوسيا، كان التركيز على جهود إعادة توحيد الجزيرة والاقتصاد. وقال جورج سوغليس (73 عاما) وهو صاحب محطة بنزين لوكالة فرانس برس في احد مراكز الاقتراع بالعاصمة نيقوسيا "منحت صوتي لاناستاسيادس لاعتقادي بأنه الخيار المثالي لإدارة البلاد في هذه المرحلة". وأضاف "سيواصل العمل من أجل الاقتصاد والمشكلة القبرصية" المتمثلة بانقسام تعيشه الجزيرة منذ أكثر من أربعة عقود بين شطريها الشمالي والجنوبي.&

لكن لا يبدو أن الجميع مقتنع بالرئيس الحالي. وقال نيكولاس بيتروس (67 عاما) الذي اضطر إلى اغلاق شركته بسبب الأوضاع الاقتصادية "نحتاج إلى تغيير". وأضاف "في السياسة، خاصة في ما بتعلق بالمسألة القبرصية، كان الأمر عبارة عن وعود ووعود. وعلى الصعيد الاقتصادي، واجهنا مشاكل كثيرة".&

جهود إعادة التوحيد
يطغى انقسام الجزيرة المتوسطية المستمر منذ نحو 44 عاما، بين جمهورية قبرص المعترف بها دوليا في الجنوب ودويلة مدعومة من تركيا في الشمال، على الانتخابات.&

وتعهد اناستاسيادس البالغ من العمر 71 عاما باجراء مفاوضات جديدة مع الزعيم القبرصي التركي مصطفى اكينجي بالرغم من انهيار المفاوضات الاخيرة المدعومة أمميا في يوليو الماضي، والتي كانت الاقرب اكثر من اي وقت مضى الى انجاز اتفاق.

ويُعدّ وزير الصحة السابق مالاس (50 عاما) من ابرز الداعين الى اعادة توحيد قبرص حتى أنه انتقد خصمه لعدم قيامه بما هو كاف للتوصل الى اتفاق.&

وأنعش نجاح المرشحين الأكثر حرصا على التوصل إلى اتفاق مع القبارصة الأتراك الامال بامكانية تحقيق تقدم في الملف.

لكن تبقى هناك عقبات رئيسية لعل أبرزها مستقبل نحو 40 الف جندي تركي يتمركزون في شمال الجزيرة والشكوك في مدى استعداد طرفي النزاع للتوصل الى تسوية لتوحيد الجزيرة.

وأشار الاستاذ في جامعة نيقوسيا هوبرت فوستمان إلى أن "الإطار السياسي الأوسع الذي يأتي الرئيس (المقبل) إلى السلطة في ظله غير مناسب للتوصل إلى تسوية". &&

معركة اقتصادية
ويبدو ملف الاقتصاد طاغيا بالنسبة الى نحو 550 الف ناخب قبرصي يوناني، مع تعافي البلاد من الازمة الاقتصادية التي شهدتها عام 2013.

ويعتبر اناستاسيادس ان الفضل يعود اليه في التعافي الملفت للبلاد، منذ موافقته على خطة انقاذ بقيمة 10 مليارات يورو (أكثر من 12 مليار دولار) بعد اسابيع فقط من تسلمه السلطة. لكن تبقى هناك تحديات كبرى رغم العدد القياسي للسياح الذين سجلته الجزيرة.

فحجم الاقتصاد ما زال اقل مما كان عليه قبل عام 2013، ونسبة البطالة لا تزال عند 11 بالمئة فيما تعاني المصارف من الديون الهالكة. ويحظى مالاس بدعم حزب "اكيل" الشيوعي الذي كان في الحكم قبل الازمة وتم تحميله مسؤولية انهيار الاقتصاد.&

واستغل اناستاسيادس هذا الامر وحذر الجمعة من "عودة السياسات العقائدية التي قادتنا الى حافة الافلاس". وبعد سباق باهت، تبدو اللامبالاة عالية في أوساط الناخبين بسبب عدم تمكن اي مرشح من اجتذاب انتباههم وخاصة من بينهم شريحة الشباب.

وانخفضت نسبة المشاركة في الدورة الأولى بشكل قياسي نسبيا، اذ تجاوزت 71 بالمئة بقليل. وبعد الساعات الثلاث الأولى من بدء الاقتراع الأحد، أدلى 10,9 بالمئة من الناخبين المسجلين بأصواتهم. تغلق مراكز الاقتراع ابوابها عند الساعة 16,00 بتوقيت غرينتش، فيما يتوقع إعلان النتائج وتنصيب الرئيس المقبل مساء الاحد.

أكثر من أربعة عقود من التقسيم والمفاوضات
يخضع ثلث الجزيرة الشمالي حيث يعيش القبارصة الأتراك لسلطة كيان لا تعترف به الأسرة الدولية انما يحظى باعتراف أنقرة.

ما زالت المستعمرة البريطانية سابقا، مقسومة منذ 1974 عندما اجتاحت القوات التركية الثلث الشمالي من الجزيرة ردا على انقلاب في نيقوسيا.

استقلال ونزاع&
في 16 أغسطس 1960، نالت قبرص استقلالها عن المملكة المتحدة. واعتمدت دستورًا يسعى الى الحفاظ على الاستقرار بين سكان الجزيرة المنقسمين.

منحت بريطانيا واليونان وتركيا نفسها في ميثاق حق التدخل، في حال سعت قبرص الى الانضمام الى دولة أخرى. في حينها، كان القبارصة اليونانيون يأملون في الالتحاق باليونان.

في أواخر عام 1963، اندلعت أعمال عنف بين القبارصة اليونانيين والقبارصة الأتراك. وتم في سنة 1964 انشاء قوة حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة في قبرص. وبين 1963 و1964، سجل فقدان نحو 2000 شخص في مواجهات بين المجموعتين.

تقسيم&
في 15 يوليو 1974، أطاح انقلاب خطط له قوميون قبارصة يونانيون بهدف الحاق الجزيرة باليونان، برئيس الجمهورية الاسقف مكاريوس الثالث.

وفي 20 يوليو انزلت تركيا قوات في شمال الجزيرة بحجة حماية الاقلية القبرصية التركية التي تمثل أقل من 20% من السكان.
بعد ثلاثة أيام، سقط النظام العسكري في اثينا واتباعه في نيقوسيا.

في 30 يوليو، أقامت تركيا واليونان وبريطانيا، الدول الضامنة لاستقلال قبرص، "منطقة امنية" تحت اشراف جنود الامم المتحدة الموجودين اصلا على الجزيرة منذ 10 سنوات واعترفت بوجود ادارتين منفصلتين.

لكن الجيش التركي واصل تقدمه واستولى في 15 اغسطس على منطقة فماغوستا (شرق). في ديسمبر استعاد الاسقف مكاريوس مهامه كرئيس.

وفقا للسلطات القبرصية اليونانية أوقع النزاع ثلاثة الاف قتيل و1400 مفقود، كما تسبب بنزوح 162 ألف قبرصي يوناني و48 ألف قبرصي تركي، حسب معهد الابحاث من أجل السلام في اوسلو. وانتهى بذلك الاختلاط في جميع المناطق تقريبا.

"جمهورية" معلنة من جانب واحد&
في 15 نوفمبر 1983 اعلن زعيم القبارصة الاتراك رؤوف دنكطاش "جمهورية شمال قبرص التركية" على 38% من الاراضي حيث تنتشر القوات التركية. ووحدها أنقرة اعترفت بهذا الكيان.

اولى نقاط العبور
في ابريل 2003 تم فتح اول نقطة عبور على "الخط الاخضر" في نيقوسيا أعقبه فتح نقاط أخرى.

في 2004 استؤنف تبادل السلع.

قبرص والاتحاد الاوروبي
في 24 ابريل رفض القبارصة اليونانيون في استفتاء بنسبة أكثر من 75% خطة لتوحيد الجزيرة باشراف الامم المتحدة وافق عليها القبارصة الاتراك بنسبة 65%.

في الاول من مايو انضمت جمهورية قبرص المقسمة الى الاتحاد الاوروبي ولا يشمل ذلك الا القسم الجنوبي منها.

مفاوضات غير مجدية&
في سبتمبر 2008 &بدأ الرئيس القبرصي اليوناني ديميتري خريستوفياس والزعيم القبرصي التركي محمد علي طلعت مباحثات مباشرة بعد توقف أربع سنوات. ورغم اللقاءات المنتظمة لم يحرز الملف اي تقدم.

علق القبارصة الاتراك الحوار في 2012 احتجاجا على تولي جمهورية قبرص الرئاسة الدورية للاتحاد الاوروبي.

في فبراير 2014 أعاد الرئيس نيكوس اناستاسياديس والزعيم القبرصي التركي درويش اروغلو تحريك المفاوضات. لكن القبارصة اليونانيين انسحبوا منها في اكتوبر احتجاجا على اقتراب قطعة بحرية تركية من منطقتهم الاقتصادية الحصرية.

في 15 مايو 2015 استؤنفت المفاوضات لاقامة فدرالية بين كيانين (قبرصي يوناني وقبرصي تركي) بعد توقف سبعة أشهر مع اجتماع بين الرئيس اناستاسياديس ومصطفى اكينجي الزعيم الجديد في "جمهورية شمال قبرص التركية".

شهد عام 2017 جولتين جديدتين من المفاوضات برعاية الأمم المتحدة في سويسرا في يناير، وبعدها في يونيو، الا أنها باءت بالفشل. ومن بين المسائل الأساسية العالقة الحضور العسكري التركي وتقاسم الأراضي والضمانات الأمنية.
&